بتواطؤ حوثي.. مسلحون يحرقون منزلاً في محافظة إب بعد نهبه    الدفاعات الإيرانية تدمر 12 طائرة مسيرة صهيونية في همدان    الحرس الثوري يطلق الموجة 19 من الطائرات الانتحارية نحو الكيان    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    محافظ تعز يبحث مع مسؤول أممي أزمة المياه والحلول الممكنة    الرزامي يهاجم حكومة الرهوي: الركود يضرب الاسواق ومعاناة الناس تتفاقم وانتم جزء من العدوان    المقاومة العراقية تنعَى مسؤول وحدتها الأمنية في غارة صهيونية على الحدود    سريع يكشف متى ستستهدف قواته السفن والبوارج الامريكية في البحر الأحمر..؟    تدشين الدورة الآسيوية لمدربي كرة القدم المستوى "C" بالمكلا    ما وراء حرائق الجبال!!    حملة لازالة البساطين والعشوائيات في باب اليمن    برعاية طارق صالح.. الإعلان عن المخيم المجاني الثاني لجراحة حول العين في المخاء    نجم مانشستر سيتي في طريقه للدوري التركي    الرهوي يشيد بجهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية    الطوارئ الإيرانية: إصابة 14 من طواقم الإسعاف وتضرر 7 سيارات جراء العدوان الصهيوني    إحباط عملية تفجير غربي إيران واعتقال عنصر مرتبط بالموساد    ليفاندوفسكي يحدد وجهته بعد حقبة برشلونة    الشغدري يتفقّد مشاريع خدمية في دمت بالضالع    وزيرالكهرباء ومحافظ المحويت يناقشان أوضاع مشاريع المياه والصرف الصحي    إخماد حريق في منزل بمنطقة شملان    تشيلسي يقترب من إبرام صفقة مؤجلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    الأرصاد يتوقع هطول امطار على بعض المرتفعات ورياح شديدة على سقطرى ويحذر من الاجواء الحارة    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    شبكة حقوقية تدين إحراق مليشيا الحوثي مزارع مواطنين شمال الضالع    نكبة الجنوب بدأت من "جهل السياسيين" ومطامع "علي ناصر" برئاسة اليمن الكبير    هجوم إيراني فجر السبت والنيران تتصاعد في موقع وسط تل أبيب    بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر    علي ناصر يؤكد دوام تآمره على الجنوب    بقيادة كين وأوليسيه.. البايرن يحلق إلى ثمن النهائي    الأحوال الجوية تعطل 4 مواجهات مونديالية    حشوام يستقبل الأولمبي اليمني في معسر مأرب    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    هذا أنا .. وفي اليمن روحي    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الإرادات.. من مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب
نشر في اليمن اليوم يوم 28 - 07 - 2015

كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العراقية الإيرانية يدل على أن ما يحرك سياستها الخارجية ليس فقط مصالحها، ولكن أطماعها ومخططاتها التوسعية أيضا.. فهي في كل نزاع بين أي دولتين متجاورتين، تمارس سياسة انتهازية وبراجماتية، حتى وإن كانت تظهر انحيازا ودعما لأحد الطرفين. في الحرب العراقية الإيرانية كانت أمريكا تدعم العراق علنا، وتدعم إيران بطريقة غير علنية..وكان واضحا من مجريات الحرب العراقية الإيرانية أن ثمة مأزقا حقيقيا ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في منطقة الخليج.. لأن من سينتصر في تلك الحرب سيكون مهيمناً على منطقة الخليج. تأسيساً على ذلك، يمكن القول أن الدعم الأمريكي والسعودي والخليجي للعراق أثناء الحرب، كان غير ثابت ويتقلَّب بصورة حلزونية، تبعاً لمجريات التراجع والتقدم لهذا الطرف أو ذاك في مسار الحرب. من نافل القول أن هذه الدول لم تكن منحازة إلى العراق أو معادية لإيران بشكل مطلق، بقدر انحيازها إلى مصالحها الاستراتيجية العليا.. لذلك كان الدعم الأمريكي والخليجي للعراق يهدف إلى