بين عشية وضحاها، تحقق الحلم الفلسطيني المنتظر منذ أكثر من سبعة سنوات، وتفاجأ الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ب "اتفاق الشاطئ" الذي جاء سريعا ومفاجئا والذي أنهى الانقسام الفلسطيني، ولكن ما زال الشعب وكأنه يعيش حلم، حتى انه لم يحتفل بهذا الاتفاق كما تعود في إظهار فرحه الغامر بمثل هذه المناسبة واقل منها في الأهمية. كيف ينظر الفلسطينيون لاتفاق المصالحة؟ وكيف سيحفظ الامن بغزة ؟ وما الذي دفع الاطراف "فنح وحماس" الى انجاز المصالحة؟ وكيف سيستطيع ابومازن ادارة الحكومة في ظل المتغيرات والمتناقضات المحلية الدولية؟ وكيف ستعودان حركتي فتح وحماس للعمل معا بعد المناكفات التي شهدتها الحركتين على مدار ثماني سنوات؟ وهل فعلا ستتم المصالحة فعليا؟. "دنيا الوطن" طرحت اسئلة تدور في ذهن كل مواطن فلسطيني سيطر عليه اليأس بعد فقدان الامل بين حركتي فتح وحماس في اتمام المصالحة خصوصا بعدة عدة جولات في دول عربية وافريقية ووفود قادمة الى غزة على الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون الاقليمية والقضية الفلسطينية الاستاذ فهمي شراب. وحول النظرة الفلسطينية للمصالحة وعدم الثقة بجدية الاتفاق أوضح الباحث المختص في الشؤون الاقليمية والفلسطينية الاستاذ فهمي شراب أن الشعب الفلسطيني آخر من له تأثير على قياداته، مشيرا الى ان الشعب الفلسطيني لم يمارس وفق هيئات منظمة ومؤسسات قوية واتحادات ضاغطة او جماعات ولوبيات أي ضغط مؤثر يذكر على القيادات، وذلك إما للخشية من ردة الفعل الحكومة في غزة، او فقدان مصالح شخصية هامة عند الحديث عن الضفة. وأضاف ل"دنيا الوطن" أن هناك مشككين وأيضا متربصين يطلقون أوصاف تنال من مفهوم المصالحة الفلسطينية مثل (صفقة، تقاسم وظيفي، توزيع ادوار، تنازل، مسرحية، الخ...) ولا يدركون بان الفائدة العائدة والمرجوة على فتح وحماس والقاعدة الشعبية الساحقة اكبر، واكثر بكثير من بقاء الحال على ما هو عليه من انقسام. وعن التغيير الذي من الممكن ان يطرأ على الوضع الامني اكد "شراب" على انه بالنسبة لقطاع غزة، فمن غير المتوقع أن يطرأ كثير من التغيرات على المنظومة الأمنية ، مشيرا الى ان هناك شبه توافق على ما تحقق كأمر واقع ، حيث شهدت حركة فتح على مدى نجاح أجهزة حماس الأمنية على تحقيق قدر كبير من الاستقرار والضبط، الغير مسبوق في القطاع. وبالاشارة الى دوافع الطرفين للمصالحة نوه الى ان هناك ظروف دولية وإقليمية ومحلية ساهمت في إنضاج فكر المصالحة ,مشيرا الى انه يمكن القول بداية أنني شخصيا كانت تساورني أفكارا بان هناك قناعة تشكلت على هيئة سلوك او سياسة خارجية، بدأت ملامحها تتضح اكثر فاكثر منذ صرح عدلي منصور الرئيس المؤقت لمصر في اجتماع قمة الكويت بضرورة رفع الحصار عن غزة، وكان هذا أمرا ملفتا حقا ولاقى استغراب فلسطيني شعبي كبير، مرورا بالاشتباك الحاصل بين طرفي الاتجاه الواحد في حركة فتح، وعدم مهاجمة دحلان وابو مازن أثناء اشتباكهم لحركة حماس بنفس القسوة والوتيرة التي كانت سائدة قبل اشهر قليلة، وخروج ايضا شخصيات مصرية من كبار المفكرين المصريين تقول بان غزة تعتبر ركن اساسي من الامن القومي المصري ويجب بناء علاقات