لم يكن صالح رئيساً بقدر ما كان رجل مرحلة، لازالت تتطلب بقائه، وربان سفينة على متنها من كل زوجين أثنين، بينهم مفسدون، وجُل تركيزه تلك الأعاصير والدوارت المائية، والرياح العاتية المحيطة، من مختلف الاتجاهات، وكان يحاول والمقود في يديه الالتفات إلى الوراء قدر الإمكان، لإسداء النصائح لبعض المجاميع التي لا تفقه خطر الأمواج، فاستمرت تتمايل يمنةً ويسرة، وتثقل الأحمال، ما يسبب اهتزازات للمركب، في الوقت الذي كان ترك المقود فيه يعني الغرق، فيما ظل هؤلاء القراصنة يستأثرون بكل شيء من المؤن والأملاك العامة والخيرات بلا وازع.. النصائح لم تكن تجدي، بل تلقى أصابع يضعها الانتهازيون في آذانهم، وكأن الرجل يقول سحرا وينطق كفرا، وكلما استقر المركب لهنيهات وفترات, يتم تكويم الضغوط والرغبات لصالح ذوات بعينها، تقوم بالمصادرة واغتصاب الحقوق والسلب، وأن وجِد من يطلق صوتاً واعياً وغيوراً للكف عن العبث والفوضى، يتم إسكاته ومحاربته، وطبقاً لتلك الفوضى يُمنع بالقوة من المشاركة في القيادة الآمنة للمركب، وإن أهدى البحر فرصة للمسير بلا اضطراب.. كان صالح يستغلها للترشيد والتقويم وترتيب الوضع، وإزالة فرضيات الغرق, أحياناً بتوزيع الهبات والهدايا، فيما ظل المنتفعون يهيئون فرص أخرى لإغراق المركب، ومد الأيادي لسفن أخرى تأخذ الأحمال مقابل هبر نصفها. كان المركب لا يحتمل أكثر من ثقل البشر، لتقوم قوى التربص ببناء وتشييد مآثر شخصية من مال أهل السفينة، حتى مالت وبات خطر الأمواج يرتفع، ولم يجد صالح سوى طريقةً واحدة للخلاص مبدئياً، حيث أوعز إلى قوى وطنية بناء مؤسسات للصالح العام, في الجانب الآخر لتضع توازنا يقابل الجهة المائلة لتستوي السفينة وتثبت فوق الماء.. وبالتالي حاولوا وضع أكثر من مقود في السفينة تتجاذبها إلى هنا وهناك، وغالباً ما كانت تقف ويتعثر مسيرها.. كان هؤلاء يستسهلون خطر الأمواج الفتاك، ضد خطر إيجاد مؤسسات تردع نوازعهم وتقضي على طموحاتهم الشخصية.. فتحينوا الفرصة الأخيرة، في منعطف يولي مخطط شرير أسمه الربيع العربي، احتدم بحلوله الصراع، وقد بدا صالح أقوى من ذي قبل، فصارع ونجح في إحلال خطة مواجهة مكنته من تسليم المركب, وفق مبادرة مشروطة ومزمنة.. وأحس الانتهازيون، أنهم وصلوا لمآرب وأماني، مكنتهم مسك أجزاء من المقود، ولم يحسنوا القيادة، وذهبوا بالمركب صوب طرق وممرات مفعمة بالمؤامرات والهبش والنبش، وكانوا قد تناسوا أنهم أحضروا فئة من ضحاياهم إلى ساحة في المركب لإزالة أقدام صالح ومشاريعه وإتباعه، لكن تلك الفئة من الضحايا لستة حروب، قد استأسدت جراء الظلم، فانقضت على المركب، نتيجة الإخلال والتنصل من شروط الاتفاق القاضي بسلك مرحلي عبر ممرات آمنة، فتم الالتفاف واللعب على هذه المضامين، فادعوا أن صالح سلم المركب عنوةً لتلك الفئة التي استدعوا الخارج بظلمه ومصالحه وبطشه وجبروته لقتل كل من في المركب بلا ضمير.. وأوصلوا المركب إلى ممر تدميري، لا ينتظر سوى إرادة الله والأقدار اللطيفة للخلاص.. فانبرى صالح من جديد للتصدي لعمالتهم, محاولاً المسك بالمقود، الذي مازال يرهقه احتضان للمحتل والمعتدي، وعلى طريقة شمشون الجبار ونظرية هدم المعبد على رؤوس الجميع حين حشدتم طواغيت الأرض إلى متن اليمن للقضاء عليها، بعد أن تمكنت الفئة من اجتياح البلد في 21 سبتمبر, وطردتكم إلى سفن أخرى، سترميكم طعماً للقرش وقوارض البحر وإن احتضنتكم لوقتٍ ما.