على مدى ثلاثة عقود ونصف، تميزت مسيرة التجمع اليمني للإصلاح بثبات مواقفه وصلابتها في الدفاع عن المكتسبات الوطنية، في مختلف المراحل والمنعطفات التي مرت بها البلاد. فقد انحاز الحزب بوضوح للجمهورية، ودافع عنها بقوة، وتمسك بالوحدة الوطنية، وحافظ على حضوره الفاعل في ساحة العمل السياسي. شعبيًا، لعب الإصلاح دورًا محوريًا في ترسيخ الوعي الجمهوري في كل المناطق التي تواجد فيها، وخاض معركة الوعي ضد مخلفات الإمامة الكهنوتية، ليصبح كل إصلاحي عنصرًا فاعلًا في مجتمعه، واعيًا بالأحداث الوطنية وموقعه منها.
وعلى امتداد 35 عامًا، ورغم الأزمات والحروب، ظل الإصلاح منحازًا للوطن، يدافع عن مكتسباته مهما كان الثمن. وفي فترات الاستقرار، نشط الحزب في ساحة العمل السياسي، مجددًا الاعتبار للدور الحزبي كوسيلة من وسائل الممارسة الديمقراطية التي جاءت بها ثورة 26 سبتمبر. كما عمل على بناء معارضة مسؤولة، ساعيًا نحو ترسيخ استقلالية مؤسسات الدولة، متحالفًا حينًا، ومنافسًا حينًا آخر، لكنه دائمًا ما احتكم للصندوق، مؤمنًا بأدوات العمل السياسي التي تُعيد للشعب حقه في اختيار من يحكمه، وتُجسد جوهر النظام الجمهوري.
مواقف وطنية بارزة
تأسس التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م، بعد أشهر قليلة من إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو من العام نفسه. وعلى الرغم من أن الاتفاق نصّ على مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر، إلا أنها امتدت لثلاث سنوات نتيجة الأجواء السياسية المشحونة بين شريكي الوحدة.
في هذا الواقع المعقد، ومن بين التحديات الكبيرة التي رافقت ميلاده، برز الإصلاح بموقف وطني واضح لا يقبل المساس بالمكتسبات الوطنية، وفي مقدمتها النظام الجمهوري، والوحدة، والديمقراطية، باعتبارها ثمرة كفاح وتضحيات الحركة الوطنية منذ أربعينيات القرن الماضي. وقد أكد الإصلاح منذ البداية أن هذه المكتسبات لا ينبغي أن تكون رهينة لصراعات القوى السياسية.
جسد الإصلاح مواقفه الوطنية بممارسات واضحة، حيث تنازل عن استحقاقه الذي أفرزته انتخابات 1993م حفاظًا على الوحدة، ورفض عودة التشطير خلال حرب 1994م، كما انسحب من الحكومة حينما رفض النظام معالجة آثار تلك الحرب، ليبدأ مسيرته في بناء معارضة سياسية عام 1997م استمرت لأربعة عشر عامًا، قدّم فيها نموذجًا ملهمًا في العمل السياسي المسؤول.
وقد تُوّج هذا المسار بانطلاق ثورة 11 فبراير 2011م، التي مثّلت امتدادًا طبيعيًا للنضال السلمي الذي تبنّاه الإصلاح في سبيل الحقوق والحريات. كان حضور التجمع اليمني للإصلاح في ثورة 11 فبراير 2011م عاملًا ضامنًا لانتهاج النهج السلمي، ومنع عسكرة الثورة، وتفويت الفرصة على من أرادوا جر البلاد نحو الاحتراب الداخلي. وقد اضطلع الإصلاح بدور فاعل في مسار الحوار السياسي الذي أفضى إلى توقيع اتفاق نقل السلطة، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وساهم الحزب في إنجاح الانتخابات التوافقية عام 2012م، والتي منحت الرئيس عبدربه منصور هادي الشرعية الشعبية لقيادة المرحلة الانتقالية.