طبيعية معها مهما كان النظام الذي يحكمها، وتسريبات وثائق مصرية من المخابرات او الاستخبارات تثبت بان حماس غير متورطة في أعمال عنف في مصر وسيناء. واضاف: اختمرت الفكرة عندما صرح د. صائب عريقات بان " حركة حماس حركة وطنية وليست ارهابية" مضيفا: وزاد بان هذا كلام ابو مازن ,كل ذلك مقرونا ببعض التسهيلات على معبر رفح، ومقالات الدكتور احمد يوسف التي لاقت استحسانا كبيرا في الاوساط الفتحاوية،، كان لا بد على اي واحد يعمل في حقل السياسة ان يلتقط كل تلك المؤشرات والاشارات ليخرج بنتيجة مفادها؛ "ان هناك تفاهم قد تم صياغته بحضور الطرف المصري مع حماس وفتح". بعيدا عن الاعين والكاميرات. وعن الظروف التي أنضجت القيادات اوجزها الاستاذ شراب في التالي: السلطة الفلسطينية: وصلت الى مستويات غير مسبوقة من تآكل الشرعية مع فشل المفاوضات. وأبو مازن يحارب بيد واحدة فقط، اي يفاوض ويتهمه الأمريكان والإسرائيليون بأنه لا يملك السيطرة على غزة وهي نقطة ضعف كبيرة بالنسبة له. ويدعون بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، إضافة إلى ضغوطات الاتحاد الأوروبي بتقاريره الدورية التي تؤكد بان الاتحاد الأوروبي لن يظل مضطرا لتغطية فاتورة الموظفين المستنكفين الذين لا يقدمون أي خدمة. وانتم تعلمون بان الاتحاد الأوروبي اكبر جهة مانحة للشعب الفلسطيني. وبالنسبة لحماس: ان الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة قد ضاق ذرعا بالظروف التي يعشها من بطالة وقلة فرص عمل في الداخل والخارج، وإقفال للمعابر وارتفاع الأسعار بسبب الحصار، والعنصر الشعبي والرأي العام يعتبر هام وقد اخذ مؤشرات حادة في الفترة الأخيرة. واوضح ان الأزمة المالية التي نتجت عن سقوط الإخوان لعبت دورا كبيرا، منوها الى ان الجيش المصري قام بهدم الأنفاق بنسبة اكبر من 90% ، ووصلت الأزمة إلى تقليص الكميات الممنوحة للحكومة وخدماتها ووزاراتها، إضافة إلى ارتفاع جنوني في أسعار البترول ومشتقاته، أيضا عدم وجود فرصة قريبة لعودة الإخوان في مصر يدفع حماس إلى المهادنة أو " استراحة مقاتل"، وأيضا صدمة اعتبار الإخوان حركة إرهابية اثر على تفكير حماس، اختلاف الدول الخليجية وتباين موقفها ووقوفها ضد الإخوان، وممارسة دور ضاغط على قطر الداعمة للإخوان وحماس اثر بشكل كبير على تسريع المصالحة. وحول التوازن المحلي والاقليمي الذي سيلعبه ابو مازن في ادارته للحكومة أكد شراب على ان هذه فرصة تاريخية قلما يجود الزمان بمثلها، مشيرا: لاول مرة في تاريخ حكم ابو مازن تتهيئ له سبل وامكانات القوة بهذا التوحد الفريد الذي يضم لاول مرة تيار الاسلام السياسي، وهو يعتبر كقوة التيربو الاضافية،- ربما لم تتوفر للراحل الشهيد ياسر عرفات- وهذا التحالف لا يجب ان يُفهم على انه ورقة اضافية في يد ابو مازن، ولكنه تفاهم يكشف عن العقلانية مؤسسة على اعتراف كل طرف بالاخر وبقوته وبحضوره. واشار الى ان فتح ستكون طوق نجاة للخروج من مأزق العزلة والحصار وماكينة التآمر، وحماس باتت قريبة من شطب اسمها من قوائم الإرهاب، لذا، على حماس ان تصبر على ابو مازن وتعطيه فرصة، ولتختبره على اقل الإيمان، والسؤال هنا، هل سيكون ابو مازن جدي في تسويق حكومة تشمل على حماس؟ هذا ما يجب ان تركز عليه حماس الان. وأيضا، على ابو مازن ان يحسن السير وان يرفع سقف مطالبه مع الاسرائيليين ومن الجانب الامريكي، وان لا ينسى بان حماس شريك لا خصم، وان تصاغ السياسة الخارجية الفلسطينية بالتشاور دوما. وسيكون انجازا يحسب له لو استطاع ان يُدخل كطرف دولي القطب "الروسي" الصاعد، لان أمريكا هي الوجه الآخر لإسرائيل في الصراع العربي الاسرائيلي، وحتى لو طالبنا من كل العالم بان يدعمنا لنستبدل امريكا كوسيط باي وسيط اخر، فان ذلك اشبه بمحاولة تحرر اخرى من احتلال. واضاف: ان ابو مازن حصل على رصيد شعبي وكسب حركة حماس التي توقفت وسائل اعلامها وحكومتها عن اي تصعيد تجاهه, وعليه، فان المتوقع مع ردود الفعل الاسرائيلية التي رصدناها ان لا تسير المفاوضات ايضا بشكل مرض للطرف الفلسطيني على المدى القصير، اذا ما استمرت اسرائيل بسياسة القامة المنتصبة التي لا تنحني لاحد اي لاي ظروف، والتي اصطدمت قبل اسابيع بدول اوروبا بعد سياسة المقاطعة الاورورية لاسرائيل، والتي دخلت في توتر كبير مع تركيا كانت اسرائيل الطرف الخاسر، فكل ذلك اثر كثيرا على صورتها وشرعيتها الدولية التي بدأت في التآكل. ولكن التعنت الاسرائيلي سوف يلقي باثار ايجابية على المدى البعيد لانه سيكشف اكثر اسرائيل ويعريها امام المجتمع الدولي الذي بدأ قاعدته الشعبية تتحرك اكثر وبدأ برلماناته يكون لها مواقف اكثر قربا من الطرف الفلسطيني. وتابع: لا احد يتنبأ بدقة القادم، ولكن المؤكد ان الكل سيدعم ابو مازن في مساره الجديد. ولكن من المفيد دون استحضار فكر نظرية المؤامرة أن ندفع المصالحة إلى الأمام، فقد هبت رياح المصالحة... فلنغتنمها. وأتوقع سير آليات المصالحة بشكل جدي. وهذا ما ستثبته الأيام القليلة المتبقية على إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي لا اختلاف حولها ولا توجد أي عراقيل حول اختيار أسماء وزرائها حسب الاتفاق. وعن الدور المطلوب من حركتي فتح وحماس فور الاعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني اكد شراب على انها ستكون هذه الحكومة ذات طابع خدماتي اكثر، حيث انها حكومة تكنوقراط، وفي هذه الفترة القادمة يجب أن نوجه فوهات سلاحنا الإعلامي ونشحذ جهودنا الإعلامية تجاه التجاوزات الإسرائيلية والخروقات، وان نسلط الضوء على ممارسات الاحتلال الذي يغتصب فيها أراض فلسطينية جديدة كل يوم ويتم تهويد المقدسات، وطرد أهالينا في الضفة الغربية واعتقالهم، إضافة إلى التحضير لتقديم الشكاوى ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام المنظمات ال (15) التي انضمت لها السلطة الفلسطينية كدولة غير عضو، لها كامل الحقوق في تلك المنظمات. فهناك الكثير لنفعله ضمن نظام سياسي واحد، وخاصة مع أولى خطوات تلك الحكومة. يذكر ان القيادة الفلسطينية استدرك الخطر المحدق بالوطن الفلسطيني وعلمت بما يخفيه "الدولاب" الاسرائيلي من سيناريوهات كان من المتوقع ان تباشر بها اسرائيل حيال فشل المفاوضات ,الامر الذي تنبهت له القيادة الفلسطينية وانجزت اتفاق المصالحة وقطعت الطريق على الجانب الاسرائيلي ووضعته في حالة تخبط سياسي بعد ان القت الكرة في ملعبه.