صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    المجلس الانتقالي الجنوبي يرحّب بتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة ويدعو إلى تعزيز التعاون الدولي    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    لحج: المصفري يرأس اجتماعا للجنة المنظمة لدوري 30 نوفمبر لكرة القدم    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تُنظم فعالية خطابية وتكريمية بذكرى سنوية الشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آمين.. يا أبا زكريا
نشر في الجمهورية يوم 13 - 02 - 2009

في عدد ملحق صحيفة الجمهورية الغراء «أفكار» عدد 3 - 8 صفر 1430 رد علي الأستاذ «أبو زكريا» محمد سعيد عبدالودود، بعنوان: «هداك الله يا عبدالباري».. والدعوة بالهداية، وإن تضمنت روحاً طيبة، ورغبة في صلاح الآخر، إلا أنها وفي العمق تحمل لوماً واتهاماً.. «عفا الله عنك لم أذنت لهم» الآية.. فالعتب في الآية الكريمة جليٌ.. وكما أن العفو لا يكون إلا عن خطأ فإن الهداية أيضاً إشارة ضوئية للزلل.. وهو أمر أتقبله بحب وتوقير.
ما أكتبه ليس الرد ولكنه محاولة أولية لتحديد نقاط الاختلاف والتقيد بالقول حتى نتبع سنة سلفنا الصالح الذي كان المؤلف يوثق للفظة وينسبها لقائلها.. وهو ما فعله علماء اللغة وفقهاؤها كصاحب القاموس ولسان العرب «ابن منظور وعلماء الحديث والفقه والتاريخ».. وكان المحدث يسافر العالم ليستوثق في حديث واحد، في هذه العجالة سوف أشير إلى ما أعتقده خطأً في تناول الأستاذ «أبي زكريا».
أولاً التأول والتقويل والبحث عما وراء النوايا والتفتيش عن «المخبى» «الضمير»!
ثانياً المماهاة بين الكتاب والسنة المطهرة وبين الناس الذين هم ليسوا حجة على الله وليسوا أيضاً تجلياً لمراد الكتاب والسنة.. وهم سبب الصراع القائم حتى اليوم في كل ديار المسلمين.
ومن أجله مات ابن تيمية في السجن.. وقتل علي وعثمان وعمر وتعرض صلاح الدين الأيوبي لأكثر من محاولة اغتيال وقتل العشرات من الدعاة والمصلحين والعلماء والعظماء فقد قتل الإمام زيد وجده من قبله.. وعذب الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن.
ثالثاً: الاستنطاق هل تقصد...إلخ.
وما أقصده هو ما كتبته وعليك ولك الحق كل الحق في الاختلاف معه كله أو بعضه في حدود ما يحتمله القول.
ويرى الأستاذ أن ديننا يأمرنا بالصناعة والإبداع والإنجاز فليست السلفية عائقاً.. والاتهام بالإرهاب حقيقة وواقعية فينا وفيهم، ولكنهم هم صنَّاعه ومالكو صناعته، ولكن دعمهم لإسرائيل واحتلال العراق وأفغانستان، الإرهاب الأكبر.. ولكننا أيضاً بثقافتنا المختلفة وبقصور فهمنا للدين ومزج الدين القيم بالأعراف والتقاليد والأهواء والمصالح المقيتة نصنع إرهاباً أيضاً، والفرق بيننا وبينهم أنهم يمارسون إرهابهم علينا بينما نمارسه ضد أنفسنا.
فيما يتعلق بالحركات السلفية أشرت إلى دورها الإيجابي والسلبي، ولكنه أخذ السلبي وراح يرد علي دون الالتفات للدور الإيجابي الذي أشرت إليه.
ويمكن مراجعة عباراتي حرفاً حرفاً، فقد قلت - النص - «الحقيقة إن هناك إشكالية في المنطقة العربية كلها، هذه الإشكالية قد أشار إليها المفكر المغربي علي أومليل.
إن تيارات التجديد الديني كانت غالباً ما تأتي من الريف إلى المدينة وهذا أثر على حداثتها وتطورها وتفتحها وتسامحها، لأنها كانت تأتي من مناطق تشدد، وتعتمد أو تتماهى مع القبيلة والبداوة.
