يجلس صالح شمس الدين وعلى محياه ابتسامة رضى في مكتب مدير السجن وبجانبه يجلس أفراد عائلة سجين يواجه حكم الإعدام، ويقول مازحا وهو يهدهد بندقيته المتهالكة إن محامي الأسرة يحاول أن يحرمه من زبونه التالي. وكواحد من منفذي أحكام الإعدام، فقد قتل شمس الدين البالغ من العمر 65 ما لا يقل عن 300 شخص باسم الحكومة خلال 12 سنة من مهنته في أحد سجون المحافظات في البلاد الذي يبعد عن السجون الأكثر اكتظاظا في البلد. ويشير ذلك العدد إلى أن هناك أناسا آخرين يتم إعدامهم على نحو غير معترف به رسميا. ووفقا لأرقام صدرت يوم الأربعاء، رحبت منظمة العفو الدولية بالاتجاه لتخفيض تنفيذ عقوبة الإعدام في بلدان فيها اليمن. لكن اليمن — التي سجلت 28 حالة إعدام عام 2012م— تحتل المرتبة السادسة في العالم بعد الصين وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة، وفقا للتقرير المنظمة السنوي، يتم تنفيذ عمليات الإعدام في سجن إب، خامس أكبر مدينة في اليمن، بين التاسعة والعاشرة صباحاً، إذ يمتد السجين واضعاً وجهه إلى الأسفل على قطعة قماش زرقاء، ويقوم الدكتور بتحديد مكان القلب واضعا سماعته على ظهر المحكوم عليه ويمهره بدائرة حمراء، ويُقرأ الحكم بصوت عالٍ، بعدها يتخلل الموقف وقفة قصيرة تسمح لعائلة المجني عليه — الذي يكون قد قتل في الغالب— لتقرر ما إذا كانت تنوي أن تعفو عن السجين، وفي حال وافقت العائلة، تتوقف إجراءات تنفيذ الحكم. يقول شمس الدين إنه في حالات العفو يرفع بندقيته إلى السماء ويطلق النار في الهواء احتفالا بذلك، ولكن في حال صمتت عائلة المجني عليه المظلومة، فإن شمس الدين سيؤدي حكم الإعدام كما هي عادته بإيداع طلقتي رصاص في قلب المحكوم عليه، بيد أنه قال إن الأمر تطلب منه إطلاق عشر رصاصات في مناسبتين ماضيتين. عمليات الإعدام في اليمن التي ذكرها شمس الدين تتجاوز بكثير الأرقام التي ذكرتها منظمة العفو الدولية. ومن المؤكد أن إحصائيات عام 2012م التي سجلت 28 حالة تبدو أقل في ضوء ما ذكره، إذ قال: "لقد قتلت 101 شخص في عام 2001م"، وهو يستعيد ذاكرة تلك السنة الحافلة بالنسبة له، ويتذمر في الوقت ذاته من انخفاض عمليات الإعدام بسبب تدخل القاضي الفضولي بشكل بارز. حاليا يقوم شمس الدين بتنفيذ نحو ثلاث عمليات إعدام شهرياً في إب، المدينة التي أُوقفت فيها عمليات الإعدام العلنية عام 2004م عقب الهجمات المتكررة التي كانت تشنها قبائل مسلحة على ساحات الإعدام في محاولة لعملية إنقاذ في اللحظة الأخيرة. وتعتبر اليمن واحدة من أكثر البلدان المسلحة في العالم؛ إذ تحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة. ويكثر فيها إطلاق النار والاشتباكات المسلحة، كما يتم فيها أيضاً تنفيذ العديد من أحكام الإعدام بتهمة القتل العمد وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية الصارمة، وعلى أساس العين بالعين والنفس بالنفس. ويخيم النظام القبلي في البلاد على الأرقام الحقيقية لعمليات الإعدام التي نفذت في اليمن، إذ يُعمل به كبديل لحكم دولة القانون في المناطق الريفية التي تنأى عن الحكومة المركزية، حيث يتم تطبيق العدالة عن طريق شيوخ القبائل. ولا يعرف كم من الناس الذين تم الحكم عليهم بالإعدام في إطار العرف ??