لو كان يعلم إن قيامه بتمزيق صورة (جيفارا) الخاصة بابنه تعني أنه أبدى مدى ضعفه وتقهقره أمام فكرة الشيوعية والنضال العمالي لما فعل ذلك، هذا ما حدث بين أحد الرفاق اليساريين ووالده اليميني، فهل كان ما حدث امتداداً لحروب المعسكر الاشتراكي والإمبريالي ؟! كثير من هذه القصص وبسيناريوهات مختلفة تحدث في كل بيت لا ديمقراطي، الاستبداد الأبوي يرجع إلى العصور الأولى من تطور الإنسان وتحوله من نظام عائلة الأمومة إلى العائلة الأبوية مع بدء تراكم -الملكية الخاصة- في نهاية فترة المشايعة ، وتكرس هذا الاستبداد في أبشع صوره في مرحلة الإقطاع، وما تبقى اليوم هو من مخلفات تلك المرحلة التي أعادت إنتاج نفسها في إطار المصالح العائلية والطبقية اليوم، وعادة يأخذ الأب سوطه من منطلق أنه هوَ من ينفق على أولاده، وبالتالي فإن مثل نهاية هذه القصص تكون السعي(من الأبناء) للتحرر الاقتصادي ومغادرة البيت الأبوي والبحث عن مصدر دخل، وقد يترتب على ذلك مشاكل أكبر تهدد المُجتمع، فقد ينحرف الولد إذا كان لا يحمل ما يكفي من القيم لتحميه من الثقافات المتباينة (خاصةً في المدينة) وإذا أخضعه الواقع الاجتماعي بعنف فيسير في درب الجريمة . الاستبداد الأبوي في العالم العربي جزء منه كرسته الثقافة الإسلامية التي صنعتها السُلطة، فالخضوع لرب الأسرة يعني الخضوع للسلطة السياسية لولي الأمر "ولو جلد ظهرك"، وهكذا تكرست ثقافة الاستبداد وأصبحت جزءاً من العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية، حتى أن الأب المُتعلم والذي يُفترض أنه تحرر وعياً وثقافةً يخشى إذا لم يستبد أولاده حتى في مظاهرهم الشخصية حتى لا يسخر الناس منه ويُقال عنه أنه "لم يعرف يُربي" وهكذا يُصبح ولده ضحية آراء الناس، ويُصبح الأب نفسه ضحية تقلبات مزاج المُجتمع فيُسقط هذا الاستبدادي على الجيل الثاني، بينما هناك فرق شاسع بين التربية التي تعني أن يزرع هذا الأب القيم الأخلاقية الإنسانية في فكر ولده، وجزء من هذه القيم وهذه التربية هي سلوك الوالد نفسه. وفي مرحله ما يضطر الأب نفسه إلى أن يُقوّم سلوك ولده حين يخرج عن الآداب العامة ويتصادم مع مصالح الناس أو مع القانون، وهكذا وكالأنظمة البوليسية التي تجمع السلطات بيد واحده يُصبح الأب مُشرعا وقاضيا ومنفّذا، ويُصبح العنف الطريقة الوحيدة لفرض (القناعات الأبوية) وإن كانت سليمة تماماً، يُريد الأب أن يكون ولده نسخة عنه تماماً، بل ربما يُحمله ثاراته وعُقده ومشاكله، وقد يكون الدافع للاستبداد الأبوي هو الإفراط في الاهتمام بمصلحة الابن.. هذه المصالح التي يراها هوَ ويحددها هو، ويستحيل أن يقتنع بوجود مصلحة خارج إطار مصالحه، مُتجاهلا حركة الزمن وتغير الحيثيات التي تحكم الواقع الاجتماعي الاقتصادية والسياسية والثقافية التي بدورها تخلق مصالح جديدة وأدوات وأساليب جديدة في التعامل(الصراع) مع هذا الواقع الاجتماعي وإلا كان الإنسان لينقرض.!