منذ تأسيسه، خاض التجمع اليمني للإصلاح نضالًا سياسيًا مؤثرًا في الحياة السياسية، وتفرّد بتجربة سياسية ثرية، وله أدوار وطنية في الأزمات والمنعطفات التي عصفت بالبلاد خلال العقود الثلاثة والنصف الأخيرة من تاريخ اليمن. جاء إقرار التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة شرطًا لإعلان الوحدة في عام 1990م، وفي العام نفسه وُلِد التجمع اليمني للإصلاح ليخوض تجربة سياسية نضالية حقيقية، رافضًا أي انتقاص من المبادئ التي قامت عليها الوحدة. وفي ظل غياب مؤسسات الدولة الضامنة للممارسة الديمقراطية، برزت الأزمات والحروب، فانتهج الإصلاح خطًا سياسيًا واضحًا يعتمد على مساندة الدولة والحفاظ على المكتسبات الوطنية في الأزمات، والمنافسة وانتزاع الحقوق المشروعة في الفترات التي شهدت استقرارًا نسبيًا. وتحت مظلة الديمقراطية والتعددية، خاض الإصلاح جولات انتخابية تنافسية شديدة، ودفع إلى تحريك الشارع وحشد الجماهير ورفع وعي الشعب للتمسّك بحقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه الدستوري في اختيار من يحكمه. الإصلاح في سنواته الأولى نافس الإصلاح بقوة في انتخابات البرلمان 1993م، التي شهدت توترًا سياسيًا وأزمة بين شريكي الحكم آنذاك، فحصل على 63 مقعدًا برلمانيًا، في واحدة من أكثر الدورات الانتخابية نزاهةً التي شهدتها الجمهورية اليمنية منذ إعلان التعددية السياسية. بحسب شهادة الأستاذ يحيى العرشي، وزير الدولة الأسبق، خلال مقابلة له مع إحدى القنوات الفضائية اليمنية، فإن "انتخابات برلمان 1993م كانت أول وآخر انتخابات تنافسية حقيقية"، إذ انتزع الإصلاح الترتيب الثاني أمام حزبين قدما من السلطة ويمتلكان أدوات الدولة، وبقدر ما مثَّل ذلك ضمانًا لنزاهة الجولة الانتخابية، إلا أنه فجّر أزمة وحرب 1994م. في سنواته الأولى، عايش الإصلاح أزمة سياسية وانتخابات تنافسية قوية وحرب انفصال، لكنه أظهر نضجًا سياسيًا وانتماءً وطنيًا، ومنذ ذلك الحين أصبح لاعبًا رئيسيًا في التحولات السياسية، حاضرًا بمسؤولية في كل استحقاق وطني؛ من التعددية إلى الثورات والانقلابات. الجهد السياسي في بناء المعارضة انطلق الإصلاح إلى ميدان المعارضة بعد انتخابات 1997م، التي أفرزت أغلبية مريحة للحزب الحاكم في ظل مقاطعة الحزب الاشتراكي. وبرغم تقديم عرض من رأس النظام آنذاك بالمشاركة في الحكومة، إلا أن الإصلاح رفض، وفقًا للدكتور حزام الذيب، عضو الدائرة السياسية بالأمانة العامة. وأوضح الذيب في تصريحات خاصة ل"الإصلاح نت"، أن الإصلاح رفض حينها عرض مشاركته في الحكومة، وظل متمسكًا بمبدأ تداول السلطة عبر الصندوق، قائلًا: "شارك الإصلاح في الحكومة بموجب نتائج صندوق الانتخابات وخرج منها بموجب نتائج صندوق الانتخابات حتى يرسخ هذا المبدأ". في مربع المعارضة، عمل الإصلاح على ممارسة دور رقابي فاعل على السلطة من خلال نوابه ووسائله الإعلامية، ونسج تحالفات سياسية واسعة، منسجمًا مع دوره كحزب معارض قوي يحمي التعددية ويمنع الاستفراد بالسلطة، وشكّل حضوره الشعبي والسياسي ضمانةً لوجود معارضة حقيقية وفاعلة. وأكد الدكتور ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، في كلمته أمام المؤتمر العام الرابع للإصلاح في فبراير 2007م، أن وجود حزب الإصلاح يعد "إحدى الركائز المتينة لمستقبل التعددية السياسية والفكرية في اليمن". وشدد نعمان على أن أي حديث عن تعددية سياسية يظل ناقصًا من دون أحزاب قوية ذات خيارات وطنية واضحة، وهو ما يجعل الإصلاح وأنشطته وفعالياته محط اهتمام واسع لجماهير الشعب وقواه السياسية ونخبه الفكرية. إلى جانب دوره السياسي، حمل الإصلاح هموم الشعب وتبنى قضاياهم من خلال مؤسسات مدنية، أبرزها منظمة "هود" للحقوق والحريات برئاسة القيادي محمد ناجي علاو، التي دافعت عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، ومثَّلت ملاذًا ووجهةً لكل الذين تعرضوا لانتهاكات غير قانونية. كما حضر التجمع اليمني للإصلاح في النقابات العمالية والطلابية بشكل ملحوظ وفعال، مستحوذًا على مواقع قيادية مؤثرة، منها رئاسة العديد من النقابات وعضوية مجالسها التنفيذية. تجربة فريدة في التحالف السياسي خاض الإصلاح واحدةً من أنضج التجارب على المستوى الوطني والإقليمي، تمثلت في تحالفاته داخل إطار اللقاء المشترك، والتي هدفت لضمان عدم احتكار السلطة من قبل حزب واحد، وتشجيع الحوار السياسي السلمي بدلًا من الصراع والعنف. في السياق، يقول عضو الدائرة السياسية الدكتور حزام الذيب: "استطاع الإصلاح أن يتحالف مع القوى السياسية التي كانت تقف موقفًا سلبيًا منه، وعلى ضوء ذلك تشكل اللقاء المشترك، الذي ضمَّ كل الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار". ويضيف الذيب: "في انتخابات 2003، قدّم المشترك تنازلات متبادلة في الدوائر الانتخابية؛ فتنازل الاشتراكي والناصري وغيرهما للإصلاح في دوائر معينة، والإصلاح تنازل لهم في دوائر معينة، وهو تطور نوعي للمعارضة في تشكيل التكتل من أجل ترسيخ التجربة الديمقراطية". بدوره، أيّد الباحث السياسي مصطفى الجبزي هذا الطرح، قائلًا في تصريح خاص ل"الصحوة نت": "إن الإصلاح لعب دور الرافعة الرئيسية للمعارضة السياسية عبر تحالفاته ضمن اللقاء المشترك، والذي جمع قوى سياسية متباينة أيديولوجيًا لكنها التقت على برنامج إصلاح وطني مشترك". الدور السياسي في مواجهة الانقلاب مع انقلاب مليشيا الحوثي، تجاوز التجمع اليمني للإصلاح ساحات التنافس الحزبي والصراع على السلطة إلى جهد نضالي وطني، عبر الأدوات السياسية التي تتطلبها المرحلة، بهدف استعادة الدولة والحفاظ على المكتسبات الوطنية. في الشأن، أكد الباحث السياسي مصطفى الجبزي أن الإصلاح في ظل الانقلاب وما أعقبه من انهيار مؤسسات الدولة، تمسّك بالحكومة الشرعية بوصفها الإطار السياسي والإداري الذي يمثّل استمرار الدولة، وانخرط الحزب في المعركة الراهنة تحت شعار استعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على النظام الجمهوري. غير أنّ كلفة هذا الخيار كانت باهظة، إذ تعرّض الحزب، شأنه شأن المجتمع اليمني، للتشرّد والقمع والنفي في ظل الحرب. من جانبه، أوضح الدكتور حزام الذيب أن الإصلاح حرص على استمرار الحياة السياسية في ظل الحرب، وجمع المكونات السياسية في تحالف وطني، ثم تطوّر إلى تكتل وطني أُعلن عنه قبل عام، وذلك من أجل الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة الانقلاب الحوثي. وأكد الذيب أن الإصلاح، منذ الانقلاب إلى اليوم، قدّم خيرة رجاله وشبابه من أجل استعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على النظام الجمهوري والمكتسبات الوطنية، وهو موقف وطني مسؤول جعل الإصلاح محط إشادة وتقدير شعبي كبير. إعلام الإصلاح.. منبر تعبوي في مواجهة الانقلاب في خضم المعركة الوطنية، احتشد الإصلاح بكل طاقاته للحفاظ على ما تبقى من كيان الدولة، كما قام بدور تعبوي للرأي العام عبر مواقفه السياسية الواضحة وكشف المخاطر التي تهدد الثوابت الوطنية، ليظل بذلك حاضرًا في قلب المعركة الوطنية ضد الانقلاب الحوثي. وتحوّلت وسائل إعلام الإصلاح وناشطوه إلى منصة حشد وتعبئة وطنية للمعركة، وهو دور سياسي مسؤول أدّاه الحزب في أصعب المراحل التي واجهت الدولة، وأسهم في تعزيز وعي المجتمع بخطورة الانقلاب على مستقبل اليمن ونظامه الجمهوري. كما حرص الإصلاح على تجميد الخلافات السياسية وتوجيه أنشطته الإعلامية لتعزيز وحدة الصف، الأمر الذي انعكس بانخراطه المباشر في المقاومة الشعبية، مقدّمًا تضحيات كبيرة في سبيل الدفاع عن الجمهورية وترسيخ خطه الوطني الواضح في مواجهة المشروع الحوثي.