بدلا من نظام الدولة القضائي المختل وظيفيا. وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور تقر أن هناك العديد من الإشكالات داخل النظام القضائي في اليمن التي تحتاج إلى معالجة - بما في ذلك الفساد- ، لكن عقوبة الإعدام ليست واحدة من تلك الإشكالات: "يقوم نظامنا على الشريعة الإسلامية، أما في ما يخص القصاص فلا بد أن تكون هناك عقوبة إعدام"، كما تقول: "ويمكن لعائلات المجني عليهم اللجوء إلى "الدية" بدلا من طلب تنفيذ عقوبة الإعدام، ولكن قلّما تجد متهماً يمكنه تحمل مبلغ الدية في واحدة من أفقر البلدان في العالم". تشير بيانات منظمة العفو الدولية منذ عام 2007 إلى أن165 شخصا على الأقل في اليمن تم إعدامهم في السنوات الخمس الماضية، ولكن الجماعات الحقوقية تذكر أرقاماً دقيقة من الصعب المرور عليها، تقول دينا المأمون من منظمة العفو الدولية- برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "معرفة عدد الأشخاص الذين أعدموا في اليمن ليست سهلة بسبب هذا النقص في المعلومات". وتشير مشهور إلى أن "القبيلة أقوى من الدولة"، وتقول إن "كل الناس سواسية أمام العرف، لكن عدالة الدولة في الوقت الراهن لا تضمن المساواة ". وتقول مشهور إن النظام القضائي في اليمن سيخضع للمراجعة خلال الفترة الحالية من التحول السياسي. كما أن الحوار الوطني الجاري، الذي انطلق في الشهر الماضي، سيسبق صياغة دستور جديد. مضيفة: "إن الحوار الوطني يعطينا فرصة لتغيير هذا النظام إلى نظام قضائي مستقل تماما". شمس الدين، الذي كان أحد حراس السجن لمدة 20 عاما مضت قبل أن يصبح جلاداً، يحب ممارسة روح الدعابة السوداء، كما يقل عدد المؤهلين من زملائه، قال: ذات مرة كنت في محكمة الاستئناف عندما ألغيت عقوبة الإعدام بحق أحد السجناء، وعندما أدلى القاضي بإعلان بطلان الحكم، وقفت وصرخت: "أنا أرفض.. أنا أرفض".. ثم يضحك على مزحته. في الليلة قبل إجراء عقوبة الإعدام، يعكف شمس الدين على عمله، والذي يجني منه 140 دولاراً في الشهر لنوبة الحراسة الأساسية ومبلغا إضافيا 47 دولارا لتنفيذ عمليات الإعدام. يعلق على مهنته قائلاً: "أنا لست سعيدا لقتل الناس"، ويقول وهو يصف كيف في إحدى المناسبات رفض تنفيذ أمر بإعدام سجين: كان محمد طاهر سموم في سن ال 13 عندما ألقي القبض عليه عندما انطلقت رصاصة من بندقيته وقتلت أحد الأصدقاء في عام 1999م بينما كان يلعب بها، وبعد أحد عشر عاما أُمر شمس الدين بإعدامه.. "كنت أعرفه منذ أن كان صبيا صغيرا في السجن. كان بمثابة ابن لي". ويبدو أنه الأمر الوحيد الذي أنقذ حياة الشاب - حتى الآن. "أما حراس السجون الآخرون فيقولون لي بأنه يجب أن يكون لدي قلب من حجر (بسبب العمل)، إذا لم يكن لديك قلب لقتله، فمن عساه أن يكون". وسئل عما إذا كان سيورث عمله إلى أي شخص آخر، فأجاب قائلا: "أي شخص ما عدا أطفالي". ثم يدهن بندقيته بالزيت ويتحقق من الرصاص استعدادا لصبيحة اليوم التالي... ثم قال:" يبقيني الألم مستيقظا في الليل، لا أستطيع النوم في بعض الأحيان وأنا أتذكر الناس الذين قتلتهم".