وأشرت إلى المهدية في السودان والسنوسية في ليبيا، وعبدالقادر الجزائري في الجزائر.. مؤكداً دور هذه الحركات في الحرب ضد الاستعمار، ودورها في تحقيق الاستقلال.
كما أشرت إلى الحركة الوهابية التي اتسمت بقدر كبير من السلفية...إلخ».
اختار محوراً موضوعي هذا كله في الإشارة إلى الوهابية وإلى الجانب المتشدد والموغل في السلفية مهملاً البعد الإيجابي لها.
والحقيقة أن مؤسس الدولة السعودية قد عانى كثيراً من هذه السلفية الظلامية .. ثم كانت فتنة الحرم المكي امتداداً للتيار السلفي الأكثر تشدداً وظلامية.
وأحداث ال11 من سبتمبر في أمريكا، وحركة طلبان والمسجد الأحمر في باكستان، وتدمير الصومال، ثمرة مرة لهذا التشدد.
يقوّلني الأستاذ أبو زكريا ما لم أقله.. فيقول: «ثانياً أشاد الأستاذ عبدالباري بدولة تونس...إلخ».
والواقع أني لم أشر من قريب أو بعيد إلى دولة تونس.. وإليكم ما قلته بالنص: «للأسف الشديد جزء من إعاقة الحداثة والتقدم في المنطقة العربية هو عدم وجود تجديد ديني بالمعنى الحقيقي للكلمة، ربما البلد الوحيد الذي شهد تجديداً دينياً حقيقياً وأحداثاً دينية حقيقية هي تونس - لاحظوا تونس - وإلى حدٍ مّا المغرب، ومصر أيضاً في مطلع القرن الماضي...إلخ».
وأضفت: «يُلاحظ أنه في تونس أن التجديد الديني أخذ مدى أبعد وربما لعب في تونس عدم وجود ريف قوي محاصر للمدينة، وبفضل أيضاً القيروان والزيتونة.. يعني التجديد الذي حصل داخل هاتين المدرستين».
ولعب علماء كبار مثل الطاهر بن عاشور وجزء كبير من علماء القيروان وخير الدين التونسي العالم الجليل وهو مجدد استند إلى قوانين الإصلاح في تركيا فكانت الغلبة للحداثة في تونس مهمة فكيف تحول ذلك إلى الدولة التونسية الدولة البوليسية القامعة لا أدري.. فالداعية لا يدري أنِّي أتحدث عن مطلع القرن العشرين.
ويشير إلى أني أشير إلى التنازل عن أمور الدين.. ولا يدري أن الطاهر بن عاشور صاحب تفسير القرآن «التحرير والتنوير» من أفضل علماء المسلمين.
ويعتبر تفسيره من أهم التفاسير حتى اليوم.. أما خير الدين التونسي صاحب المسالك فهو من أشهر المجددين الدينيين في العالم الإسلامي.
وجهل صاحبنا به لا يحط من قدره.. ويا عزيزي إنني لا أتكلم عن الحكام العرب أو حكام معظم البلاد الإسلامية، وأنا أميز بينهم وبين الإسلام: الكتاب والسنة.
ويصرخ مستنكراً لماذا لا يشيد عبدالباري طاهر بدولة أرض الحرمين في تطبيقها للكتاب والسنة، وتكاد البلاد الوحيدة التي لا تعتمد في قوانينها على القوانين الوضعية المستوردة من الغرب، بل تعتمد على الكتاب والسنة في سائر شؤونها؟!
ويتطوع بالإجابة «لأنها لا توافق هوى أستاذنا الحداثي المتنور، لأنها تتعارض مع الحداثة والتقدم المستورد، وتنبذ الديمقراطية المشاد بها عند الحداثيين، وتنبذ كل فلسفات الغرب، فهي تركل الحزبية الساقطة بقدمها و«تبول» - هكذا -!! على الأسس الوضعية والأفكار الهدامة».
وهكذا يكون أدب الحوار عند الداعية السلفي؛ فهو لا يكتفي بتقويلك ما لم تقله بل يريدك أن تقول ما يريده هو أو ما يعتقده صواباً، فأينك يا أخي من قول الله سبحانه وتعالى: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» الآية.