استمرار الحرب، ولا يهدف إلى تحقيق انتصار العراق، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في تصريح صحفي شهير عام 1985 قال فيه: (لن يخرج أحد من هذه الحرب منتصرا). وبالمقابل كان دعم سوريا وليبيا واليمن الديمقراطية لإيران، يستهدف إيجاد توازن يساعد على وقف الحرب وليس استمرارها، وقد تحدثت في الحلقة الماضية عن الدعم متعدِّد الأشكال والأدوات، بما في ذلك الدعم اللوجيستي الذي قدمته سوريا وليبيا واليمن الديمقراطية لإيران، حيث أوجد هذا الدعم فرصاً هائلة لتمدُّد الدبلوماسية الإيرانية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، نظرا للعلاقات الوثيقة التي كانت تربط سوريا وليبيا واليمن الديمقراطية بالكثير من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا التي وُلدت من رحم حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار. وأتذكر أن الرئيس علي ناصر محمد كان يقضي إجازة قصيرة للراحة والاستجمام في أحد المتنفسات الطبيعية على ضواحي العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.. وما أن قضى ثلاثة أيام من الإجازة حتى وصلته برقية من عدن تفيد بأن الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيرانية، يرغب في زيارة عدن واللقاء بالرئيس علي ناصر محمد على وجه السرعة.. وعندما تم إبلاغه بأن الرئيس علي ناصر محمد غير موجود في اليمن الديمقراطية بل في زيارة خاصة خارجها، شدَّدت الخارجية الإيرانية على ضرورة إبلاغ الرئيس علي ناصر محمد بأهمية ذلك اللقاء. بموجب التقاليد والبروتوكولات والأعراف الدولية كان صعباً على الرئيس علي ناصر محمد دعوة ولايتي إلى أديس أبابا لمقابلته فيها، لأن ذلك يعتبر أمراً يتعلق بسيادة أثيوبيا على أجوائها وأراضيها، خصوصا وأن موقف أثيوبيا كان فاترا من الحرب العراقية الإيرانية، ولم تدعم أو تؤيد أياً من طرفي الحرب. طلب الرئيس علي ناصر محمد مقابلة الرئيس الأثيوبي مانجيستو هيلا مريام، وعرض عليه قطع إجازته والعودة إلى عدن لمقابلة الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني، وكان مفاجئا أن مانجيستو أصرَّ على أن يُواصل الرئيس علي ناصر إجازته في أثيوبيا، وأبدى استعداده لاستقبال طائرة الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيرانية في أديس أبابا بصورة غير رسمية وغير علنية، وتمكينه من مقابلة الرئيس علي ناصر محمد، ووجه منغيستو مستشاره الخاص للشؤون الخارجية السيد برهانو بايو باستقبال وزير الخارجية الإيراني إلى جانب سفير اليمن الديمقراطية في أديس أبابا دون للإعلان عن هذه الزيارة. وعلى الفور تم إبلاغ عدن باستعداد الرئيس علي ناصر محمد لاستقبال علي أكبر ولايتي في أديس أبابا بصورة غير علنية، بعد موافقة وترحيب الحكومة الأثيوبية بذلك.. وقد وصل علي أكبر ولايتي إلى أديس أبابا على متن طائر إيرانية خاصة، وكان في استقباله بالمطار السيد برهانو بايو وسفير اليمن الديمقراطية وبعض مرافقي الرئيس علي ناصر محمد في تلك الزيارة ومن بينهم كاتب هذه السطور. كان وصول علي أكبر ولايتي في تمام الساعة الخامسة عصرا يوم الاثنين 17 أغسطس 1982م، وقابل الرئيس علي ناصر محمد في جلسة عشاء عمل مغلقة استغرقت ساعتين من الساعة السابعة إلى التاسعة مساء – وبعد ذالك توجَّه ولايتي إلى المطار مباشرة، لكن برهانو بايو الذي اصطحبه إلى المطار حرص على أن يستبقيه ساعة كاملة في صالة استقبال كبار الضيوف في لقاء مغلق وغير معلن، حيث ترشَّحت عن ذلك اللقاء فيما بعد معلومات حصل عليها الرئيس علي ناصر محمد من سوريا، أفادت بأن أثيوبيا أبدت استعدادها بحكم موقعها كمقر لمنظمة المؤتمر الأفريقي فتح قنوات اتصال بين إيران والعديد من الدول الإفريقية