حينما لبَّى عبدالفتاح السيسي مطالب الشارع المصري بإسقاط الإخوان المسلمين من سدَّة الحكم في مصر أصبح الرجل الأكثر شعبية في مصر والوطن العربي، لكن مع مرور الوقت بدأت تتوالى الكثير من الهفوات والأخطاء من الرجل، وتغاضى الكثير عنها، خصوصاً إذا قورنت هذه الأخطاء بالإنجاز الكبير الذي حققه بإزاحته كابوس الإخوان عن كاهل المصريين. لكن الهفوة أو الخطيئة في حق مصر، قبل أن تكون في حق اليمن، والتي لا يجوز السكوت عنها هي مشاركته في عدوان غير مبرر على بلد وعلى شعب يعتز ويفخر ويباهي دائماً بحب مصر، وحب شعب مصر.. على الشعب اليمني. الأمر الذي يدفعنا لوضع الرجل تحت مجهر التحليل والنقد الموضوعي، الذي لن يخضع لردود الفعل الغاضبة من مشاركته في جريمة العدوان على شعب مقهور ومستضعف كالشعب اليمني.. لأن هذا الأمر سيسجله التاريخ (بكل أسف) كوصمة عار في جبين بلد عظيم كمصر . بدايةً يوجد شبه إجماع، حتى عند المصريين، أن توريط السيسي لمصر وجيشها في العدوان على اليمن دافعه الأساسي هو دافع اقتصادي بحت، لا مسألة هوية عربية ولا (دياولو) كما يقول المصريون . بمعنى أن المِنَح والعطايا والهبات السعودية والخليجية لمصر هي كلمة السر (المعلنة) في هذه القضية، خصوصاً أن الغبي فقط من يظن أن دول الخليج يمكن لها أن تدفع فلساً واحداً دون مقابل . هذه حقيقة واضحة لا تحتاج إلى إثبات . وهذه الحقيقة قد تدفع البعض من المصريين للسكوت عن السيسي وجريمته التي ترقى إلى مستوى الخيانة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العروبي والقومي . الحاجة هي نقطة ضعف مصر، وحكومة مصر، وشعب مصر، وهي الذراع التي تمسك بها السعودية وتلويها متى تشاء، لتجعل من بلد عظيم وعريق كمصر مجرد تابع لدولة غنية تشتري الدول واستقلالها، ومستقبلاً أمنها واستقرارها، بالمال. هنا لن أخوض كثيراً في هذه المسالة، لأن الكرة في ملعب المصريين الشرفاء الأحرار الذين يفكرون الآن في الوضع الحالي لمصر، الذي لا يليق بها ولا بتاريخها، خصوصاً أن السيسي جعل من مصر وجيش مصر مجرد بلطجي (للأسف) مستعد أن يذهب ليشارك في أية (خناقة) مقابل الفلوس.. هذه هي الحقيقة ولو كانت مؤلمة، وأعرف أن هذا يغضب المصريين والجيش المصري، ولكن عليهم مواجهة هذه الحقيقة.. القبول بها أو رفضها أمر يخصهم . لكن الأمر الذي يستحق من المصريين التأمل فعلاً، وبتفكير وتحليل جدي، ليس وضع اليمن وشعب اليمن، لكن وضع مصر نفسها، خصوصاً بعد الانتهاء من جريمة عاصفة الحزم . بالتقييم لأداء عبدالفتاح السيسي سنلاحظ بدايةً أنه ارتضى لبلده أن تكون دولةً لا تملك قراراً سياسياً مستقلاً، بعد أن سلَّم قرار بلده للسعودية مقابل المال .. من خلال مراقبة أداء السيسي يمكننا استنتاج إلى أين سيذهب ببلده مستقبلاً : لم يستطع السيسي لحد الآن من قهر التنظيمات الإرهابية في سيناء، مع أن هذه المسألة ليست بالصعوبة التي قد يتصورها البعض. الأمر الذي يثير الشكوك القوية والمشروعة حول توفر الإرادة السياسية للسيسي في محاربة الإرهاب.. نعم.. هذا أمر فيه شك كبير.. ربما لأن قرار بسط سلطة الدولة على سيناء قد لا يكون بيد السيسي.. قد يكون بيد السعودية مثلاً.. وتوجد قرائن تؤكد أن السيسي يساهم في دعم الإرهاب بشكل أو بآخر .