اعلنت السلطات اليمنية إطلاق حملة عسكرية كبيرة "لاجتثاث القاعدة" من محافظتي أبينوشبوة. والعملية العسكرية، التي تشترك فيها القوات الجوية والبرية تعتبر من الأكبر عدة وعديدا في مواجهة مقاتلي القاعدة، تأتي بعد أسبوع من الضربات المكثفة للطائرات بدون طيار الأمريكية. لكن القوات المهاجمة تواجه مقاومة شرسة ومنظمة لم تكن في الحسبان. فما هو مسار المعارك في المحافظتين؟ أكدت السلطات اليمنية نيتها "بتطهير" بلدات أحور والمحفد، في محافظة أبين، كما عزان والحوطة والروضة والصعيد، في محافظة شبوة، من مقاتلي "تنظيم القاعدة". إلا أنه وبالرغم من مشاركة الآلاف من العسكريين والمدنيين المؤازرين لهم في هذه العملية، وهذا ما أكده القيادي في اللجان الشعبية، حسين الوحيشي، الذي صرح بأن عناصر تابعة له تشارك في القتال إلى جانب قوات الجيش. وبالرغم من وجود تغطية جوية من الطيران اليمني الذي أغار عدة مرات على نقاط جبلية في مديرية المحفد في محافظة أبين، وبالرغم من مراقبة من طائرات الاستطلاع الأمريكية، فيبدو أن الأمور لن تكون بهذه السهولة. فعنصر المفاجئة والمباغتة مفقود منذ اللحظة الأولى لبداية التحرك العسكري برا. والدليل على ذلك يكمن في جهوزية مقاتلي القاعدة في التصدي لتقدم الجيش والقوات المؤازرة له على مختلف المحاور في آن.
صورة لشاحنة محملة بمدفع23 للجيش اليمني تم تدميرها في الاشتباكات - 2014/04/29 تنظيم "أنصار الشريعة–القاعدة" كان جاهزا لمواجهة تقدم القوات الحكومية قبل أن نبدأ بسرد مجريات المعارك في شبوة، وجب التوقف عند أمرين تم التداول بهما في الأيام الأخيرة. فقد راج كلام من قبل بعض العالمين بأمور تنظيم القاعدة في محافظة شبوة حول التحضير لعملية عسكرية انطلاقا من عتق، عاصمة المحافظة، على مديرية ميفعة. وقد تأكدت هذه الفرضية قبيل انطلاق العملية العسكرية، وكما رصد عدد من سكان المحافظة، عبر عودة عدد من أبنائهم المنضوين في صفوف القوات الحكومية من شرطة وجيش إلى ديارهم تفاديا للمشاركة في القتال الذي كان يُخطط له والذي انطلق فعلا منذ ساعات. وعودة هؤلاء إلى ديارهم وعائلاتهم له تفسيران، الأول هو عدم رغبتهم في قتال أقاربهم وإخوتهم والثاني هو وعيهم بصعوبة المعركة من الناحية العسكرية البحتة وعدم نيتهم الانخراط بها. فالطريق من مدينة عتق إلى ميفعة لا تعتبر "سالكة" للقوات الحكومية منذ منتصف عام 2012. وما يؤكد هذه المعلومات هو جهوزية مقاتلي القاعدة ودرايتهم التامة لما كان يحاك لهم، ذلك علما أن عددا لا بأس به من أبناء محافظة شبوة منخرط في صفوف تنظيم "أنصار الشريعة"، وهذا ما عرقل ويعرقل أي سعي لاستنساخ تجربة اللجان الشعبية المؤازرة للقوات الحكومية، على غرار ما جرى في محافظة أبين من محاولات لم تلاق تجاوبا شعبيا يُلحظ. وما يمكن اعتباره بمثابة الإنذار الثاني، الذي تلقفه التنظيم والذي حتم حصول تطور عسكري على الأرض، كان بالطبع حملة القصف المكثفة وغير المسبوقة للطائرات الأمريكية بدون طيار خلال الأسبوع الماضي. ذلك فضلا عن ما سرب من معلومات حول ماهية الاجتماع الذي جمع