وفي 2014م، عندما اجتاحت مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء وانقلبت على الدولة، كان الإصلاح الحزب الوحيد الذي أعلن موقفًا واضحًا وصريحًا ضد الانقلاب، وانخرط أعضاؤه في صفوف المقاومة الشعبية ضمن المعركة الوطنية لاستعادة الدولة.
منذ تلك اللحظة وحتى اليوم، ظل الإصلاح داعمًا للشرعية الدستورية، ومكوّنًا رئيسيًا في معركة اليمنيين ضد المشروع الانقلابي، مقدمًا تضحيات كبيرة. فقد تعرّض قادته وأعضاؤه للاستهداف والملاحقات والاعتقالات، كما نُهبت مقراته وممتلكاته، وارتقى العديد من قياداته وأعضائه شهداء في مواجهة مليشيا الحوثي الإرهابية.
الإصلاح.. جمهوري فكرًا وممارسة
الانتماء للجمهورية متجذر في وجدان الإصلاح، وممتد من إرث الحركة الوطنية التي ناضلت ضد الحكم الإمامي حتى قيام الجمهورية في 26 سبتمبر 1962م، واستمرت جهود الأحرار حتى تحققت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م. ومنذ تأسيسه، كانت مسيرة الإصلاح سلسلة متواصلة من النضال، ومواقفه راسخة في التمسك بالجمهورية والدفاع عنها.
دخل الإصلاح معترك الحياة السياسية بعد إعلان الوحدة مباشرة، وأصبح عنصرًا ضامنًا ومؤثرًا في الحفاظ عليها. كل نشاطه السياسي وتحركاته المجتمعية، بل وحتى مادته الثقافية، تنطلق من الفكر الجمهوري والانتماء الوطني.
خطابه الجماهيري، وتحالفاته السياسية، وتحركاته الميدانية، كانت تنبثق من مبادئ الثورة والجمهورية، تلك التي استعادت للشعب حقه في اختيار حاكمه، وألغت الامتيازات الطبقية، ورسّخت مبدأ المساواة، وأسّست للتعددية السياسية كأحد أعمدة النظام الجمهوري.
لم يكن للإصلاح يومًا موقف متذبذب تجاه الثوابت الوطنية. كان دائمًا واضحًا بجمهوريته، ثابتًا في دفاعه عن الثورة والجمهورية والديمقراطية والوحدة، مهما عظُمت التضحيات. والتاريخ يحتفظ بسجل ناصع من ارتباط الإصلاح العميق بالجمهورية، كما أن أدبياته الفكرية تمتلئ بقدسية الثورة اليمنية، وتجلّي من خلالها عظمة الأحرار ومجد ثورة سبتمبر. انطلق التجمع اليمني للإصلاح، في وثيقته السياسية العامة، من تمسكه الثابت بالنظام الجمهوري، ورفضه القاطع لأي شكل من أشكال الاستبداد أو التمييز السلالي. ويؤكد رئيس الهيئة العليا، الأستاذ محمد اليدومي، على هذا الموقف بقوله: "الجمهورية قدر اليمنيين وخيارهم المقدس، ولن يسمح شعبنا بعودة الكهنوت الإمامي تحت أي مسمى."
كما يشدد الأمين العام للإصلاح، الأستاذ عبدالوهاب الآنسي، على أن موقف الحزب من الجمهورية ليس مجرد انحياز سياسي، بل رؤية وطنية متجذرة، حيث يقول: "الجمهورية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي هوية وطنية جامعة أنهت التمييز السلالي والطبقي."
وفي توصيفه لتجربة الإصلاح السياسية ومواقفه الجمهورية، يقول القيادي في إصلاح مأرب، الأستاذ محمد عبدالرحمن اليوسفي: "عمل الإصلاح على امتداد الجغرافيا اليمنية في إطار الحق الدستوري للجمهورية. وخلال تجربته في المعارضة، قدم نموذجًا متقدمًا على مستوى دول الديمقراطيات الناشئة، نال إشادة إقليمية ودولية، وبرز حضوره بفعالية في المؤتمرات والفعاليات الخارجية، حيث لاقت رؤاه اهتمامًا واسعًا."
