يبدو الوضع الاجتماعي والسياسي المحتقن في تونس مرشحا إلى حالة من التشنج قد تؤدي خلال الفترة القادمة إلى الانفجار. وتشعر مختلف فئات المجتمع التونسي بحالة من الإحباط بسبب فشل الحكام الجدد في إدارة شؤون البلاد، مما دفع إلى تأسيس أربع حركات "تمرد" ضد حكومة الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية، في مسعى لتكرار السيناريو المصري الذي أطاح بنظام الرئيس محمد مرسي. ومنذ أكثر من عامين، تحمل التونسيون الكثير من الصبر على أوضاع اجتماعية يسودها البؤس نتيجة تزايد عدد العاطلين وانتشار مظاهر الفقر المدقع، وأوضاع سياسية متأزمة لم يجن منها المواطن سوى الشعور بالحرمان وبعدم الثقة في السياسيين. غير أن صبر التونسيين بدأ ينفذ إذ عادت خلال الأسابيع الماضية موجة الاحتجاجات والإضرابات في مختلف جهات البلاد فيما تشكلت حركات تمرد يقودها نشطاء أغلبهم مستقلون يقولون إنهم "سئموا الوعود ونفضوا أيديهم من الحكام الجدد الذين أمعنوا في التسويف على الشعب بعد أن وعدوه بالديمقراطية وهم على أرض الواقع يمارسون الاستبداد السياسي". تعد حركة "تمرد" التي يتزعمها الناشط المستقل محمد بنور أول حركة تأسست في تونس في بداية يوليو، ونجحت في إحداث أكثر من 24 مكتب لها في مختلف أنحاء البلاد كما نجحت في جمع أكثر من مليون توقيع ما جعلها تستقطب اهتمام الرأي العام. وكان الإعلان عن تأسيس حركة "تمرد" خلال ندوة صحفية عقدها مكتبها السياسي على تحديا كبيرا لحكومة الإسلاميين إذ كسر حاجز الصمت والخوف وفتح نوعا من الآفاق أمام النشطاء للسير على نهج الطريقة المصرية. وأكد محمد بنور الناطق الرسمي باسم الحركة أن الهدف الأساسي ل"تمرد" هو "حل المجلس التأسيسي الذي عجز إلى حد الآن في القيام بمهمته الأساسية وهي إنهاء كتابة دستور جديد يحظى بتوافق القوى السياسية والاجتماعية والمدنية". وشددت أميرة عكاشة عضوة الهيئة التأسيسية لحركة تمرد على أن نشاط الحركة "سيأخذ شكلا تصاعديا في انتظار السنة الدراسية القادمة حيث ينتظر أن يلتحق طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس بالحركة التي تسعى إلى أن تكون تحركاتها سلمية وتعتمد كليا على الوسائل المدنية والديمقراطية للتمرد ضد السلطة". ولقيت حركة تمرد دعما قويا من خصوم حركة النهضة خاصة من العلمانيين الذي دعوا إلى "حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني"، كما دعوا إلى "حل المجلس التأسيسي". لكن الأهم من التجاوب الذي لقيته حركة تمرد من خصوم الإسلاميين هو أنها فتحت الباب أمام تأسيس حركات تمرد أخرى، لم تخف رفضها لمشروع الإسلام السياسي، مؤكدة أنها ستناضل من أجل "إسقاط النظام والقطع مع منظومة الاستبداد من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي وشعبي يكرس الحريات العامة والفردية ويؤمن بحرية الرأي والتعبير ويرفض العنف والإرهاب". فقد تأسست خلال الأسبوع الأول من يوليو حركة تمرد ثانية تحمل اسم "الحركة الوطنية لإنقاذ تونس"، وأصدرت بيانا وقعه منسقها العام مصطفى بن أحمد عيساوي. وعللت الحركة تأسيسها بما آلت له الأمور في تونس من "وضع احتباس سياسي وتعطل لمصالح الدولة وحالة عدم انقياد شعبية بسبب السياسات الفاشلة وبسبب محاولات الالتفاف المتكررة على ثورة الكرامة منذ 14 يناير 2011. ولوحت بأنها "ستسعى إلى بناء قوة تمرد قوية ضد النظام" من خلال "جمع شمل شباب الثورة المؤمن بمستقبل تونس العظيمة والمندفع حقيقة لتنفيذه والتحرك بهم على وتيرة موحدة ولغاية واحدة وواضحة المعالم وهي استعادة الثورة التونسية والسعي بها مباشرة نحو الأهداف التي قامت من أجلها".