منذ تأسيسه في مطلع التسعينات، ارتبط التجمع اليمني للإصلاح بمسار متشابك بين السياسة والمجتمع، وبين التعددية والتحديات الوطنية، ليصبح نموذجًا فريدًا لحزب يرى في الديمقراطية أكثر من مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، بل فلسفة واستراتيجية مستمرة لإدارة العملية السياسية. وبمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للتأسيس، يركز هذا التحليل على ثلاثة من أبرز الاتهامات الموجهة للإصلاح: الإقصاء، استخدام العنف، وعدم الالتزام بالديمقراطية، وسيتم تناولها بهدوء وموضوعية، مستعرضًا مسار الحزب منذ التأسيس، ونهجه في الشراكة الوطنية، والنضال السلمي، والتزامه بالديمقراطية كاستراتيجية مستمرة، بهدف تقديم قراءة متوازنة وموثوقة لمسيرته السياسية.
الديمقراطية كتكتيك سياسي واستراتيجية مستمرة
لطالما واجه التجمع اليمني للإصلاح اتهامات متكررة بعدم الالتزام بالديمقراطية كمنهج سياسي للتداول السلمي للسلطة، وغالبًا ما استُخدمت هذه الاتهامات في سياقات سياسية ضاغطة أو كيدية، دون تقديم أدلة موضوعية. لكن مراجعة مسار الحزب منذ تأسيسه تكشف صورة مغايرة: الإصلاح تأسس في بيئة سياسية تعددية وديمقراطية منذ عام 1990، في أعقاب إعلان الوحدة اليمنية، ما منحه قاعدة صلبة لممارسة السياسة وفق أطر ديمقراطية واعية. لقد نشأ الإصلاح من رحم تجربة وطنية طويلة، امتدادًا لحركة الإصلاح اليمنية التاريخية، التي ارتبطت بأسماء بارزة مثل الإمام الشوكاني والمقبلي وابن الوزير، مع خبرة العديد من مؤسسيه الذين سبق لهم شغل مناصب قيادية قبل الوحدة، ما أكسبهم رؤية سياسية وإدارية متعمقة. هذا الانطلاق التاريخي والسياسي جعل الإصلاح مختلفًا عن كثير من الأحزاب الكبرى آنذاك، التي لم تكن قد صقلت مسارها في بيئة تعددية أو ديمقراطية. في الممارسة العملية، أرسى الإصلاح منذ بداياته تقاليد المعارضة السياسية، بدءًا من دعوته لمظاهرات شعبية عام 1991 رفضًا لبعض بنود دستور دولة الوحدة، وهو ما أسس لتقاليد سياسية جديدة كان يصعب تصورها سابقًا، وساهم في تعزيز مفهوم الديمقراطية والتعددية السياسية، مع تعريف الجماهير بمضامينها الأساسية. ومع أول انتخابات برلمانية في 27 أبريل 1993، شارك الإصلاح كحزب منافس على السلطة عبر الصندوق الانتخابي وليس بالقوة أو الإكراه. وقد حصل حينها على المرتبة الثانية بعد المؤتمر الشعبي، ما مكنه من الانخراط في تجربة ائتلاف ثلاثي مع المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي، مؤسسًا تقاليد التشارك والتنسيق البرلماني والحكومي، وعكست مشاركته احترامه للآليات الديمقراطية. وقد وصف الحزب مشاركته في الحكومة حينها بأنها "نتيجة طبيعية وضرورة موضوعية" بعد أن خاض أول انتخابات نيابية بشرف ونزاهة، ما يرسخ قاعدة احترام إرادة الناخبين وتعزيز العملية الديمقراطية. وبمرور الوقت، حرص الحزب على ترسيخ التداول السلمي للسلطة، وهو ما تجسد بخروجه من الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية لعام 1997، والتحول إلى حزب معارض، مع الحفاظ على دوره الرقابي تجاه السلطة الحاكمة. لم يكن هذا الخروج رفضًا للعملية السياسية، بل تعبيرًا عن التزام الإصلاح بالعملية الديمقراطية واحترام إرادة الناخبين، ورفض العودة إلى حكم فردي شمولي. سعى الإصلاح، وفق استراتيجية واعية، لتعزيز الديمقراطية تدريجيًا عبر الانخراط في حوارات مستمرة مع الأحزاب المعارضة الأخرى، بما في ذلك الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري وحزب البعث وحزب الحق، ضمن إطار "مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة"، ما ساهم في بناء شراكات سياسية مؤثرة وتعزيز مفهوم التعددية الحزبية في البلاد. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 1999، أعلن الإصلاح دعمه لعلي عبد الله صالح، ليس من باب الانحياز السياسي، بل للحفاظ على استمرارية العملية الديمقراطية ومنع انهيارها نتيجة مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى تراجع التعددية وإلغاء الأحزاب. كما حرص الحزب على اختيار دوائره الانتخابية بعناية في الانتخابات اللاحقة، متجنبًا إثارة الصراع مع الحزب الحاكم، مع تبني نهج تدريجي لترسيخ الديمقراطية، عبر نشر ثقافة المشاركة واحترام القانون، حتى تنضج التجربة الديمقراطية ويصبح الشعب الضامن الحقيقي لمكتسباته. وقد أثبتت التجارب الانتخابية، بما في ذلك الانتخابات المحلية في 20 فبراير 2001، أن الإصلاح كان القوة السياسية التي حافظت على الحد الأدنى من قواعد التنافس، ونجح في جذب فئات واسعة من المواطنين نحو المشاركة السياسية، رغم هيمنة الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة. وأكدت هذه التجربة أهمية دور الإصلاح في حماية العملية الديمقراطية، وتعزيز ثقافة التعددية والرقابة المدنية السلمية، مع الالتزام بالقوانين والدستور. عقب هذه الانتخابات، أعلن الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح، محمد اليدومي، وفاة التحالف الاستراتيجي بين حزبه والمؤتمر الشعبي الحاكم، ودعا إلى تشكيل تحالف للمعارضة مع أحزاب أخرى لتوسيع مساحة الحرية وتعزيز العملية الديمقراطية واحترام الدستور والقوانين، بما يشمل تصحيح جداول الناخبين وضمان حيادية المؤسسة العسكرية ووسائل الإعلام الحكومية. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003، تنازل الإصلاح عن بعض دوائره الانتخابية المضمونة لصالح حلفائه لتعزيز الديمقراطية، ثم ساهم في تأسيس أكبر تكتل سياسي معارض وصولًا لإعلان تحالف اللقاء المشترك، الذي مثّل تجربة سياسية فريدة في الوطن العربي. وفي الانتخابات الرئاسية عام 2006 أعلن الإصلاح ضمن تحالف اللقاء المشترك ترشيح المهندس فيصل بن شملان مرشحا للمعارضة لمنافسة صالح وألقى بثقله خلفه وشهدت البلاد انتخابات تنافسية غير مسبوقة أسفرت عن فوز صالح وقد قبلت العارضة النتائج رغم التشكيك في نزاهتها. وعبر كل مواقعه في السلطة والمعارضة، عمل الإصلاح على تعزيز الديمقراطية واحترام آلياتها، متنازلًا عن بعض حقوقه، ومستجيبًا للضغوط والإكراهات للحفاظ على استمراريتها كمكتسب وطني، بعيدًا عن العودة إلى زمن الهيمنة الأحادية والاستبدادية. ويؤكد الباحث السياسي د. عمر ردمان أن الإصلاح ساهم في تنمية الديمقراطية، مستشهدًا برفض الحزب عروض السلطة للمشاركة الوزارية بعد انتخابات البرلمان عام 1997، موضحًا أن موقف الحزب جاء لتكريس عملية التداول السلمي للسلطة، دون منّ أو استقواء بمواقفه وتضحياته السابقة. من جانبه، يشير الباحث عبدالله علي صبري في رسالته للماجستير (2013) إلى أن الإصلاح عمل على تعزيز الديمقراطية ليس مجرد ممارسة انتخابية، بل كنهج مؤسسي وثقافي، عبر تمكين الحزب داخليًا من آليات حوارية، واحترام الرأي الغالب، ومعالجة التيارات المحافظة داخليًا، وفتح المجال للتعاون مع الأحزاب الأخرى بما يعزز الشراكة السياسية والتعددية، ويرسخ التداول السلمي للسلطة كقاعدة وطنية راسخة. بهذا، يظهر الإصلاح كحزب سياسي ينظر إلى الديمقراطية ليس مجرد تكتيك للوصول إلى السلطة، بل كعملية مستمرة تستدعي التدرج، والانفتاح على المجتمع، والحوار مع مختلف القوى السياسية، مع الالتزام بالقيم الوطنية والمبادئ الإسلامية، بما يضمن حماية الدولة والمكتسبات الديمقراطية للمواطنين.
