بعض رجال الدين وزعماء الأحزاب والجماعات الدينية يقولون من الآن إنهم غير ملزمين بالنتائج التي سيتوصل إليها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني إذا كانت "تهدد حاكمية الشريعة الإسلامية".. ويقولون يجب تطبيق الشريعة الإسلامية.. ويجب أن تكون الشريعة مرجعية الحوار..ولن نلتزم بأي دستور يخالفالشريعة.. يقولون ذلك وفي بالهم حاكميتهم هم التي استمدوها من المودودي وسيد قطب وغيرهما، يقولون ذلك وفي بالهم شريعتهم هم.. أما الشريعة الإسلامية، بمعنى الفقه الإسلامي، فهي معروفة، وتطبيقاتها عبر العصور كانت نسبية، إذ لم تطبق في أي عصر تطبيقا كاملا، لأن أمور الدنيا متغيرة ولا يمكن أن تحكم بأحكام ثابتة ومسبقة، بل ترك للناس أن يقرروا ما فيه مصالحهم في أي عصر ومصر. فأساس تطبيق الشريعة هو التعامل مع التغير والتطور عبر الاجتهاد البشري لإنتاج قوانين من صنع الناس. ليقدم لنا هؤلاء مثالا واحدا من التاريخ الإسلامي يدل على أن الشريعة طبقت في عصر أو خلافة ما تطبيقا كاملا، بما في ذلك عصر الخلافة الراشدة.. هذه فاطمة الزهراء تقول لأبي بكر: وعجلان ما آتيتم، مات رسول الله فأمتم دينه، جحدتم الدين ووسعتم الذي سوغتم.. وحارب أبو بكر مسلمين لامتناعهم عن أداء الزكاة، فجاء عمر بعده يرد أموالهم ويطلق أسراهم، ومنع توزيع أرض السواد في العراق على المقاتلين، ومنع المؤلفة قلوبهم من العطاء، ولم يقطع يد سارق، ومنع الزواج بكتابية، خلافا للقرآن. وصعد الخليفة عثمان المنبر يخطب فمدت عائشة يدها من وراء ستر فيها نعلان وقميص، وقالت: هذان نعلا رسول الله وقميصه بعد لم يبل، وقد بدلت دينه وغيرت سنته، وأغلظتْ له في القول، وأغلظ لها، وقيل إن كلامها كان من أسباب غضب الناس عليه ثم قتلهم له. وعثمان هو القائل:إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فجعل شرع السلطان أقوى من شرع القرآن. وباع معاوية سقاية من ذهب بأكثر من ثمنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت الرسول ينهى عن ذلك، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأس.. يتحدثون عن عمر بن عبد العزيز كيف رد العدل وأعاد الجواري والقيان لأهلهن، وأودع الخيول المطمهة والذهب وما خلفه الملوك قبله إلى بيت المال.. هل فعل ذلك لأن حكام بني أمية قبله كانوا يطبقون الشريعة؟.. ومع هذا جاء بعده عبد الملك وألغى إصلاحات عمر وأعاد الحكم إلى سيرته الأولى.