كان الإمام الشافعي وهو يحاور خصمه يتمنى أن يظهر الله الحق في قول خصمه.. ويقول بتواضع جم: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب
أما آراء سلفيينا الجدد فلها صبغة الحقيقة المطلقة، ومواقفهم السياسية الفجة يحاولون فرضها على الناس كدين وكمعتقد.
في ثالثاً تهكم الأستاذ عبدالباري طاهر على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبأنه شيخ الإسلام متشدد وتكفيري ومفسق.. هكذا.
وكم أتمنى على القارئ أن يعود إلى ما قلته في العدد 3-8 صفر فأنا أقول بالحرف - النص - «لاحظ مثلاً عالماً مثل ابن تيمية أو ابن القيم هؤلاء علماء متعددون، وعلماء متنورون ولديهم قدرات وإمكانات، وفي جوانب مناضلون، فابن تيمية مات في السجن، ولكن ما يؤخذ من ابن تيمية هو التشدد: التكفير والتفسيق، ولا يؤخذ من ابن تيمية حياته كلها، ولا علاقته بالمنطق والفلسفة، ومقاومته للاستبداد والظلم ومحافظته على الهوية العربية، وإنما يعرف ابن تيمية فقط بالتكفير.
وهذه هي الكارثة، حيث تؤخذ منه لحظة من اللحظات، وتقف الحياة عندها فأنا ألوم المقلد والتلميذ الذي لم يعرف ابن تيميه كما هو ولا ابن القيم كما ينبغي ويصرخ في وجهي ائتني برجل واحد كفره ابن تيمية.
ولا أريد أن أسرد عليه فتاوى العلامة الجليل المجدد والمجتهد والمؤسس الحقيقي لمذهب الإمام أحمد بن حنبل الفقهي - وإن اعتبره البعض خطاً راجعاً - والذي يقول فيه الذهبي: ابن تيمية بحر لا ساحل له.. ولا أريد أن أورد له فتاويه بتكفير من لا يأخذ بالرخص، ولا قتله شارب الخمر، ولا التكفير بعد الاستتابة للجاهر بالنية في الصلاة مصراً.
ثم يوجهني بقراءة بعض كتبه التي أتيت على بعضها في سن الطلب في الحرم المكي في خمسينيات القرن الماضي.. وقد كتبت عنه سلسلة مقالات في صحيفة الشورى في تسعينات القرن الماضي أيضاً.
ذكَّرني جزاه الله خير بقراءة كتاب «درء تعارض العقل مع النقل» وليته يقرأ منه تغليب العقل لأنه الأصل في معرفة النقل ففلا يمكن فهم النص إلا بالعقل.
ويربط بين حديثي المحور عن ابن تيمية ليربطه بالحديث عن الوادعي وتلاميذه.. مشيراً إلى أن ابن تيمية من علماء القرن السابع والصواب أنه من علماء القرن الثامن.
واما مقبل الوادعي فأنصحك بقراءة كتابه «الخروج من الفتنة» الذي كفّر فيه المذاهب الإسلامية وكفّر القرضاوي وحتى زملاؤه الذين يتنافس معهم على نفس النهج والأسلوب كالزنداني والديلمي وعشرات عشرات غيرهم.. فراجع الكتاب الذي جمعه مريدوه بعنوان «إعلام الأجيال بكلام الإمام الوادعي في الفرق والكتب والرجال»، الصادر عن دار الآثار صنعاء.
أما فيما يتعلق بالآراء التي ناقشتها فأنا أرى أننا لا نتحاور لأن التحاور يقتضي أمانة النقل فالقرآن الكريم يشير إلى أقوال الدهريين والكفار وحتى إبليس ثم يفندها الحق جل وعلا.. فعندما لا تتوافر الأمانة في الإشارة إلى أقوال الخصم بالاحترام فإن التحاور ينتفي.. وقد أشار الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب في تفسير قوله تعالى لموسى وهارون «اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يذكر أو يخشى».. إن الآية الكريمة تعلمنا وجوب التحاور مع المبطل والاستماع إليهم والرد عليهم دون إيحاش أو إيذاء.