مواقف ثابتة وتضحيات فداء للوطن ظل التجمع اليمني للإصلاح ثابتًا في مواقفه الوطنية، جمهوريّ الفكر والممارسة، سواء في الفعل السياسي أو في التنشئة الحزبية أو في تحالفاته، التي يبنيها دائمًا على أساس من الالتزام بمكتسبات ثورة 26 سبتمبر ومبادئ النظام الجمهوري.
وفي كل المنعطفات التي شهدتها البلاد، كان الإصلاح من أوائل القوى السياسية التي حدّدت موقفها بوضوح، وتمسّكت به حتى النهاية. من انتخابات 1993م، مرورًا بحرب 1994م، وخلال المشاركة السياسية، ثم عند انطلاق الحراك السلمي وثورة 11 فبراير 2011م، ومؤتمر الحوار الوطني، وصولًا إلى رفض انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014م، بقي الإصلاح في صف الجمهورية بثبات ومسؤولية.
وفي هذا السياق، يقول القيادي في إصلاح مأرب، الأستاذ محمد عبدالرحمن اليوسفي: "موقف الإصلاح كان حاضرًا في اللحظات الفاصلة التي تعرض فيها النظام الجمهوري لخطر حقيقي. لم يتوارَ أو يصمت، بل كان أول من أعلن رفضه الصريح لانقلاب الحوثي، وتعرض جراء ذلك لحملة شعواء لا تزال مستمرة حتى اليوم. وكان سبّاقًا في الانخراط في صفوف المقاومة الشعبية، وبرزت قياداته وقواعده في تشكيل حائط الصد الأول الذي منع الانقلاب من السيطرة الكاملة على البلاد، مقدّمًا تضحيات جسيمة لا تزال تتواصل." ويؤكد اليوسفي، أن موقف الإصلاح من النظام الجمهوري لم يكن موقفًا مرحليًا، بل التزامًا مبدئيًا متجذرًا في فكر الحزب وتكوينه، قائلاً: "كان للإصلاح موقف ثابت من الجمهورية، باعتبارها نظامًا وطنيًا يسع الجميع، ومكتسبًا لا يمكن التنازل عنه. فالنظام الجمهوري هو ثمرة ثورة 26 سبتمبر، وهو أحد أهداف الإصلاح، بل يمثل هويتنا الوطنية التي لا يمكننا التخلي عنها". وتأكيدًا على اتساق مواقف الإصلاح مع التوجه الوطني العام، يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ثابت الأحمدي: "للتاريخ، لم نجد حزب الإصلاح يومًا خارج سياق التوجه الوطني، سواء الجمهوري أو الوحدوي، بل كان دائمًا في عمق الفعل الوطني الصحيح والسليم". ويضيف الأحمدي مشيدًا بتضحيات الحزب: "نقدّر عاليًا حجم التضحيات الكبيرة التي قدّمها، ويقدمها الإصلاح في أكثر من ميدان، وخاصة دماء شبابه وأبنائه التي سُفكت على كل سفح وتلٍّ وجبل في مختلف جبهات النضال دفاعًا عن الجمهورية والحرية والكرامة".
الإصلاح وترسيخ الوعي الجمهوري
منذ تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، برز أعضاؤه داخل مجتمعاتهم كأفرادٍ متشبعين بقيم الجمهورية، ممارسين للديمقراطية، ومعتنقين لمبدأ الوحدة. وعندما عادت الإمامة بوجهها الجديد المتمثل في مليشيا الحوثي، كان الإصلاحيون في طليعة المدافعين عن النظام الجمهوري، لم يتزحزحوا عن مواقفهم، ولم يعرفوا الانتكاسة.
الإصلاحيون، في الشمال والجنوب على حد سواء، ظلوا ثابتين على مبدأ الوحدة، لم يبدلوا قناعاتهم رغم المتغيرات، وفي المناطق المحررة التي ينتشر فيها الإصلاح، تجد للعمل السياسي والحزبي حضورًا فاعلًا رغم ظروف الحرب والتحديات.