التي ولدت من رحم حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في أفريقيا، لتقديم ما يمكن تقديمه من الدعم الذي تحتاجه إيران. لم يكن الموقف الأثيوبي بعيدا عن تأثر القيادة الأثيوبية وعلى رأسها مانجيستو هيلا مريام بموقف اليمن الديمقراطية ورؤية الرئيس علي ناصر محمد لتلك الحرب وآفاقها، خصوصا وأن أثيوبيا فوجئت بعد أشهر من قيام الثورة وتفكك الجيش الأثيوبي الإمبراطوري بغزو الصومال لإقليم أوجادين واحتلاله بالكامل، بدعوى أنه إقليم صومالي كانت تستعمره إيطاليا، ثم انسحبت منه وسلمته لأثيوبيا، ما أدى إلى وقوف دول عربية عديدة وعلى رأسها العراق إلى جانب الصومال، باستثناء عدد قليل من الدول العربية وفي مقدمتها اليمن الديمقراطية التي وقفت إلى جانب أثيوبيا، وأرسلت قوات مدرعة مدعمة بطائرات لمساعدة أثيوبيا على استعادة إقليم أوجادين بقيادة المقدم هيثم قاسم طاهر، على نحو ما حدث للثورة الإيرانية بعد أشهر بسيطة من قيامها، عندما قام العراق باحتلال نحو 30% من الأراضي الإيرانية بذريعة أنها عربية، مطالباً إيران بالانسحاب من الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي تقع على ضفاف مضيق هرمز حيث احتلها الإمبراطور شاه إيران قبل قيام الثورة الإسلامية بعدة بسنوات. والثابت أن سوريا وليبيا واليمن الديمقراطية قدمت لطهران دعما عسكريا واقتصاديا ولوجستيا مهما، ووقعت معها اتفاقيات لشراء وتسويق وتكرير النفط الإيراني، فيما أصبحت ليبيا وكوريا الشمالية ومنغوليا ويوغسلافيا والصين وأثيوبيا في وقت لاحق، مصادر هامة لشراء الأسلحة من الأسواق وتوريدها إلى إيران، مقابل تسويق النفط الإيراني ومشتقاته بأسعار مخفضة.. كما أصبحت مصر بعد اغتيال السادات قريبة جدا من بغداد، وقدمت للعراق دعما بشريا وعسكريا لا يستهان به. الجدير بالذكر أن الجيش الإثيوبي ورث بعد قيام الثورة أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات حربية من صُنع أمريكي، بالإضافة إلى قطع غيار عسكرية كانت موجودة في مخازن الجيش الإثيوبي قبل أن تقرر أثيوبيا الاعتماد على الأسلحة السوفييتية بعد الثورة على النظام الإمبراطوري وإسقاط الإمبراطور هيلا سلاسي، وقامت أثيوبيا في وقت لاحق ببيع إيران بعض الدبابات والطائرات ومنظومات الدفاع الجوي أميركية الصنع وقطع غيار بعض أسلحة الجيش الإثيوبي الأميركية والموروثة من عهد الإمبراطور المخلوع هيلا سلاسي. ومما له دلاله أن سوريا وليبيا واليمن الديمقراطية التي كانت تساند إيران في تلك الحرب، وقفت ضد التهديدات الإيرانية لدول الخليج، انطلاقا من أن دعمها لإيران كان مؤطَّراً في حدود الرؤية الاستراتيجية التي وضعها الرئيسان حافظ الأسد وعلي ناصر محمد، وكانت تستهدف تمكين إيران من استعادة المبادرة والتوازن، كخطوة لابد منها لوقف الحرب بين طرفين متوازنين وليس لتمكين إيران من الانتصار على العراق في تلك الحرب.. وهذه ما حدث عندما قبل الطرفان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لعام 1988 والذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث سبق لإيران رفض سبعة قرارات أممية سابقة قبلها العراق. وقد سبقت ذلك القرار مشاورات بين الدول الخمس، دائمة العضوية في المجلس استمرت ستة أشهر، وحضر جلسة التصويت عليه وزراء خارجية الدول الخمس العظمى، وكثير من وزراء خارجية الدول غير الدائمة، في سابقة لا مثيل لها آنذاك، كما لعبت سوريا دورا كبيرا في إقناع إيران بقبول ذالك القرار، والالتزام به وإعلان وقف الحرب في 20 أغسطس 1988م. في عام 1983م قام الرئيس علي ناصر محمد بزيارة رسمية لليبيا، وهناك سمعت الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يقول لضيفه إن مواقف الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية من الحرب العراقية الإيرانية كانت محكومة بالمصالح الإستراتيجية والاقتصادية لكل منهما في الخليج، وعلى الرغم من الطابع الحيادي لسلوك واشنطن وموسكو في مختلف مراحل الحرب، فإن الواقع كان يؤكد أن الحياد كان سياسة مدروسة ومحكومة بأهداف محددة. وبحسب رؤية القذافي، فقد ظهر الحياد الأمريكي في بداية الحرب عندما كان العراق مسيطراً على السيادة الجوية الإيرانية ومقاليد المواجهة العسكرية في الجو والأرض، واقترن بقطع إمدادات السلاح الأمريكية عن إيران، كما استغلت واشنطن هذه الحرب لتكثيف وجودها العسكري في الخليج والحصول على تسهيلات عسكرية من السعودية والدول الخليجية، وبذلك كانت الحرب تتوافق مع المصالح الأمريكية، حيث رأت فيها واشنطن بديلا لإسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران أو زعزعة استقرارها، وهذا ما يُفسِّر تعمُّد واشنطن تشجيع إسرائيل لبيع أسلحة لإيران، كما سمحت لأطراف أخرى بإمداد العراق عسكريّاً، لضمان استمرار الحرب، وضمان ضبطهما عند الحدود التي لا تسمح بانتصار أيّ من الطرفين المتحاربين. والثابت أن تغيُّر الموقف العسكري لصالح إيران، أدى بالمقابل إلى قيام الحكومة الأميركية بتغيير سياسة الحياد المعلنة وقررت دعم العراق، فأعادت العلاقات الدبلوماسية مع بغداد في عام 1984م، وأمَّدت العراق بمعلومات استخباراتية ودعم لوجيستي، ووفرت له مساعدات ومبيعات تكنولوجية وصناعية وزراعية، كما دعَّمت واشنطن قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان هجمات إيران على ناقلات النفط في مضيق هرمز على ضفاف الخليج. واتخذت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريجان عام 1983م خطوات هامة لدعم العراق، وكان دافع هذا الحماس الأمريكي توظيف الخطر الإيراني للحصول على الكثير من المكاسب، والضغط على السعودية ودول الخليج لانتهاج سياسة نفطية تحول دون حدوث أزمات نفطية تؤثر على الاقتصاد العالمي. ويتضح هذا من التناقض بين السياسة الأمريكية المعلنة ضد إيران، والتورط الأمريكي السري في تقديم أسلحة أمريكية إلى إيران بتخطيط من الإدارة الأمريكية، وبدور مميز لمستشار الأمن القومي الأمريكي "روبرت ماكفرفلين" الذي قام بزيارة طهران لهذا الغرض، وهي الصفقة التي تناولناها في الحلقة الماضية، واشتهرت بمسمَّى "إيران- كونتراجبت". كان القذافي يرى أن واشنطن استهدفت استنزاف إيران والعراق للتخلص من الخطر الإسلامي والقومي العربي معًا بحسب تعبيره، وإعادة ترتيب الأوضاع في الخليج، لتصبح قوة موجودة فيه..أما السوفييت فكانوا يهدفون إلى إطالة أمد الحرب لأن ذلك يخدم أهدافهم الإستراتيجية في كسر احتكار النفوذ الأمريكي للخليج، حيث كانت القيادة السوفييتية لا تتجاوب مع مطالب العراق العسكرية رغم معاهدة التعاون والصداقة الموقعة بينهما عام 1972م، إلا أن موسكو أنهت كثيرًا من مساندتها لإيران بعد عام 1982م، عندما عبرت القوات الإيرانية إلى داخل العراق، وقدم السوفييت حينها لبغداد صواريخ متوسطة المدى، وأصبحت المموِّل العسكري الرئيسي للعراق بقية سنوات الحرب. ومما له دلالة أن تلك الحرب انتهت بضعف القوة الإقليمية لكل من إيران والعراق، حيث أعطت مبرراً قوياً لأمريكا وحلفائها في دول حلف الناتو، لتكثيف تواجدها العسكري في الخليج، كما كانت إسرائيل طرفا مستفيدا من تلك الحرب التي أهدرت قوة كل من العراق وإيران في معارك خاسرة. بحسب تقارير دولية محايدة قُدرت الخسائر الكلية لتلك الحرب بحوالي تريليون دولار منها 480 مليار دولار خسائر إيران و420 مليار دولار خسائر العراق، إضافة إلى حوالي مليون قتيل من الطرفين، وأضعاف ذلك العدد من الجرحى والمعوَّقين، وانهيار قيمة العملة الوطنية في البلدين المتحاربين، وارتفاع معدلات التضخم فيهما بصورة فلكية نتيجة اضطرارهما إلى طباعة العملات النقدية الورقية محليا على المكشوف،
