الشائع بين الناس أن اليمنيين تلقوا من الرسول محمد (ص) رسالة يدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام، فاستجابوا من فورهم، ودخلوا في دين الله أفواجاً، دون غزوات أو فتوحات، ويعبر عن هذا الشائع بمقولة: "اليمنيون آمنوا برسالة"! وهذا غير صحيح، لأن اليمنيين اعتنقوا الإسلام قبل أن تصل رسالة الرسول إلى "ملوك حمير"، وهذا ما ينبغي أن يفهمه الذين لا يزالون مصرين على تعليمنا الإسلام.. فرسالة الرسول كانت رداً على رسالة ملوك حمير إليه، وبلغوه فيها بإسلامهم وإسلام أهل اليمن، وذلك عندما كانت دعوة الإسلام في حالة امتحان مع الروم في شمال الجزيرة العربية.. فبعد أن أرسلوا إليه رسالتهم رد عليهم برسالة يثني عليهم، ويبيِّن لهم فيها بعض الالتزامات، وهذا ما يُفهم من مرويات ابن هشام (اقرأ سيرة ابن هشام- المجلد الرابع- صفحتي 244، 245)، قال ابن هشام، فكتب إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي، إلى الحارث بن عبد كلال، وإلى نعيم بن عبد كلال، وإلى النعمان قيل ذي رعين وعافر وهمدان.. أما بعد ذلكم، فإني أحمد إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم به، وخير ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه".. ثم بيَّن لهم في رده على رسالتهم ما يجب على المؤمنين من زكاة الزروع والحيوان، وأن من كان على يهوديته أو نصرايته يُترك على دينه ويدفع الجزية، وفي الرسالة قال الرسول للملك الحميري زرعة بن سيف بن ذي يزن إن معاذ بن جبل سيكون أمير رُسلي إليكم، وعليه وعلى بقية ملوك حمير جمع الصدقات والجزية من أهل مخاليفهم، وتسليمها لمعاذ. فالرسول في رسالته إلى زرعة بن سيف، والحارث، ونعيم، والنعمان وغيرهم من أقيال وملوك حمير في شبوة وأبين والمعافر وهمدان ومذحج وذي رعين، بيَّن أن رسولهم قابل الرسول في المدينة وذلك بعد عودة الرسول من أرض الروم (غزوة تبوك في رمضان سنة 9 هجرية)، وكان رسولهم هو مالك بن مرة الرهاوي خرج من اليمن حاملاً رسالتهم بشأن إسلامهم، وهذه الرسالة اتفقوا عليها في الجند في أول جمعة من رجب 9 للهجرة، بينما كانت الدعوة الإسلامية تواجه تحدياً من الشمال، لدرجة أن الرسول قاد غزوة تبوك بنفسه، وفي وقت عسرة، حيث تخاذل كثير من أهل المدينة وما حولها من العربان والمنافقين!!