بن بريك بين النزاهة ومستنقع السياسة: نصيحة من قلب بدوي شبواني    مركز عين الإنسانية يدين جريمة الجيش السعودي بحق المواطنين في صعدة    وزارة النفط: مرحلة سوداء صنعت الانهيار في الجنوب (وثيقة)    طائرة شباب القطن تحلق فوق سيئون وتتأهل إلى نهائي البطولة التنشيطية الثانية لأندية حضرموت الوادي والصحراء    اسبوع مجاني لمرضى السكري بصنعاء    طنين الأذن واضطرابات النوم.. حلقة مفرغة يكشفها العلم    انهيار داخلي يقترب.. تحقيقات ووثائق غربية تتوقع زوال إسرائيل خلال عقود    واشنطن تحذر الطيران المدني في أجواء فنزويلا    كاتب أمريكي: الهجمات الصاروخية اليمنية على منشآت بقيق كافية لعدم الوثوق بالإدارة الأمريكية    كم جنت أميركا من بيع مقاتلات إف-35 في العالم؟    إرث الزنداني والترابي.. عودة التكفير إلى الواجهة العربية    الترب :اليمن مع السلام ولا يمكن أن يكون لقمة سائغة في يد السعودي    تسوية بلا شركاء: الانتقالي يكشف تناقض القوى اليمنية    8 شهداء وجرحى بنيران العدو السعودي في منبه بصعدة    الأنثى المبدعة بين التقييم الجنساني والانتقاد الذكوري .. المظاهر، والنتائج، والآفاق    وحدة تريم يتأهل إلى نهائي البطولة التنشيطية للكرة الطائرة الثانية بوادي حضرموت    مونديال الناشئين قطر2025 .. ايطاليا إلى المربع الذهبي    الدكتور عبدالله العليمي يزور منتدى باصره الثقافي ويشيد بمسيرته العلمية والسياسية    «ليالي الفنون الخالدة» تعيد الغناء بالفصحى    علماء آثار يعثرون على حجر شعار نبلاء عائلة "توت" السويدية    اكتشاف تابوت روماني محفوظ منذ 1700 عام    متفوفا على مبابي وفينيسيوس.. "لامين" يحصد جائزة أفضل لاعب بإسبانيا    بترومسيلة تسلم قطاع نفطي في شبوة    صحيفة امريكية: أوكرانيا عدّلت "بند الفساد" في خطة واشنطن للتسوية    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    استهداف دورية عسكرية بعبوة ناسفة في شبوة    تحطم مقاتلة هندية خلال عرض جوي بمعرض دبي للطيران    ميزان الخصومة    أهم مفاتيح السعادة    مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز    اتحاد المنسوجات يعلن استعداده توفير الملابس المحلية بجودة اعلى ومنع المستورد    تغاريد حرة.. وحدي بلا رئيس    الأسعار في الجنوب ترتفع مجددًا رغم تحسن العملة وسط إجراءات حكومية لا تعكس واقع السوق    يمن شباب تدين لغة التحريض من سلطة تعز والنقابة تدعو لوقف الزج بالأجهزة الأمنية بقضايا نشر    النفط يتراجع للجلسة الثالثة.. ضغط أمريكي للسلام الروسي الأوكراني يهدد الإمدادات    الأصبحي: آلاف المرضى محرومون من العلاج بالخارج    الحياة تعود لميناء عدن: سفينة ثانية ترسو في ميناء المعلا    بطولة كأس العرب 2025.. الموعد والمكان والمشاركين    كم سيربح؟.. مقابلة ترامب تعزز ثروة كريستيانو رونالدو    ضبط قاتل بائع السمك في مدينة البيضاء    مينديش يعود لpsg الفرنسي    عن وزارة الاعلام والوزير التويتري وإرث وطن    إحباط عملية تهريب مخدّرات وإيقاف المتورطين في منفذ الوديعة    قراءة تحليلية لنص "هروب وعودة" ل" أحمد سيف حاشد"    الاتحاد اليمني لكرة القدم يصدر تعميمًا تنظيميًا شاملًا يحدد ضوابط ومواعيد مسابقات الدوري بدرجاته الثلاث    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة القانون والدولة السلطانية !
نشر في يمن فويس يوم 05 - 07 - 2012


مصطفى راجح
أهم سمة للسلطنات الفردية التي ميزت النظام السياسي العربي الذي وصل إلى طريق مسدود مع ثورات الربيع العربي في 2011 هي سمة غياب الدولة أو تماهي الحاكم مع الدولة واعتبار إرادته هي العليا فوق الدولة والدستور والقانون .
بعض البلدان مثل اليمن لم تعرف ابتداء مؤسسة الدولة بشكلها الحديث وما كان موجوداً هو بعض الأساليب الإمامية في الادارة ممزوجة مع بعض القوانين والتقاليد والمباني التي خلفها الأتراك في الشمال والانجليز في الجنوب ، وسهل هذا الضعف في بنية الدولة وعدم رسوخ تقاليدها لا في الوعي المجتمعي ولا في تقاليد الحكم ، سهل ذلك من مهمة الاستيلاء عليها من قبل علي صالح وعائلته ، المشروع الذي اكتملت ملامحه عقب حرب 94 ، وتخلي صالح حتى عن تحالفاته الأفقية على مستوى القبيلة وجماعة الاخوان في طريقة نحو اختزال سلطته كلها في الدائرة العائلية الضيقة.
