ليس هذا صالح الذي نعرفه ، يتحدث وتنقطع أنفاسه ، لا تقف على ثلاث كلمات مرة واحدة . وكان قد أحاطنا بمشهد فزعه الذاتي بعد يوم من العاصفة ، وشاهدت حديثه وأنا أتناول الشاي في مجمع السعيد بتعز وقلت لصديق كان الى جانبي : ليس هذا صالح الذي نعرفه ! لم يكن صالح أقوى كما هو بعيد سقوط صنعاء في يد المليشيا .. تحدث الكل عن معجزة الحوثي ، اما صالح فقد ارتخت أذنه لقادة كبار في الحرس الجمهوري وهم يقولون له : أنجزنا المهمة ، . ترك للحوثي نشوة اعلان النصر ، وذهب صالح مع فريق سياسي لا يتجاوز عدده ثلاثين رجلا لترتيب واقع ما بعد الانتصار . تركت العاصفة صالح وحيدا يعض انامل الخيبة ، فأكثر من نصف ذلك الفريق في الرياض الان يرتبون لمرحلة ما بعد سقوط الدولة في صنعاء التي ستعني وفقا لدخول عامل العاصفة : عزل صالح من رئاسة المؤتمر وطي مستقبله السياسي ، ثم ترك جسده المشلول بعد ذلك وجبة لطيران التحالف العربي . هذا سيناريو مؤلم ، وكان مرفوضا قبل اشهر فقط في تصوري الشخصي على الاقل ؛ فقد كان صالح فرس الرهان لكبح جماح المليشيا وقطع اليد الايرانية في اليمن . واعترف انه لا عدو في نظري اكثر من ايران ، وكان لصالح ان يكون رأس حربة في ملحمة التحرير ، بعيدا عن كونه المهندس الابرز لكل أحداث الفترة الماضية . أضاع صالح فرصة تاريخية للمصالحة الوطنية ، وسحق بكل غرور وقسوة مرحلة ذهبية كان المجتمع فيها قد أعاد فرز القوى في سياق مفاضلة اجبارية ووقع على اكتشاف مدهش : لا احد في المشهد سوى الحوثي وصالح .. وعصر على روحه وأوجاعه ، واختار صالح ! او في الواقع اخترت صالح . لم يعد لدى صالح الكثير من القوة للصمود ، وهو في الحقيقة لم يصمد ، وأفصح مشهد ما بعد العاصفة عن جيش هزيل ، يعجز عن اسقاط طائرة حربية ، . وكشف أن بإمكانه الصمود لاشهر معدودة امام عناصر حمود المخلافي لكنه لا يصلح بالمرة لمنازلة اسرائيل او المملكة العربية السعودية . صالح وحيدا يعض أصابع الخيبة ، ويتحدث امام منزله المدمر والاجهاد يملأ روحه وفمه وعيناه . يقول : تعالوا ، لمنازلتي وجها لوجه وتعود بي الذاكرة الى شارع الستين في تعز واسترجع مشهد الجثث المتناثرة لمجاميع عسكرية غدت الان تتحرك بلا تنسيق ولا غطاء . معظم افرادها تركوا بنادقهم وعادوا الى منازلهم وقراهم .. والبقية في فم الموت !