لم نجعل هذا اليوم باسمك لتظل حياً بيننا، وإنما لنستمد من خلودك حياتنا، ولم نتخذه كيلا ننساك، فأنت محفور في تلافيف أرواحنا وفي تقاسيم أيامنا، ودمك الزكي عطر أنفاسنا الذي يعبق من كل ذرَّةٍ في تراب اليمن، ويرف مع كل نسمة في صباحات الكرامة والإباء، وعند كل سهلٍ وتلٍ نجد وارف تضحياتك في ظلال التوالق، ودافق عطائك في انسياب الوديان وخصب نيسان ونشاهد قامتك منتصبة في شموخ الرواسي التي لا تزول. ليست يوم ذكراك لنتذكرك، وإنما لنتذكر كم كُنتَ كريماً وأنت تجود بأغلى ما لديك، حين ضن الناس بالنقير والقطمير. وبأنك كنت الأشدَّ بسالةً حين تقدمت الصفوف، والأكثر نُبلاً حين استغاث الوطن، والأعظم حميَّة وأنفة في وجه البغي من الإذلال، والأشدّ غيرةً على العرض المهدد بالاستباحة، والوطن الذي تكالب عليه البغاؤون، وتسابق إليه القوادون. لم نرفع صورك فهي على وجه سهيل اليماني منحوتة، وإنما نصنع منها تاج فخار لكبريائنا، وإكليل عظمة لمجدنا، وشهادة حق بإيماننا نزيد بجلالها قامة تحدينا تموسقاً، وشرف صمودنا بهاءً. اليوم، نشهد لك ونستشهد بك على صحة نسبنا لماضٍ عريق، وثراء حاضرنا الباذخ من الصمود، وإباء الضيم، ومنعة مستقبلنا من الهوان والتركيع. الدين، الوطن، العرض، الكرامة، مستقبل ولدك، دم أخيك، وكل قيم الحق والشرف، كلها اليوم محميَّة بدمِك الذي رصَّ الصفوف حولها، وملأ الجبهات بالمنافحين عنها، وحشد الجميع اليوم ليقسموا أمامك أنهم لن يفرطوا في شيء منها، وإن استحالت الأرض جحيماً، والسماء سجِّيلاً، والهواء سموماً، ولن يبدلوا تبديلاً، والأغاريد التي زفتك إلى مثواك، ستسمعها قريباً، تزُف إليك بشائر النصر.