ولعل أهم هذه القرائن هي مشاركته في عملية عاصفة الحزم في اليمن.. كون المستفيد الأكبر من هذه العملية هي القاعدة وأنصار الشريعة وداعش .. داااااااعش الذين ذبحوا أكثر من عشرين مصرياً في ليبيا.. السيسي يحاربهم، أو يدَّعي محاربتهم في ليبيا، وفي نفس الوقت يساندهم في اليمن بمشاركته في عاصفة الحزم . لعل هذا يعتبر دليلاً كافياً، على الأقل في الوقت الحاضر. وإذا لم تكن حقيقة أن عاصفة الحزم هي عملية داعمة للتنظيمات الإرهابية، واضحة للمصريين فلا بأس، توجد بلاوي أخرى يجب على المصريين التفكير فيها بكل جدية. أهم مؤسستين يباهي بها المصريون هي مؤسسة القضاء ومؤسسة الجيش ..أما عن القضاء فمن الواضح أنه مستهدَف من السعودية بهدف السيطرة عليه، وإفقاده استقلاليته وهيبته، وبما يؤثر كارثياً على مصر ومستقبلها . ولعل الحكم القضائي باعتبار كتائب القسام التابعة لحماس تنظيماً إرهابياً، ثم التراجع عن ذلك الحكم بحكم قضائي أيضاً، بطلب من الحكومة المصرية (خضوعاً للإملاءات السعودية طبعاً) لعل ذلك الأمر يثير الشكوك والتساؤلات حول مستقبل واستقلالية القضاء في مصر. أما عن مؤسسة الجيش فيجب الوقوف مطولاً.. يفخر المصريون والعروبيون بجيش مصر، كونه من أقوى جيوش المنطقة، إن لم يكن الأقوى على الإطلاق، هذه ميزة كبرى لمصر، وهي في نفس الوقت مشكلة كبرى أيضاً. يجب على المصريين أن يعرفوا أن مسألة بقاء الجيش المصري جيشاً وطنياً قوياً هي مسألة غير مقبولة من الكثير.. سواء عربياً، أو إسرائيلياً، أو غربياً .. لذلك، لا بد من الإقرار بالحقيقة التالية ومواجهتها.. تقول هذه الحقيقة: إن الجيش المصري مستهدف لإضعافه وتفكيكه وتدميره.. إنكار هذه الحقيقة، سواء في هذه الظروف أو حتى في الظروف الطبيعية، سيكون أمراً غبياً ولا شك . لكن كيف يتم استهداف الجيش المصري؟ هذا هو السؤال . إن عملية عاصفة الحزم، بقدر ما تمثل استهدافاً لليمن وشعبه وجيشه ومقدراته، تمثل في نفس الوقت استهدافاً خطيراً أيضاً للجيش المصري، كونه يمس بأهم أساس يستند إليه كجيش وطني قوي.. هذا الأساس هو العقيدة القتالية . الذي يظن أو يتصور أن قوة الجيش المصري تتمثل فقط في عدته وعتاده وتشكيلاته وتدريباته ومهاراته مخطئ تماماً. إن أهم نقطة قوة تحسب للجيش المصري، والتي يجري الآن القضاء عليها هي عقيدته القتالية . هذا أهم سلاح يمتلكه جيش مصر، والذي سيخرج من عملية عاصفة الحزم فاقداً له بصورة تلقائية. وحينما يفقد الجيش عقيدته القتالية سيسهل بعد ذلك تدميره، وبما لا يخطر على بال. إذا أردت أن تدمر جيشاً قوياً بسرعة فائقة لا تضيِّع الوقت في استهداف العتاد والسلاح والتجهيزات، توجَّه مباشرة نحو عقيدته القتالية.. بعد ذلك سيسهل عليك تدمير كل ما تبقي من هذا الجيش، مهما كان قوياً وعظيماً . إنها إشارة الخطر تدق على مصر وجيشها، تقول هذه الإشارة إن عملية عاصفة الحزم تهدف بدرجة أساسية لتدمير الجيش المصري . بعد استهداف وتدمير جيش مصر لن أخوض مطولاً في المخطط المرسوم لتقسيم مصر، لأن ذلك سيكون تحصيل حاصل، وبيد الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه . الذي قاله السيسي في حملته الانتخابية ‘نه سيعمل على إعادة التقسيم الإداري لمصر على أسس علمية و.. و.. و... إلخ .يذكرني هذا بعبدربه منصور هادي الذي أوصل اليمن إلى ما هي عليه . إن التقسيم الإداري الذي تكلم عنه السيسي في حملته الانتخابية لن يكون إلا مجرد غطاء لتمرير المخطط الخارجي لتقسيم مصر، الذي سيتم بعد الانتهاء من القضاء على قضاء مصر وجيشها . والخلاصة: يمكن اعتبار عبدالفتاح السيسي بمثابة عبدربه منصور هادي الخاص بمصر.. والأيام بيننا.