حال إيران هذه الأيام أشبه بأب يرى طفله يغرق أمام عينيه وهو عاجز عن إنقاذه، فهي ترى حاليا جماعة الحوثي تغرق وفي نفس الوقت ليست قادرة على مد يد العون لإنقاذها بفعل الحصار الجوي والبري والبحري المفروض على اليمن. في البداية حاولت إيران كسر الحصار البحري بإرسال عدة سفن حربية إلى باب المندب بدعوى حماية سفنها التجارية، وهو مبرر سخيف حيث لا يوجد خطر حقيقي من مرور سفنها التجارية عبر هذا الممر البحري خصوصا مع انتهاء عمليات القرصنة، ولا يستدعي إرسال كل هذه السفن الحربية، ولماذا لا ترسل مثلها إلى مضيق جبل طارق لحماية سفنها التجارية؟ وجدت إيران السفن الحربية والأساطيل الأمريكية قد سبقتها إلى خليج عدن، وأصبحت تراقب كل تحركاتها بطلب وتمويل من دول الخليج فاضطرت إلى سحب سفنها، وانتقاما من أمريكا اقتادت سفينة شحن أمريكية إلى أحد موانيها وأفرجت عنها بعد ساعات خوفا من ردة الفعل. المجال البري اليمني شبه مغلق كونه محصور على دولتين هما السعودية وهي صاحبة الحظر، وسلطنة عمان وهي على علاقة جيدة مع إيران لكنها ولأسباب مختلفة لن تقبل أن تتحول إلى محطة إيرانية لتزويد جماعة الحوثي بمستلزمات الحرب، والسعودية قد سيطرت على الأجواء اليمنية خلال ربع ساعة، وهذه من إنجازات الزعيم! استسهلت طهران كسر الحظر الجوي وأرسلت طائرة مدنية قبل أيام، وبكل حماقة رفضت كل التحذيرات من عبور الأجواء اليمنية، ووضعت السعودية أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تضرب الطائرة الإيرانية وتسقطها وفي هذه الحالة تكون ارتكبت جريمة بموجب القانون الدولي كونها طائرة مدنية وربما على متنها ركاب مدنيين وتبعاتها كبيرة، ومبرر لإيران للتدخل العسكري وإشعال حرب إقليمية ستأكل الأخضر واليابس في الجزيرة العربية، والرياض تتحاشى الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران رغم الاستفزازات الإيرانية. والخيار الثاني هو السماح للطائرة الإيرانية بالهبوط في مطار صنعاء، وبالتالي وصول معونة إيران للحوثيين بسلام وكسر الحصار الجوي المفروض على اليمن، وهذه ضربة لقوى التحالف بزعامة المملكة، لكن السعودية لجأت إلى حيلة للهروب من هذا المأزق وقصفت مدرج مطار صنعاء وحالت دون هبوط الطائرة الإيرانية، وحققت بذلك هدفها بأقل الخسائر، ونحن الضحية. السعودية لديها مخاوف من إمداد الحوثيين بمضادات حديثة للطيران الأمر الذي سيغير معادلة المعركة لصالح الحوثي، وإيران لا يحكمها قانون ولا أخلاق أو قيم وقد استغلت الطائرات المدنية لإمداد نظام الأسد النازي في سوريا بالخبراء العسكريين والمقاتلين والسلاح. وطهران قالت إن الطائرة التي منعت من الهبوط بمطار صنعاء كانت تحمل مساعدات علاجية، وجماعة الحوثي قالت إنها كانت تقل جرحى تفجيرات الجامعين بصنعاء، وهذا التناقض الملفت يثير الشكوك حول حمولة الطائرة! إذا كانت إيران حريصة على مساعدة اليمنيين فيفترض أن تقدم مساعداتها الطبية عبر المنظمات الإنسانية والدولية أسوة ببقية دول العالم، فأهم شيء وصول الدواء إلى المحتاجين بالنسبة لفاعل الخير وليس الطريقة، وإذا كانت الطائرة تقل مرضى بحسب رواية الحوثيين فما المانع أن توصلهم إيران إلى عمان، وتتولى الأخيرة إيصالهم إلى صنعاء لقطع الشك باليقين؟ تسببت إيران في قصف مطار صنعاء وتتحمل المسؤولية، ومحاولة كسر الحظر بمثل هذه الطرق الهمجية يعرض اليمنيين ومصالحهم للخطر، وإذا كانت طهران حريصة فعلا على أمن واستقرار اليمن فعليها أن تأمر الحوثي بوقف حروبه الداخلية لسحب البساط على التدخل الخارجي والشروع في حوار وطني، وهذه أكبر خدمة ستقدمها إيران لليمنيين. الحصار الشامل أدى لحدوث وضع إنساني مزرٍ يدفع ثمنه الأبرياء، وحشر الحوثيين وحليفهم صالح في زاوية ضيقة جدا ووضع طهران في موقف حرج للغاية، وهذا الحصار لم يكن في حسبانهم إطلاقا ولم يعملوا حسابه، وهم الآن واقعون في ورطة وكل يوم يخسرون على الأرض، ولولا عدم مبالاتهم بالوضع الإنساني وعدم اكتراثهم للدمار وموت ضمائرهم، وحقدهم على الشعب بل وتلذذهم بمعاناته بدوافع مذهبية ومناطقية لما استمروا في هذه الحرب القذرة! بإمكان الحوثي وقف عدوانه على المحافظات وتجنيب البلد الخراب لكنه لا يريد لليمن خيرا، وبإمكان صالح إحراج دول التحالف وإعلان استعداده مغادرة البلاد وإيثار المصلحة الوطنية على مصالحه الشخصية لكنه شخص مخلوق من الشر، وبمقدور إيران أن تلعب دورا إيجابيا في اليمن لكن مشروعها في المنطقة العربية والإسلامية هو الفوضى. الحل الأمثل هو دعم المقاومة الشعبية بكل قوة، وعلى دول التحالف إيجاد ممرات بإشراف أممي لدخول المساعدات وعودة العالقين في الخارج حتى لا تتحول هذه القضية إلى شماعة لمثلث الإجرام "طهران والحوثي وصالح"، وسيأتي اليوم الذي يحاكم فيه كل المجرمين. _________________ * رئيس تحرير صحيفة الناس