السلفية الجديدة، هي الجماعات التي تتبنى آراء أشخاص بأعيانهم مثل ابن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب، الذين يمثلون مدرسة واحدة في موقفهم من الموروث الإسلامي، على ما بينهم من مسافات زمنية متباعدة.. وخطأ السلفيين اليوم أنهم يعتقدون أن تراث هذه المدرسة هو الصحيح وما دونه بدع وضلالة، ويخطئون أيضاً عندما يحاولون فرض آراء هذه المدرسة على الآخرين باعتبارها كلمة الإسلام الأخيرة.. بينما السلف هم كل الفقهاء والمتكلمين والمفكرين والفلاسفة المتقدمين، كما تشير كلمة السلف في لغة العرب، تقول سلف أي تقدم، والسلف القوم المتقدمون، وسلف الرجل آباؤه الأوائل، والسلفة العصبة التي مضت، والأمم السالفة الأمم الماضية، والسلف الصالح الجيل الأول من التابعين.. كل ما تقدم هو سلف. والسلفية هي الفكر الذي كان عليه كل السلف" السابقون"، فليس السلف ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن عبدالوهاب فحسب، وليست آراؤهم كل آراء السلف وفقه السلف، بل المرجئة سلف، والمعتزلة سلف، والخوارج سلف، والحنفية سلف، والأباضية سلف، والشيعة بفرقها الثلاث سلف.. فلماذا علينا أن نجامل السلفيين الذين التزموا بآراء رجال معينين مثل ابن تيمية وابن عبدالوهاب، ونترك بقية السلف المتعدد والمتنوع وهو الأكثر، وعنده الأصوب في معظم القضايا. غلبت سلفية ابن تيمية وابن عب الوهاب على غيرها من السلفية، وليس ذلك لأنها الصحيحة كما يدعي سلفيو اليوم، بل غلبت لأن لها تياراً عاملاً ومزوداً بقدرات مالية هائلة، ينشر السلفية الوهابية عبر الجمعيات والمعاهد الدينية والمساجد والإعلام وغيرها من منابر الدعاية والنشر والتأثير. يقولون: إن سلفهم اعتمد على القرآن والسنة والمأثورات في تكوين آرائهم وبناء أحكامهم.. ورغم أن هذه ليست ميزة، إلا أن كل جماعات السلف من معتزلة وحنفية وخوارج وغيرها اعتمدت على نفس المصادر في تكوين أحكامها، وتتفوق بميزة أخرى هي إعمال العقل في النص وفي الواقع. ويقولون: نحن سلفية من أتباع السلف الذين خصوا بوصف "أهل السنة والجماعة .."حسنا.. والآخرون اعتمدوا على القرآن والسنة، وهم جماعة أيضاً.. مع العلم أن عقيدة "أهل السنة والجماعة"لم تكن معروفة في زمن الخلفاء الراشدين ولا التابعين ولا تابعيهم، بل هي وصف أطلقه آخر خلفاء بني العباس على مجموعة من الآراء الفقهية الأحادية التي تبناها لأن فيها مصلحة سياسية له، وحاول فرضها على الآخرين، مستبعداً ما عداها من الآراء الكثيرة والمتنوعة.