يشكل ضعف وتهاون إدارات التربية وغياب متابعتها لأوضاع المدارس، وافتقار المدارس للأخصائيين الاجتماعيين المؤهلين والمقتدرين على معالجة مشاكل التلاميذ والتلميذات سببا رئيسا لانتهاج الإدارة المدرسية الفاشلة وبعض المعلمين الضعفاء أسلوب العقوبة الجسدية المؤلمة، أو اللفظية المهينة لكرامة تلاميذ وتلميذات المدارس الأساسية، واحيانا يصل الى طلاب وطالبات الثانوية، بذريعة تقويم سلوكياتهم وضبط تصرفاتهم، أو معالجة ضعف تحصيلهم العلمي. هذا الأسلوب المتخلف يعتمد أساسا على عقوبة جسدية مؤلمة أو مهينة للكرامة لا صلة لها بتقويم السلوك، أو معالجة ضعف التحصيل، وإنما انتهاك مشين للحق الإنساني الأطفال في التعلم في بيئة مدرسية آمنة وخالية من كل أشكال العنف الجسدي واللفظي التي تشدد عليها مبادئ المدرسة الصديقة للطفل. كما يعد هذا الأسلوب (ألا تربوي) خرق فاضح للعهود والاتفاقات والإعلانات الدولية التي تشدد على أهمية ومكانة التعليم، واحترام الكرامة الإنسانية للطفل في المدرسة، واعتبارها من أهم حقوق الإنسان. فقد فصل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأممالمتحدة في 16 سبتمبر 1966م مهام التعليم باعتباره الحلقة الرئيسة في قاعدة ارتكاز التنمية في جميع مجالات الحياة، إذ أوردت المادة (13 ف1) منه:( تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها)). بينما شدد الإعلان العالمي بشان (اتفاقية حقوق الطفل) على حماية الأطفال في المدارس من العنف، وحظر العقوبة العنيفة والمعاملة القاسية. فنصت الفقرة (2)من المادة( 28 ) بشأن حق التعليم على:( تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتماشى مع كرامة الطفل الإنسانية...). رغم منافاة هذا الأسلوب البدائي لرسالة التربية واللائحة المدرسية، ورغم مناهضته لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأممالمتحدة في 20 نوفمبر 89م ،التي تحظر استخدام العنف والمعاملة القاسية ضد الأطفال، وخرقه القانون الوطني (قانون حقوق الطفل) رقم ( 45) الصادر في 19 نوفمبر 2002م ، لا يزال مديرو مدارس ومعلمون يستخدمون أسلوب الضرب بالعصا بصورة ممنهجة ولا سيما في الريف، ويعدونه أسلوبا ناجعا في التربية، بل ومنهم من يعتقد انه الأسلوب الوحيد والأمثل. فضمن نشر ثقافة حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات وتقديم المساعدة القانونية التي نفذها مركز حقوق الأنسان كشف فريق مختص برصد حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إن التأديب والتقويم المتبع بحق التلاميذ والتلميذات في غالبية مدارس التعليم النظامي يعتمد على أشكال العقاب الجسدي والتعنيف اللفظي الحاط بكرامة الأطفال. سلوك همجي كهذا يطال التلاميذ والتلميذات ما تجاسر فاعلوه على ممارسته لولا غباؤهم وجهلهم بخطره وأضراره بنفسيات الأطفال حاضرا ومستقبلا. بل أن هكذا أسلوب عنيف وعقوبة قاسية، سواء كانت جسدية أم لفظية لا تضر بالصحة الجسدية والنفسية للتلاميذ والتلميذات فقط، وإنما يجعل البيئة التعليمية بيئة غير آمنة وغير صالحة للتعليم. يذهب أطفالنا إلى المدرسة بفرحة البراءة والشوق المفعم بالحب للتعلم، لكن هذه المشاعر سرعان ما تتبدد من نفوسهم في معظم مدارسنا ،التي تحول اغلبها الى ميدان للعنف بشتى صوره ومظاهره. فالكتاب المدرسي المثقل بالحشو والتكثيف المرهق أضحى عنفا يثقل عقل التلميذ لا وسيلة لتنميته. وطرق وأساليب التعليم الكلاسيكية التي تعتمد على التلقين وأوامر الحفظ التي لا يجيد كثير من المعلمين سواها