الإصلاح والشراكة الوطنية: تفنيد لاتهامات الإقصاء
من الاتهامات المكررة بأن الإصلاح حزب إقصائي يرفض الشراكة ويسعى لاحتكار القرار السياسي متى ما أتيحت له الفرصة. غير أن مراجعة مسار الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم تكشف أن هذه الاتهامات كثيرًا ما جاءت في سياقات سياسية ضاغطة أو دعائية، ولم تستند إلى وقائع موضوعية، خصوصًا إذا ما نظرنا إلى طبيعة التجربة السياسية اليمنية التي ظلّ الإصلاح فيها لاعبًا رئيسًا، لكنه لم يكن يومًا لاعبًا منفردًا.
منذ بداياته، لم ينظر الإصلاح إلى نفسه باعتباره ممثلًا وحيدًا لمشروع سياسي خاص، بل قدّم نفسه شريكًا يسعى للتكامل مع بقية القوى السياسية والاجتماعية، وقد تجلى ذلك في مشاركته بمختلف المراحل المفصلية، سواء خلال تجربة التعددية الحزبية الناشئة بعد الوحدة، أو أثناء الحوارات الوطنية، أو في لحظات الأزمات التي كانت تهدد بانهيار العملية السياسية. ففي كل مرة، كان الحزب يختار تقديم المصلحة العامة على حساب مصالحه الضيقة، ولو كان مؤمنًا بالاستحواذ لكان قد انسحب من العملية السياسية منذ وقت مبكر.
تظهر هذه الروح جليًا في أول انتخابات برلمانية عام 1993، فرغم أن الحزب حلّ في المركز الثاني، فقد تراجع عمدًا إلى المركز الثالث في ترتيب السلطة، وهو ما انعكس على حجم مقاعده الوزارية مقارنة بوزنه البرلماني. جاء ذلك في وقت كانت الخلافات بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي قد بلغت ذروتها، ورأى الإصلاح أن التضحية بجزء من مكاسبه أفضل من تعطيل العملية السياسية بالكامل.
ومع دخول اليمن مرحلة جديدة مطلع الألفية، تجسد هذا النهج مرة أخرى من خلال تأسيس تكتل اللقاء المشترك عام 2003، فقدّم الإصلاح تنازلات انتخابية واضحة، إذ تخلى عن دوائر مضمونة لصالح أحزاب صغيرة، بل حشد أنصاره للتصويت لمرشحي المشترك من خارج صفوفه، وخاصة في المناطق التي لم يكن لبعض الأحزاب وجود فيها. وفي انتخابات 2006 الرئاسية والمحلية، كرر الإصلاح الموقف نفسه، ليؤكد أن رهانه لم يكن على المكسب الضيق بل على استمرار العملية التعددية.
ثم جاءت ثورة 11 فبراير 2011 لتفتح صفحة أكثر حساسية في التاريخ اليمني، حيث انخرط الإصلاح في الثورة الشعبية، ودعم المبادرة الخليجية التي أفضت إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني. ورغم أن حجم جماهيره كان يؤهله للمطالبة بتمثيل واسع، فإنه لم يشترط أن تكون حصته متناسبة مع وزنه الشعبي أو البرلماني، بل شارك بفعالية في دعم الحكومة، محذرًا مبكرًا من مخاطر الانقلاب الحوثي، ثم مساندًا عملية "عاصفة الحزم" والتحالف مع الشرعية دفاعًا عن الدولة.
