اللغة لم تعد قادرة على تطبيع مشاعرهم الحقيقية مع هذا القهر الواقف أمام هزيمته وهو يشعر بالحزن والغضب والنهاية أيضاً، بقوا لسنوات وهم يداعبون شفة الحرمان برائحة الفرح، وأن يدّعي البعض تصديق ذلك فهذا مثيرٌ للشفقة . في كل مرة كنت أتّخذ فيها قراراً بدون تفتيش جيبي المثقوب كنت أخسر معركة جديدة، وإن أتّخذ قراراً الآن بعدم محبتي لكل المتاجرين بالقيم الراقية والبسيطة التي حملها دين محمد، فهذا يمنحني شعوراً بالفخر أتصفح من خلاله وجوه الناس فوق الطائرات وتحتها، ومع ذلك فكل الذكريات القديمة قد تشعرك بالندم أيضاً . أعترف أنّي قلتها سابقاً، أنّي لن أحدد موقفي من (أهل اليمين)، و(أهل اليسار)، و(حمائم الوسط)، و(حماقات الرئيس)، و(صراخ المقاومة)، و(ملائكية الثوار)، و(رموز المعارضة)، و(مصدر لم يذكر اسمه)، و(جنة علي بابا)، و(خيانات الرفاق على خط التماس)، و(أميركا الحرة)، و(أميركا الشيطان الأكبر) إلّا في لحظة الموت . قلت سأعيش الآن، سألتزم الصمت وأضحك حينها، سوف أكون متأكداً أن (عزرائيل الطيب) لن يكون الطلقة الوحيدة التي أرسلها هذا الكم من التيه. لكن ومع مرور الأيام لم أستطع أن أفعل ذلك، إنهم يستمرون بخيانة الله، ملامسة الأرض باللحى قبل التفكير بملامسة هذا الجرح الساكن في أعماق الفقراء. أصبحت أفكر بهذه الأمور الآن، ناهيك عن أن الوضع يغريك تماماً بقذف اللعنات في وجه كل من تقابلهم، أو تتحدث إليهم، وعيناك ترجفان من التقزز، ورائحة الحمامات التي تُوقّع فيها اتفاقيات الإنسان مقابل السنت، مقابل القوادة، مقابل شحن المبادئ بالتعابير الصاخبة والشعارات الثورية والتي عادةً ما تخلع ملابسها في نفس الحمام وبنفس الثمن . سوف أكتب الآن، سوف أتحدث عن هذه الأشياء الغريبة، ولا يهمني كم عدد الأحلام التي سأنتقم منها، لا يهمني سوى كل هذا الابتعاد عن الخيبة والاقتراب أكثر من فرسان البرك القذرة والمليئة بالأشباح والكائنات التي قد يستبدلها الله في أية لحظة . سأتحمّل وزر البرد والضغينة، لعل هذا الوطن يغفر لي أخيرا كل ذلك الصمت . [email protected]