قبل فترة قصيرة أقرت الأممالمتحدة اختيار مدينة تعز المحاصرة كنموذج للتدخل التنموي الشامل في اليمن، رغم محاولات كثيرة وعراقيل وضعت لإعاقة هذا القرار من قبل أطراف كثيرة ترى من مصلحتها أن تبقى تعز تحت الحصار. وبناءً على هذا القرار أقر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة فتح مكتب له في تعز وعين مديراً لهذا المكتب، وقبل أن يصل مدير المكتب إلى مقر عمله كان الفريق المسلح الذي يستكمل إجهاض هذه الخطوة يراقب ويرصد خطواته، وهو جهد لا يقوم به أفراد وإنما منظومة كبيرة لديها قدرة على الرصد والتتبع لزمن وخط سير الفريق الأممي وتجهيز من وقت مبكر. وفي الحادي والعشرين من يوليو الجاري وبينما كان رئيس فريق برنامج الغذاء العالمي "مؤيد حميدي" (أردني الجنسية) ينتهي من تناول الغداء في أحد مطاعم مدينة التربة (جنوب مدينة تعز) قدم مسلحون ملثمون على متن دراجة وأطلقوا 6 رصاصات غادرة أردته قتيلاً. جريمة الاغتيال التي حدثت في تعز واستهدفت إعاقة أي تدخلات إغاثية أممية في المدينة المحاصرة، شكلت فاجعة لدى كل أبناء المدينة ونخبها السياسية والاجتماعية، خاصة أنها تأتي بعد تحسن ملحوظ في الأمن بالمدينة وتوقف أعمال الاغتيالات وتراجع الاختلالات التي سادت خلال السنوات الأولى من تشكل الجهاز الأمني الوليد. وقوبلت الجريمة بإدانة محلية ودولية واسعة، وشدد رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي في الساعات الأولى للحادثة على ضرورة ملاحقة الجناة وإلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم، وأطلقت الأجهزة الأمنية حملة في منطقة شرجب المحاذية لموقع الجريمة في التربة، وتحركت بشكل سريع وفاعل لتعقب المنفذين ومتابعة تحركاتهم مستفيدة من كاميرات المراقبة التي التقطت صورهم قبل وأثناء وبعد العملية، وتكللت الحملة بإلقاء القبض على الجناة. وحسب بيان وزارة الداخلية الصادر، مساء الأحد، فإن عدد المضبوطين بلغ 21 متهماً إلى يوم أمس السبت وكان الناطق الرسمي لشرطة تعز، أسامة الشرعبي، قال ل "المصدر أونلاين" مساء السبت، إن شرطة تعز تمكنت من ضبط العنصر المنفذ لعملية استهداف "حميدي"، مضيفاً أنه "تم القبض على أكثر من 10 من العصابة الإجرامية التي ينتمي إليها منفذ الجريمة، فيما لا تزال الحملة تواصل ملاحقة كافة العناصر التخريبية". وأشار إلى أن "الحملة تحظى بإشراف ومتابعة من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، وهو على تواصل مستمر مع غرفة العمليات المشتركة التي تشرف على العملية". وقال مصدر عسكري في تعز، ل"المصدر أونلاين" إن المتهم الأول في القضية، "ينتمي لكتائب "أبو العباس" وهي قوة مدعومة من الإمارات، كانت تستقر في مدينة تعز قبل أن تخوض مواجهات مع الجيش والأمن في المدينة وتطرد إلى خارجها، وأبو العباس "عادل عبده فارع" مدرج في القائمة الأمريكية للإرهاب. واعتبر المحلل العسكري علي الذهب في تغريدة على تويتر، إعلان شرطة تعز ضبط متهمين "خطوة أمنية تعزز الثقة بأجهزة الأمن، وتدعم استمرار برنامج الغذاء في عمله الإنساني". على الطرف الآخر وقبل أن يتوقف صدى الطلقات التي استهدفت المسؤول الأممي كان هناك حفلة شماتة بحق تعز وتحريض ضد الأجهزة الأمنية والقوى السياسية التي يعتقدون أنها هي المتحكم بالمدينة، هذه الحفلة كانت ممولة على ما يبدو من عدة جهات لها أطماع في تعز، أبرزها ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. وحسب تعليقات ناشطين على مواقع التواصل، فإن الغرفة التي أدارت العملية وزودت العصابة المنفذة بالمعلومات وغطت تحركاتهم، هي ذاتها التي أعطت إشارة البدء لمغردين وكتبة، للهجوم على تعز كالعادة واعتبار هذا الحادث مناسبة للنيل منها ومن الأجهزة الأمنية والعسكرية التي حملت على عاتقها خلال السنوات الماضية حماية المدينة من هجمات مليشيات الحوثيين وحلفائهم. واستمرت هذه الحملة حتى بعد إعلان الجهات الأمنية القبض على الجناة، وقال الصحفي وديع عطا إن ما يثير الاستغراب رغم وضوح البيانات والتصريحات الصادرة من الجهات الرسمية، بخصوص هوية مرتكبي جريمة اغتيال مسؤول برنامج الغذاء العالمي، هو "الاتفاق بين مطابخ الإعلام الحوثية والجهات الممولة من الإمارات". وأضاف في حديث ل"المصدر أونلاين": "كأنهم اتفقوا جميعا لحرف بوصلة الجريمة والتشويش على دور جهاز الأمن"، في محاولة مكشوفة لإضعاف المهام الأمنية التي تصب في المصلحة العامة والكشف عمن يقف وراء الجريمة. وأكد أن "الجريمة تستهدف تعز، ولا تستهدف شخص المسؤول الأممي"، إذ أن تعز اليوم هي البوصلة الإنسانية وعنوان الفشل الإنساني للأمم المتحدة والمجتمع الدولي ويريد المجرمون بهذه الجريمة القول إن تعز غير آمنة وأن مناطق الشرعية عموما غير آمنة". وأشار إلى أن "هناك جهات تريد القول إنها البديل الجاهز لقوات الجيش والأمن التابع للشرعية في تعز"، الشرعية التي تستمد قوتها وعنفوانها من أبناء تعز، واستخدام ورقة الإرهاب لاختراق تعز أسلوب فاشل ومكشوف، حد قوله. من جانبه، قال طارق البنا ل"المصدر أونلاين" إن محاولات تشويه تعز، وتكدير أمنها واستقرارها، مهمة تتقاسمها أطراف عدة، حيث ظهرت وجوه منذ اللحظات الأولى، تحرض ضد تعز بعد مقتل الموظف الأممي. وأضاف: "طالت الحملة كل المدينة التي احتضنت مؤخرا عدداً كبيرا من مكاتب المنظمات التي غادرت المناطق غير الآمنة شمالا وجنوبا، واتجهت حيث التواجد الملموس للدولة" وأشار إلى أنه "رغم التهم على تعز كان الرد بتفاعل رسمي ومجتمعي واسع مع الجريمة" بالقبض على العصابة. ويبدو أن الدراجة والبندقية التي اغتالت المسؤول الأممي، هي امتداد لذات الدراجة وذات البندقية التي كانت تخوض حرباً موازية للحرب التي تدور في الجبهات، ولديها قائمة أهداف كبيرة شملت العشرات من الكوادر السياسية والشخصيات الاجتماعية والدعوية وشخصيات فاعلة في عدنوتعز ومدن أخرى واقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وكان هدفها إرباك الجبهة المواجهة لمليشيا الحوثي وإعادة ترتيب الساحة السياسية وفق ما تريده أطراف إقليمية تسعى لتمكين حلفائها، ووضعت هذا كواحد من أهداف الحرب في اليمن.