هذا السلوك يعكس بوضوح فلسفة الحزب في النظر إلى الشراكة باعتبارها شرطًا لبقاء الدولة، لا مجرد تكتيك سياسي. وفي هذا السياق، يقول أحمد حالة، القائم بأعمال رئيس الدائرة السياسية للإصلاح: "إن استعراض التاريخ السياسي للإصلاح يكشف أن رؤية الحزب للشراكة ليست طارئة، وإنما ممتدة منذ سنوات التأسيس الأولى، إذ تعامل مع بقية المكونات الوطنية باعتبارها شركاء في الحكم أو المعارضة. وفي الحالتين، تقوم العلاقة على قاعدة التشارك لا التفرد، وعلى إدراك أن خدمة القضايا الوطنية لا يمكن أن تتحقق عبر عقلية الاستحواذ، وإنما عبر عقلية الشراكة التي تمنح الجميع مكانًا في الطاولة السياسية".
ولم يقتصر هذا التقييم على الإصلاح نفسه، بل حتى بعض خصومه أقرّوا بدوره في تكريس مبدأ الشراكة، فقد قال صادق أمين أبو رأس، الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام، في المؤتمر العام الرابع للإصلاح (مارس 2009): "مسيرة العمل الوطني النضالي للإصلاح تجسدت بشراكة وطنية تجاوزت أطر المسئوليات التقليدية لإدارة دفة الدولة."
وفي السياق ذاته، أكد ياسين سعيد نعمان، رئيس اللقاء المشترك حينها: "حزب الإصلاح أسهم في إخراج الحياة السياسية من الجمود وأكسبها طابعًا حركيًا متفاعلاً. ووجود حزب مثل الإصلاح بمثل هذه الغايات الوطنية الكبيرة يعد إحدى الضمانات الأساسية، بل والركائز المتينة، لمستقبل التعددية السياسية والفكرية في اليمن."
إن هذه الشهادات القادمة من أطراف سياسية كانت في لحظة تاريخية على خلاف مباشر مع الإصلاح، تكشف أن الحزب لم يقدّم نفسه كقوة تسعى للاستفراد، بل كفاعل يسعى لإدارة التوازنات الوطنية، حتى وإن تطلب الأمر التنازل عن مصالحه الخاصة.
إن قراءة مسار الإصلاح منذ أكثر من ثلاثة عقود تكشف أنه تبنّى ما يمكن وصفه ب"فلسفة الشراكة الوطنية"، فهو لا يرى السياسة لعبة صفرية يربح فيها طرف ويخسر الآخر، بل عملية تكاملية تستوعب الجميع في سبيل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها. وفي الوقت الذي يرفعه خصومه كشعار اتهام، يرفعه الإصلاح كالتزام تاريخي وممارسة عملية.
لذلك، تبدو الاتهامات الموجهة له أقرب إلى خطاب خصومة سياسية منها إلى قراءة موضوعية، والواقع أن الإصلاح – برغم ما ارتكبه من أخطاء كغيره من الأحزاب – ظل يؤكد أن مستقبل اليمن لا يمكن أن يُبنى إلا على قاعدة شراكة واسعة تشمل كل القوى، بعيدًا عن منطق الإقصاء والاستحواذ.
الخلاصة أن حزب الإصلاح، رغم كل المآخذ، لا يمكن أن يُتهم بغياب الإيمان بالشراكة. فمساره الممتد منذ بداية التسعينات يشهد بأنه كان قوةً دافعة نحو التوافق، مدركًا أن البديل عن الشراكة هو الفراغ والفوضى. ولهذا فإن وصفه بأنه حزب إقصائي ليس سوى محاولة لتشويه صورة طرفٍ كان – وما يزال – يرى في الشراكة الطريق الوحيد لإنقاذ اليمن من التفكك والاحتراب.