عُرف الإصلاح برؤيته الوطنية الواضحة، سواء في نشاطه في الريف أو الحضر، في خطاب الحرب أو السلام، في حواراته الداخلية أو مع خصومه السياسيين، وحتى في نقاشاته التنظيمية. كانت الجمهورية دومًا محور نضاله الفكري والسياسي، فقاد الإصلاح معركة وعي شاملة ضد بقايا الكهنوت، وخاضها عبر منابره الإعلامية ومنتدياته الفكرية، لترسيخ مبادئ الجمهورية ودفن العنصرية الإمامية التي حاولت العودة عبر بوابة التعددية. وقدم المحلل السياسي الدكتور ثابت الأحمدي شهادة تاريخية حيّا فيها الدور التنويري والثقافي والإعلامي الذي اضطلعت به النخبة الشبابية داخل التجمع اليمني للإصلاح، إلى جانب الأدوار الفكرية التي قامت بها بقية الأحزاب والمستقلين. وأكد الأحمدي أن هذا الدور لا يقل أهمية عن الدور العسكري، باعتباره جبهة وعي توازي جبهات القتال.
تعتمد التنشئة السياسية في الإصلاح على ترسيخ الوعي بالممارسة الديمقراطية كأحد أسس النظام الجمهوري الذي جاءت به ثورة 26 سبتمبر. ومنذ تأسيسه، خاض الإصلاح معركة وعي شاملة، وقدّم نموذجًا في احترام القوانين والأنظمة، والالتزام بالدستور في كل منطقة تواجد فيها.
حرص الحزب على أن تكون المشاركة السياسية منضبطة تحت سقف الجمهورية اليمنية، وأن تكون موجهة نحو خدمة المواطن، بعيدًا عن الإقصاء والتخندق. لقد كانت الجمهورية والثوابت الوطنية والانحياز للوطن جوهر التنشئة الحزبية داخل الإصلاح، إيمانًا بأن الوطن يسع الجميع، وأن التنافس السياسي يجب أن يكون محكومًا بالمصلحة العامة.
الإصلاح.. تجربة تجاوزت الفعل الحزبي
منذ قيام الوحدة على أساس التعددية السياسية، ولد التجمع اليمني للإصلاح في ظرف حساس، حيث لم تكن الساحة السياسية مفتوحة للمنافسة الحقيقية، بل كانت مليئة بالألغام والتحديات التي تهدد الجمهورية والوحدة. كانت الحياة السياسية مشحونة، يتخندق فيها طرفان من رأس السلطة، جرا معهما مؤسسات الدولة لتخدم إرادتهما. في هذا الواقع، كانت التعددية مجرد ديكور، والتنافس محدودًا ضمن حدود ضيقة، والسلطة غير قابلة للمساس، وكانت صناديق الانتخابات موجهة لضمان أغلبية مريحة، وإلا رفضت.
واجه الإصلاح هذا المناخ السياسي الصعب، وأكد منذ البداية أن الدولة حق الشعب، وأن السلطة اختيار شعبي، والتداول السلمي عبر صناديق الاقتراع هو الطريق المشروع، مع رفضه إسقاط الدولة أو مؤسساتها التي هي ملك لكل اليمنيين. وشدد على ضرورة أن يبقى الجيش والأمن ضامنين للعمل السياسي وليس طرفًا فيه.
اليوم، وبعد 35 عامًا من النضال، يحق للإصلاح أن يفخر بكل لحظة في مسيرته، بكل موقف اتخذه، وبكل عضو انضم إليه. فالفخر ينبع من الإرث الوطني الراسخ الذي أسسه، حيث كانت الجمهورية بوصلته، والوعي مادته، والنضال السلمي طريقه. وحينما تهدد اليمن ومكتسباته، كان الإصلاح في طليعة من وقفوا حاسمين، ضامنين لثوابت الجمهورية التي ولدتها ثورة 26 سبتمبر 1962م.