بين وزير الدفاع اليمني وعدد من القيادات العسكرية اليمنية ونظرائهم الأمريكيين في واشنطن منذ أسابيع قليلة خلت. وتتزامن هذه الحملة العسكرية مع اجتماع دول مجموعة أصدقاء اليمن في العاصمة البريطانية لندن. وقد شُكلت هذه المجموعة لدعم المرحلة الانتقالية التي بدأت بتنحي الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن السلطة. وهي تضم عددا من الدول والمنظمات المانحة أبرزها مجلس التعاون الخليجي، الولاياتالمتحدةالأمريكية، الاتحاد الأوروبي، اليابان، تركيا، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. سير المعارك بالرغم من الدعاية الترويجية المكثفة التي تقوم بها السلطات اليمنية منذ صباح اليوم مواكبة للعمليات العسكرية على الأرض، وبالرغم من تواجد كل من وزير الدفاع محمد ناصر ورئيس جهاز الأمن القومي اللواء علي الأحمدي في شبوة "للإشراف على العملية" بحسب مصادر رسمية في وزارة الدفاع اليمنية، فمن الواضح أن القوات المهاجمة تواجه صعوبات ومقاومة منظمة وشرسة من قبل مقاتلي القاعدة. لا بل أكثر من ذلك، فحسب مصادر موجودة على الأرض وعدة مصادر صحفية فقد تعرضت قافلة الجيش المهاجمة لكمين محكم، حيث تم إحراق وإعطاب العديد من الآليات العسكرية والاستيلاء على عدد منها، فضلا عن وقوع عدد من الجنود في قبضة مقاتلي القاعدة، وهنالك صور توثق ذلك. في موازاة ذلك تمت محاصرة مدير أمن عتق، عوض ذبيان أحد القادة الميدانيين للعملية العسكرية، من قبل مقاتلي أنصار الشريعة في ناحية "مفرق الصعيد". وتتضارب المعلومات حول مصير الرجل، حيث أفادنا أحد مصادرنا أنه تم الإفراج عنه بعد وساطة قبلية، بينما يؤكد آخرون على "استمرار محاصرته وجنوده، الذين يحاولون العودة إلى عتق، مع استمرار المواجهات العنيفة على مفرق الصعيد".
شاحنة للجيش اليمني ومدفع في قبضة مقاتلي القاعدة - 2014/04/29 وبحسب مصادر مقربة من "أنصار الشريعة" تستمر المواجهات العنيفة على عدة محاور في أبين، وخصوصا على الطريق العام المؤدي إلى المحفد، حيث وضع مقاتلو القاعدة عدة كمائن، لقطع الطريق أمام أرتال الجيش واللجان الشعبية. كما أُفدنا عن إصابة قائد اللواء الثاني إصابة بالغة في شبوة وعن احتجاز نائب رئيس أركان اللواء 115، دون أن نتمكن من تأكيد هذه المعلومات من أكثر من مصدر. من ناحية أخرى، وبحسب المعلومات الأولية التي تمكنا من جمعها، تبين أن ما تم الترويج له منذ أيام عن مقتل القيادي في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية السعودي الجنسية إبراهيم العسيري أنه عار عن الصحة. ذلك فضلا عن عدم صحة ما روج حول مقتل عدد من قياديي التنظيم الكبار في الغارة الأمريكية على مخيم للتدريب تابع للقاعدة، فجل من كانوا متواجدين في المخيم المذكور كانوا من المنضوين الجدد تحت لواء القاعدة. فما كان من المفروض أن يكون ضربة قاصمة لأنصار الشريعة ولتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وتمهيدا للحملة العسكرية، تبين أنه لم يكن بالفعالية المرجوة عسكريا ومعنويا ما يعرقل العملية برمتها، أقله حتى الساعة.