الإصلاح ونهج النضال السلمي
من المفارقات أن يُتهم الإصلاح بإنه يستخدم العنف لتحقيق أهدافه السياسية، مع أن تجربته منذ التأسبس تفنّد ذلك تماما، فقد اختار الإصلاح منذ اللحظة الأولى الطريق السلمي، مؤمنًا بأن الالتزام بالدستور والقانون هو الأساس لبناء دولة تحترم التعايش الوطني. وقد أكد بيانه الأساسي في بنوده الأولى على أهمية الديمقراطية كآلية للتداول السلمي للسلطة، ورفض أي شكل من أشكال الاستبداد، مع الدعوة إلى الحوار كوسيلة للإقناع والتأثير، مؤكدًا أن النضال السلمي هو الوسيلة المشروعة لتحقيق مطالب المجتمع.
لم يكن هذا مجرد شعار نظري، بل تحول إلى ممارسة يومية ترافق مسيرة الحزب، ففي مؤتمره العام الثالث عام 2005، أعلن الإصلاح مشروع النضال السلمي تحت شعار: "النضال السلمي طريقنا لنيل الحقوق والحريات"، مشددًا على أن التغيير الحقيقي يبدأ من وعي الناس بحقوقهم واستعدادهم للدفاع عنها بأساليب سلمية ومدروسة، بعيدًا عن أي ممارسة عنف أو فوضى.
ومع انعقاد مؤتمره العام الرابع عام 2007، وسّع الحزب رؤيته حين رفع شعار: "النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل"، موجّهًا أعضائه وأنصاره ليكونوا المدافعين الأبرز عن الحقوق والحريات عبر الوسائل السلمية وحدها، مؤكدًا أن المشروعية الدستورية للسلطة مرهونة باحترامها للدستور والقانون.
وعند اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، التزم الإصلاح مع شركائه في تكتل اللقاء المشترك بخيار السلمية، ورفض الانجرار وراء العنف رغم الممارسات القمعية والانسداد السياسي، ورأى في المبادرة الخليجية لنقل السلطة سلمياً مخرجًا وطنيًا يحمي الدولة ويجنب البلاد ويلات الحرب الأهلية.
استمر الحزب – رغم الضغوط والتحديات الكبيرة – في التمسك بخطّه السلمي، سواء من خلال المشاركة في الانتخابات، أو الدعوة إلى الحوار الوطني، أو الانخراط في التحالفات السياسية لتوسيع دائرة الشراكة. وهكذا أصبح النضال السلمي أحد أبرز السمات الفكرية والسياسية التي تميز مسيرة الإصلاح، مما جعله قوة مؤثرة في الساحة اليمنية دون الانجرار إلى العنف أو الاستحواذ على السلطة. وينعكس فكر الإصلاح في رفض العنف، والإيمان بأن العمل الحزبي يجب أن يظل ضمن القانون والدستور، بعيدًا عن أي صراع مسلح. ويؤكد الباحث عبدالقوي حسان في رسالة الماجستير الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، تحت عنوان "الحركة الإسلامية في اليمن: دراسة في الفكر والممارسة" أن الإصلاح قد مر بتحولات متعددة، لكنه "لم يتورط بأية أعمال عنف تعاكس الدولة من جهة أو توقف في وجه المجتمع من جهة أخرى".
وفي اللحظة التي حاول فيها النظام السابق دفع الحزب نحو العنف لتبرير استهدافه وتمرير أهداف سياسية، بما في ذلك مشروع التوريث، ظل الإصلاح متمسكًا بخطاه واثقة نحو تعزيز المشروع الوطني وتعميق النضال السلمي بين أفراده، وهو برهان حي على ثبات هذا النهج في بنيته الفكرية والسياسية.
ختامًا، يظهر مسار التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه أنه لم يكن مجرد حزب سياسي يسعى للوصول إلى السلطة، بل كان تجربة متواصلة في ممارسة الديمقراطية والتعددية، وتعزيز الشراكة الوطنية، والنضال السلمي كمنهج ثابت.