يشير الأستاذ في رده في «سادساً» إلى الإصلاح الديني بأن تفهم العلمانية فهماً صحيحاً.. واعتبر أنما يحصل في المنطقة هو سوء فهم للعلمانية، وأنه بلسان حاله ومقاله ضد العداوة بين الإسلامي والقومي والليبرالي ليصل إلى الفتوى الجامعة المانعة والقاطعة الباتعة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
يقول: «أقول وبالله التوفيق: إن كان هذا معتقد المسلم فإنا لله وإنا إليه راجعون».. ويتساءل، «هل من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً يعتقد أن الحل ليس في الإسلام وحده، بل إنه جزء من أجزاء الحل، وطرف من أطراف عدة».. ثم يبرأ إلى الله عز وجل من هذا الكلام الذي أشرك فيه الأستاذ عبدالباري الإسلام بجميع الطوائف والنحل الباطلة التي أبطلها الإسلام..!
ويجهل عامداً أنني لا أتحدث عن الإسلام: الكتاب والسنة ولا الشريعة الإسلامية، وإنما الحديث عن الأحزاب السياسية، الإسلامية والقومية والماركسية والليبرالية بقطع النظر إن كان معها أو ضدها.
فالحديث في السياسة وعن الأحزاب السياسية التي تسعى للسلطة وليس دفاعاً عن الدين البراء، فالبلاد العربية والإسلامية الآن تتصارع فيها أحزاب سياسية إسلامية.. الإخوان المسلمون في مصر، طالبان في أفغانستان، حزب العدالة والتنمية في تركيا، حماس في فلسطين، الإصلاح في اليمن، العدل والمساواة في المغرب.. وهذه أحزاب إسلامية ولكن لم يقل أحد إنها الإسلام، ولا أن فهمها هو عين اليقين، وهي تتصارع وتتحالف وتتخاصم مع القومي والماركسي والعلماني والليبرالي على برامج وشعارات وأهداف سياسية وليس على الدين أو الإسلام، فتخاصمهم وتقاتلهم على السلطة، فكيف تحول الأمر لدى الداعية إلى إشراك الإسلام بغيره؟! لا أفهم!!
ألم يقل الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز: لم يقتتل المسلمون على ربهم، ولم يختلفوا على نبيهم، ولا على صوم أو صلاة أو حج، وإنما اقتتلوا على المال والسلطان».
ولماذا محاولة تحويل الإسلام - أستغفر الله - إلى فزّاعة؟! يا هذا تواضع قليلاً، ولا تجعل من نفسك وصياً على الإسلام، ولا تجعل نفسك أو طائفتك هي الإسلام، فالإسلام شيء، والمسلمون منذ محمد بن عبدالله شيء آخر.
نحن نتكلم في السياسة لقد أقتتل أفضل صحابة رسول الله على الولاية ولكن لم يكفر أحد منهم الآخر.
لا أعتبر هذا رداً ولا تحاوراً فمن يمتلك اليقين وعين اليقين، ويقدس آراءه البشرية، ويلبسها ثوب الدين، مسفهاً آراء المختلف لا يمكن التحاور معه.. وإنما أردت فقط كشف عدم دقته في النقل وأمانته في الخصومة والاختلاف.
أما الحديث عن التأويل والتفسير وإن حمل اللفظ على الحقيقة قاعدة أصولية، ولكن أي حقيقة فهناك الحقيقة اللغوية وهي الأصل ثم الحقيقة الشرعية ثم المجاز والأمر أيضاً متعلق بالأصول وقواعد الفقه.. ولكن الحديث في الأمر السياسي أو في التصوف أو الفلسفة أو الاجتماع أو المنطق مختلف تماماً.
والقول بأن القرآن الكريم حمَّال أوجه ليس من عندي أتى، وأنه كتاب مرقوم بين دفتي كتاب منسوب لعلي بن طالب، كرم الله وجهه.. فعندما بعث عبدالله بن عباس للتحاور مع مناوئيه، قال له: لا تحاججهم بكتاب الله فالقرآن حمال أوجه، وإنما ينطق به الرجال.
