في عام 1962، بعد وفاة الملك اليمني أحمد، قاد ضباط الجيش القومي العربي بقيادة العقيد عبد الله السلال ثورة على السلطة التعسفية وإعلان الجمهورية. وشن الملكيون بدعم من المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وبريطانيا تمردا لاستعادة السلطة، في حين أرسلت مصر برئاسة عبد الناصر قوات لدعم الحكومة الجمهورية الوليدة. وفي كتابه "حرب بريطانيا السرية"، تحدث المؤرخ والمؤلف البريطاني المعروف مارك كورتيس عن "الحرب البريطانية القذرة في اليمن" بين عامي 1962 و 1969، وذلك باستخدام ملفات نزعت عنها صفة السرية، يكشف عن التورط البريطاني وحكومات المحافظين والعمال، وتورط مسؤولين كبار في الحكومة البريطانية بارتكاب جرائم حرب. وكما هو الحال اليوم، كان الهجوم البريطاني بوضوح ضد المدعومين شعبيا - كما كان المسؤولون البريطانيون يدركون ذلك جيدا. ولذا أشار كريستوفر غاندي - مسؤول بريطاني كبير في العاصمة اليمنية الثقافية، تعز، إلى أن النظام السابق –النظام الإمامي- كان "لا يحظى بأي شعبية، واصفا إياه بأنه "دكتاتوري تعسفي". في البداية، كان دور بريطانيا في المقام الأول لدعم وتسليح مشاركة الأردن في الحرب. وكما هو الحال اليوم، زودت بريطانيا الطائرات المقاتلة لتنفيذ الغارات الجوية على اليمن، مع المستشارين العسكريين البريطانيين من أعلى المستويات. وصعدت بريطانيا من مشاركتها في مارس 1963، عندما بدأت بريطانيا سرا توريد أسلحة إلى قوات الملكيين عبر حلفائها في الخليج. ووفقا للخبير في جهاز الاستخبارات MI6، ستيفن دوريل، تم نقل الكثير من الأسلحة الخفيفة، بما في ذلك 50،000 بندقية، سرا من محطة سلاح الجو الملكي البريطاني في ويلتشير. ولإخفاء المصدر الحقيقي لها، هبطت الشحنات في الأردن تمهيدا لنقلها عبر بيحان. ولذا اعترف رئيس الوزراء هارولد ماكميلان في فبراير 1963 بأن "انتصار الجمهوريين على المدى الطويل حتمي ولا مفر منه". كما أخبر الرئيس الأمريكي جون كينيدي ما يلي: "أدرك تماما أن الملكيين لن ينتصروا في اليمن في النهاية، ولذا سيضرنا ذلك بشكل سيئ للغاية إذا ما سيطر النظام اليمني الجديد - الجمهوري - على شؤونهم الداخلية خلال السنوات القليلة المقبلة". وأضاف أنه: "من القبح السياسي وسوء الحكمة على حد سواء دعمنا في كثير من الأحيان الأنظمة الاستبدادية والتي عفى عليها الزمن، ومعارضة نمو الحكومة الديمقراطية الحديثة الراقية". كما اعترف وزير الخارجية، أليك دوغلاس هوم، أن "الجمهوريين سيكونون أكثر جاذبية لطبقات الشعب اليمني المتوسطة، من الإمامية، وهذا من شأنه يسبب لنا الكثير من المتاعب". صنع حكومة ضعيفة ولهذا كانت بريطانيا، تريد "حكومة ضعيفة في اليمن بحيث لا تثير المتاعب"، كما نُصح بها رئيس الوزراء: "علينا جعل الجمهوريين والملكيين يقاتلون بعضهم بعضا، حتى نبدد وقت وطاقة الجمهوريين كي لا يتسنى لهم إثارة المتاعب بالنسبة لنا في عدن، وهذا يناسب مصالحنا بشكل جيد للغاية". كما أشار مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء، فيليب دي زولويتا، إلى أن "مصلحتنا بالتأكيد هي إثارة أقصى حد من الفوضى في المناطق القبلية على حدود عدن مع اليمن الشمالي". حرب 1934م ولم تكن هذه أول مرة تساعد فيها بريطانيا وتحرض على الحرب السعودية ضد اليمنيين. في عام 1934، غزا ابن سعود اليمن وضم منطقة عسير إلى المملكة. وعلى حد تعبير الأكاديمية والمتخصصة باليمن إلهام مانع، فإن منطقة عسير "يمنية بكل المقاييس التاريخية"، واضطر اليمن للتوقيع على معاهدة تأجيل مطالباتهم على الأرض لمدة 20 عاما. ولم يتم إعادتها إلى اليمن، ولا تزال محتلة من قبل السعوديين حتى يومنا هذا. وكان دور بريطانيا في تسهيل هذا التقسيم واضحا جدا. وخلال هذه الفترة، كانت بريطانيا هي القوة الحقيقية العظمى. وكان دورها حاسماً في تفاقم أو احتواء النزاعات الإقليمية. وفي الحرب اليمنية السعودية، دعمت بريطانيا السعودية على حساب اليمن. وعندما زعم بن سعود السيادة على منطقة عسير في عام 1930، غير البريطانيون، الذين كانوا على الحياد تجاه الخلافات بين مختلف حكام شبه الجزيرة، وانحازوا إلى السعودية بشأن منطقة عسير، وكانت هذه نكسة مروعة للملك اليمني يحيى بن حميد الدين عندما وقع اتفاق مع البريطانيين في عام 1934. الاتفاق أجبر الملك اليمني يحيى على الاعتراف بالسيادة البريطانية في عدن لمدة 40 عاما. ثم استقدمت بريطانيا المركبات العسكرية لمساعدة السعودية في قمع ثورة عسير. الحرب الثالثة ولذا فإن الحرب البريطانية السعودية الحالية ضد اليمن هي في واقع الأمر الثالثة خلال قرن. ولكن لماذا بريطانيا تبدو عاقدة العزم على رؤية البلاد مقسمة ومجزأة إلى أشلاء؟ لربما يكون الجواب غريبا، لكن الواقع هو أن بريطانيا خائفة من اليمن، البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية الذي تحدى قوى الاستعمار البريطاني ودول الخليج منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. وكما يلاحظ الكاتب الفلسطيني سعيد أبو الريش، في كتابه "السقوط المرتقب لآل سعود"، أن طبيعة اليمن تعد تحديا للسعوديين، كونها تمتلك تاريخا حضريا صلبا، وأكثر تقدما من جيرانها الجدد. كما تمثل شوكة في خاصرة الاستعمار البريطاني، ونقطة انطلاق محتملة لكبح سيطرتهم على المملكة العربية السعودية وجميع مشيخات وإمارات الخليج، وعلى وجه الخصوص، يمثل اليمن تهديدا للاستعمار البريطاني. ولذا فإن "اليمن السلمي الموحد والمتطور" يمثل تهديدا للهيمنة البريطانية السعودية والولايات المتحدة في المنطقة بأسرها. وهذا هو السبب في سعي بريطانيا، طوال أكثر من 80 عاما، لإبقائه مقسما وفي حرب. ولذا حذر المفوض السامي في عدن في 1963، كينيدي تريفاسكيس، من أنه إذا "سيطر اليمنيون - الجمهوريون الأحرار- على عدن فإن ذلك سيوفر لهم مدينة كبيرة حديثة وميناء دوليا ومزايا اقتصادية أخرى".