في مصر يختلف الحال كثيراً فقد كانت الدولة موجودة من قبل ثورة يوليو وجاءت السلطة البوليسية والتي تحولت إلى فرد مستبد وتوريث للابن ، جاءت بالطور السلطاني للحاكم لتقلص استقلالية الدولة عن سلطة الأفراد القائمين عليها في لحظة معينة ، ولأن الدولة عريقة هناك فقد واجهت الإرادة السلطانية الفردية لمبارك صعوبات حالت دون الالغاء الكامل لاستقلالية المؤسستين العسكرية والقضائية ، وإن توارتا في حالة من الكمون وعدم الفاعلية ، وحين دفعت الثورة بالتغيير إلى ميدان التحرير خرجت المؤسسة العسكرية من كمونها وسلكت طريق الشعب لا طريق الامتثال لإرادة من يعتقد أنه صاحب السلطة وفوق الدولة ومالك البلد.
الآن ومع إزاحة الإرادة الفردية السلطانية في مصر وتونس وليبيا ، وتجنيبها في اليمن خارج السلطة على الاقل نظرياً بانتظار استكمال إزاحتها ، تبرز الحاجة التاريخية لبناء الدولة الوطنية المدنية ، الدولة التي يتساوى أمامها المواطنون في الحقوق والواجبات بمعزل عن انتماءاتهم ومعتقداتهم ومناطق مولدهم وقبائلهم .
والبداية تكون من صياغة العقد الاجتماعي الجديد المعبر فعلاً عن إرادة كل مكونات المجتمع وفئاته والمعبر عن مصالحهم وإجماعاتهم بخصوص شكل الدولة وضمان الرقابة المركبة على أداء السلطات وتوازنها واستقلاليتها عن بعض ، والأهم من ذلك كله ضمان تفتيت سلطات الرئاسة وإعادة توزيعها وتحديد آلية ممارستها ، فمن داخل قصور الرئاسة السلطانية ، والرئيس الذي لا يختلف عن السلطان المطلق الصلاحيات ، وهي السمة التي سادت في العقود الماضية كطابع للنظام السياسي العربي ، من داخل هذه القلاع السلطانية وفي ردهاتها نسجت البرامج التدميرية للشعوب العربية وخطط لسلبها إرادتها والعبث بحاضرها ومستقبلها.
وفي كل الجمهوريات الوراثية تعامل السلاطين الجمهوريون باستخفاف يصل إلى مستوى الاحتقار مع الدستور ؛ الذي يفترض أن يكون العقد الاجتماعي الملزم للجميع وأن تعلو أحكامه ومقتضياته على إرادة الحكام ونزواتهم ومشاريعهم لاختطاف السلطة وتأبيدها في الفرد وسلالته.
في اليمن قذف بدستور دولة الوحدة عرض الحائط وترجم المنتصرون في حرب 94 المشؤومة هيمنتهم في التعديلات الدستورية التي عبرت عن شبق الاستئثار بالسلطة ، وتبعتها تعديلات متواترة مع كل خطوة عملية يقطعها السلطان ونظامه لإنفاذ سيطرتهم على ارض الواقع ، حتى تجاوزت خلال عشر سنوات مافعله الآخرون بدستورهم خلال مئات السنوات ، وبدا الدستور في نهاية المطاف مرقعاً مهلهلاً ومعبراً عن إرادة المستبد السائد ومزاجه ومصلحته الفردية العائلية أكثر من تعبيره عن ارادة الشعب ومكوناته وفئاته ومصالحه.
وفي سوريا عدّل الدستور بصورة مستعجلة خلال ساعات عقب وفاة السلطان الأب ، وكان غرض التعديل قصقصة مادة السن القانونية للرئيس لكي تكون مفصلة و«لابقة» على الطبيب الذي استدعي على عجل ليرث ملك أبيه ؛ بلداً وشعباً.
تبدو الفرصة التاريخية سانحة لمحاولة بناء الدولة ابتداء في البلدان العربية ، وهي مهمة ربما تستغرق خمس سنوات بدأت بالربيع العربي 2011 وستتضح الرؤية عن المرفأ النهائي لعاصفة الشعوب العربية بعد انزياح الأسد واستكمال الموجتين الثالثة والرابعة لتشمل المغرب العربي وممالك الخليج التي سيكون لها شكل الاحتجاج والتغيير الخاص بها والمعبر عن العوامل الموضوعية المتحكمة بوجودها.
الفرق بين دولة قانون ودولة يسيرها مزاج الحاكم السلطان ومزاجه ، هو الفرق بين رئيس يخضع للرقابة والمحاسبة والمساءلة ويصعد للحكم ابتداء بالاختيار الحر للشعب ، ورئيس يغتصب السلطة ويعمل بمقولة لويس السادس عشر " أنا الدولة والدولة أنا» ويختطف البلد ويصبح استرجاعها من بين يديه ومخالبه مهمة شاقة ومتعبة ومكلفة ، تماماً كحال طائرة مختطفة بركابها من قبل إرهابي مجنون ومفخخ ويهدد المركبة بمن فيها ، وما الدماء التي سالت من طرابلس إلى صنعاء ، ودمشق التي لا زالت غارقة فيها إلا ملمح من ملامح هذا الثمن الفادح للتحرر من الديكتاتورية وسلاطين العصر الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.