ومع ذلك أتفق معك في أن التأويل ليس على إطلاقه وأن اللفظ ينصرف إلى الحقيقة ما لم تكن هناك قرينة.. ولكن كيف نتفهم الاختلاف؟! وكيف نتواضع وندرك إنما نقوله هو فهمنا القاصر للإسلام وليس هو بالضرورة وقطعاً «الإسلام»؟ وتستطيع أن تعود إلى فتاوى ابن تيمية الذي حصر أخطاء كبار الصحافة أبو بكر وعمر وعلي وعثمان في مسائل عديدة وليس لأحد قدسية ولا رهبانية ولا عصمة.. ولتعلم أنك لا أنت ولا كل شيوخك من يمتلك حق التكفير.. «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» الآية.
دافع عن شيوخك ومصالحك كما تريد ولكن لا تخلط بينهم وبين كتاب الله وسنة رسوله.
وأخيراً أود أن أهمس في أذنك لقد قال أحمد بن تيمية الحراني من علماء القرن الثامن الهجري «إنما أهلك الناس رجلان: نصف طبيب من عالجه أماته، ونصف عالم من أفتاه أفسد دينه».
أما الإشادة بإيران إلى حد ما - أي بتجربتها التي لم تكتمل فلأنها دولة أمة، وهو كلام سياسي لا طائفي وانحيازي للموقف التركي، فلأنها - أيضاً - أمة.. ولأنها تعيش العصر، وتتحدى الإرهاب الإسرائيلي.
وعندما تحدثت عن كارثة الصراع الدامي والمرير بين القومي والإسلامي والليبرالي كنت أصف لحظة راهنة، وماضياً بائساً وأثيماً.. سببه الفهم الخاطئ والمتبادل بين هذه الأطراف السياسية وليس بين الإسلام «الدين» أو الملل الأخرى كافرة أو غيره كافرة.. ولا بين مجموع المسلمين والممل والنحل الأخرى.. لم أكن أفتي أو أحكم وإنما أشخص حالة ماضية وراهنة ما تزال جراح معاركها تدمي الحياة وتزيغ العقول وتبعث على اليأس حالة فلسفية بين حماس وفتح مثلاً، الصومال والسودان وباكستان.
فاعقلوا يا هؤلاء، ولتعلموا أن خطأً في انتشاق سلاح الدين في وجه المختلف أكثر ضرراً وجرماً من خطيئة السياسي القومي أو الليبرالي في رأيه الشخصي، لأنكم تأثمون باسم الله جل وعلا، بينما يأثم الآخرون كرؤية ورأي شخصي.
ثم لم يقل أحد منذ محمد بن عبدالله وأصحابه البررة وأتباعه والأئمة إن الآراء التي ليس فيها وحي يوحى على النبي مقدسة.. ومعروف أن النبي تراجع عن آراء عديدة لا وحي فيها، أما الصحابة والتابعون بإحسان وأئمة الهدى فآراؤهم وفتاواهم آراء بشر يصيبون ويخطئون ولا عصمة لهم ولا قدسية لآرائهم، وكثيراً ما أعلنوا التراجع عنها والإفتاء بغير الفتوى الأولى.
أما القول بأن الدين الإسلامي قد أمر المسلمين بالصناعة والإبداع فليس هو ما نتخلف فيه.. ما نتخلف فيه وعليه هو حال المسلمين اليوم والعرب منهم بخاصة فعالم الذرة عبدالكلام في الهند الهندوسية مسلم ويحكم الهند فهو رئيس الجمهورية لمليار وربع المليار غالبتيهم هندوس.. أما عالم الذرة في الباكستان وصانعها عبدالقدير خان فقد كان رهن الإقامة الجبرية «مسلم في بلد إسلامي».
أما البلاد العربية ففلسطين تحتل وتستباح وتقتل وتستحيا نساؤها ويقتل رجالها ونساؤها، وأطفالهم وتهدم المنازل والمساجد على رؤوس أهلها ويفتي السلف غير الصالح بغوغائية المتظاهرين نصرة لإخوانهم في فلسطين.
ويا هذا العراق محتلة والصومال مذبوحة وأفغانستان محتلة، وبحار العرب وبترولهم منهوب ومحتل من قبل السيد الأمريكي، ثم تتحدث أمام القراء عن إنجازات ومعجزات ثم تكون الطامة أن تصور هذه الحالة البائسة والقاتمة أنها هي الإسلام.. فيا ترى أين الخلل؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.