"مضرط الحجارة" لقب عرف به أمير الحيرة عمرو بن هند بن المنذر.. قيل إنه لقب بذلك لهيبته، وشراسته، وتجبره، وشدته في الحُكم، وكان أيضا لا يبتسم ولا يضحك! .. فيا لها من مميزات! باستثناء الهيبة، فإن باقي حيثيات منح اللقب قبيحة، حتى لو كان يضرط الأعداء، فكيف لو كان هذا حاله مع أبناء قومه؟ وهكذا كان، حسبما قرأت قبل ليلتين في كتاب "اليمن الخضراء..." للحوالي.. قرأت حكاية المضرط مع واحد من قومه، وأعجبتني ورأيت أن أقصها على قرائي. والحكاية عبرة للحاكم الذي يحتقر شعبه.. وللرئيس الذي يظن أنه يكبر بالتوافه.. وللرئيس الذي يسعى لإشباع غروره بانتصارات وهمية.. وللرئيس الذي يجهد لإيذاء قومه إرضاء لأهواء طائشة، ولا يدرك أنه الخاسر في النهاية.. لكني هنا أقص الحكاية من باب المعرفة بالشيء فقط! وفي الحكاية أن " مضرط الحجارة " هذا، سأل جلساءه يوما عن ما إذا كانوا يعرفون عربيا يأبى أن تخدم أمه أم مضرط الحجارة؟ فقالوا: لا نعرف واحدا يأبى ذلك، إلا إذا كان عمرو بن كلثوم (الشاعر الجاهلي المعروف)، فهو من هو، وأمه هي ليلى بنت مهلهل، وعمها كليب وائل، وزوجها كلثوم. تصوروا.. ماذا فعل مضرط الحجارة لكي يثبت لجلسائه أن أمه عالية المقام، ويمكن أن تكون في خدمتها أم أكبر كبير من أهل البلاد؟! في سبيل تحقيق هذا الانجاز الوطني! أرسل المضرط إلى عمرو بن كلثوم يدعوه لزيارته، وبالمرة يحمل معه أمه ليلى لتزور هند بنت الحارث أم المضرط، فقبل ابن كلثوم الدعوة وسار هو وأمه ليلى ومعهما عدد من فرسان بني تغلب، ولما علم مضرط الحجارة بقدومهم، أقام حفلة ضيافة دعا إليها كبار القوم في البلاد، وجلسوا في السرادق، وبالقرب قبة مخصصة لهند وضيفتها ليلى أم ابن كلثوم وخدمهما. وكان على أم مضرط الحجارة- حسب ما أمرها ابنها- أن تنحي الخدم بعد أن يفرغ الناس من تناول الطعام، ثم تطلب من ليلي مناولتها الأطباق، ففعلت. قالت هند لليلى: ناوليني هذا الطبق، فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.. فألحت عليها هند، وعندها صاحت ليلى: واذلاه يا آل تغلب..! ولما سمعها ابنها عمرو بن كلثوم،غضب شديد الغضب، وتناول سيف مضرط الحجارة الذي رآه معلقا في السرادق، وقتله به، وانصرف وأمه وفرسانه التغلبيين بعد أن نهبوا مال المضرط وخيله ونساءه!