تشكل عنفا مرهقا. وثمة عنف ثالث ينتجه إهمال الإدارة المدرسية لأنشطة الترفيه الجاذبة للطفل إلى مدرسته. أما عنف ازدحام التلاميذ داخل الصفوف فأشد قسوة. بيد إن هذه المظاهر العنفية قد يلتمس لها أعذارا ومبررات، لكن من المستحيل تبرير تفشي ظاهرة ابشع أشكال العنف والتعذيب الجسدي والنفسي الذي يمارسه ضد أطفالنا في المدارس اغلب الجهلاء ممن يتربعون الإدارات المدرسية، وبعض المعلمين غير السويين ومن يعانون من عقدة النقص. إذ لا تكاد تخلو مكاتب الإدارة المدرسية من أنواع وأحجام العصي، وكثيرا من المعلمين وخاصة من يفتقدون الإلمام للمادة الدراسية، لأساليب التربية يستخدمون العصا ومختلف أدوات العقاب الجسدي، وهم يدرون أو لا يدرون إن (الجلد) لا يمت بصلة لا للتربية ولا للتعليم. بل أسلوب همجي بدائي عفى عليه الزمن، إلا أنهم يتلذذون بجلد الأطفال، إما لإخفاء ضعف إلمامهم بالمادة. وإما لتخلفهم وجهلهم بالأساليب التربوية الحديثة. ولا يتورع صنف منهم عن المحاججة بحجج دينية متطرفة، أو مقولات شعبية ساذجة، يتوهمون إنها تشرعن لسلوكهم السادي في تعذيب أطفال في عمر الزهور، دون تمييز بين ذكر وأنثى، أو بين فئة عمرية وأخرى. هذا الصنف من (الجلادين) لا يتورع عن ممارسة الجلد حتى ضد تلاميذ الصف الأول دون مراعاة لسنهم أو استجدادهم على المدرسة، وهو ما يولد في نفوسهم انطباعا سيئا عن المدرسة. الأشد بشاعة مشهد مسئول المدرسة أو المعلم المكلف بطابور الصباح حينما ينتصب (شاهرا عصاه) في وجوه من يسميهم (الغياب)، أو يعترض من يصفهم ب(المتأخرين) عن الطابور، فيسألهم عن أسباب غيابهم أو تأخرهم، وكانه ضابط تحقيق جنائي فشل في الوصول الى اعتراف متهم، فلجأ الى أساليب التعذيب لينتزع منه قسرا اعترافات غير حقيقية ولا يعتد بها أمام القاضي . لا يقف العصا عند جلد مواضع معينة من جسد التلميذ بل يتمادى الجلادون إلى أنحاء كثيرة وحساسة من الجسد. ولا يتورع بعضهم عن إهانة التلميذ أو التلميذة بلطم وجهه، وقذفه بأبشع كلمات البذاءة والتحقير والألفاظ النابية. وقد تتمادى عصي (الجلادين) إلى طلاب وطالبات المرحلة الثانوية دون اكتراث لمشاعرهم العمرية الخطرة. هؤلاء (الجلادون) ممن يطلق عليهم خطأ (مربون) يجهلون إن العقوبة الجسدية والنفسية التي تطال الأطفال غالبا ما تخلف ضحايا، ومشاكل اجتماعية وتربوية جمة. وتغرس سلوك العنف والقسوة في نفوس ضحاياها ليعكسوه كتقليد إرادي خلال لعبهم أو في علاقاتهم بأسرهم والآخرين. هذا الأسلوب البدائي والهمجي لا ينتهك حقوق التلاميذ والتلميذات فقط، في التعلم في بيئة مدرسية صحية وآمنة. بل له مترتبات خطيرة. فهو يولد كراهية للمدرسة والمعلم، ويتسبب بضعف التحصيل الدراسي، ويشكل سببا رئيسا من أسباب الغياب والهروب من الحصة الدراسية، والنفور من المدرسة والتسرب منها. وهو التسرب الذي يوفر للتلاميذ والطلاب من الجنسين أرضا خصبة للجنوح نحو الانحراف والتطرف والعنف والانحراف. فهل تترفع الإدارات المدرسية(البليدة) والمعلمون (ماركة جلاد) عن سادية العنف؟ هل تقلع الفرق المسلحة ب (العصي والبذاءة) عن ممارسة التعذيب النفسي والجسدي ضد أطفالنا في المدارس، وتستبدل وسائله بأساليب وطرق تربوية حديثة تجذب الطفل إلى المدرسة لا تنفره منها؟ بل هل يمكن (لجماعات الرعب هذه) في مدارس التعليم أن تحذو حذو أجهزة التحقيق الاستخباراتية التي تراجعت اليوم عن أساليب العنف والتعذيب البدائية التي كانت تنتهجها طيلة عقود النصف الثاني من القرن المنصرم لانتزاع اعترافات معارضي أنظمة الحكم؟