لتغطية النفقات المحلية للمجهود الحربي ومتطلبات الحياة اليومية للمواطنين. ومن المفارقات الجديرة بالاهتمام أن الحرب توقفت في 20 أغسطس 1988م، لكن هذا التوقف كان مقدمة للانتقال إلى مرحلة جديدة من المخطط الأميركي البريطاني الذي كان يجري تنفيذه بأدوات عربية.. حيث فرضت أمريكا بعد توقف الحرب بعشرين يوما عقوبات اقتصادية على العراق وامتنعت عن استيراد النفط العراقي، فيما فرضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية عقوبات إضافية، تشمل حظر تصدير أصناف هامة من التكنولوجيا والمعدات الصناعية إلى العراق.. كما اتخذت السعودية ودول الخليج قرارات في نفس الاتجاه أوقفت فيها كل أشكال الدعم النفطي والمالي الذي كانت تقدمة للعراق، بذريعة أن الحرب قد انتهت، كما طالبت العراق بسرعة تسديد القروض التي قدمتها للعراق أثناء الحرب والتي بلغت نحو23 مليار دولار. في الاتجاه نفسه قامت السعودية ودول الخليج بزيادة إنتاجها النفطي اليومي بهدف تخفيض أسعار النفط في الأسواق الدولية، الأمر الذي الحق ضرراً كبيرة بكل من إيران والعراق معا، بسبب انخفاض عوائد تصدير النفط لهذين البلدين وما ترتب على ذلك من إضعاف لقدرة العراق وإيران على إعادة الأعمار وإعادة بناء ما دمَّرته الحرب. وكما هو معروف فقد أطلقت الأوساط السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الناتو، اسم حرب الخليج الأولى بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 1988م )، في إشارة إلى أن تلك الحرب ستلدُ حروباً أخرى لاحقة، استهدفت عزل العراق عن محيطه العربي، تمهيدا لاحتلاله وتدميره كاملا، والسيطرة على منطقة الخليج وتكثيف التواجد العسكري الأميركي فيه. قد يستغرب البعض أن ثمة تحليلات كثيرة وكتباً وأبحاثا ومداولات عديدة، صدرت بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م، في أكثر من اتجاه بهدف تحليل دوافع وأهداف الانقلاب المفاجئ لموقف كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ودول الخليج على العراق بعد أيام معدودة لوقف الحرب. لكن كاتب هذه السطور لاحظ خلال الفترة مابين 2011 2014 تداول الكثير من التعليقات والتساؤلات في غمرة أحداث ما يسمى بالربيع العربي 2011 م، حول وجود قرار وافق عليه الكونجرس الأمريكي عام 1982، وقدمه المستشرق اليهودي الأمريكي برناد لويس، يتضمن مشروعا لتفكيك الشرق الأوسط وبناء شرق أوسط جديد قبل نحو ثلاثة عقود من الإعلان عن هذا المخطط في ملتقى سالزبورغ الاستراتيجي، الذي ترأسته بالنمسا عام 2005م السيدة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق، وأعلنت عنه رسميا كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أثناء العدوان الإسرائيلي على بيروت عام 2006م. ولئن انتهت تلك التساؤلات إلى الاستغراب من اتخاذ الكونجرس الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريجان قراراً يتعلق بمستقبل الشرق الأوسط، والتكتُّم عليه لمدة ثلاثين عاماً، ثم الكشف عن ذلك القرار في عام 2012م، لكن الجميع نسي أن توقيت صدور ذلك القرار وهو فبراير 1982م، كان في ذروة الحرب العراقية الإيرانية، وبعد أن تمكن طرفا الحرب العراقية الإيرانية من التوغل داخل أراضي كل منهما وهذا ما سأحاول في الحلقة القادمة والأخيرة تناوله في ضوء العدوان السعودي المدعوم أميركياً وبريطانياً على اليمن، وعلاقته بصراع الإرادات الدولية والإقليمية على النفوذ في مضيق باب المندب. ( يتبع).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.