رسالة من دم شهيد ( 2 ) : استحلفك بالله من قبري وأنا تحت التراب ... أنا الشهيد الحر من أرض الجنوب الطاهرة . أهديتكم دمي ..ودمي دين يبقى في الرقاب ... والدم أغلى من مصالح دنيوية عابرة . لا تجعلوا دمي ودم اللي معي يذهب سراب ... أرواحنا ليست بضاعة فوق ظهر القاطرة . “الشاعر / مطيع المردعي”. هل يمكن أن يكون العمل الديمقراطي ملائما في الحالات الثورية ؟! .. أعتقد أن هذه النوعية من الأسئلة التبريرية للسلوك الاستبدادي يمكن أن يتحجج بها “ مستبد ثوري “ في وجه “ ثائرٌ ديمقراطي “ يبحث عن نفسه ورأيه المصادر داخل مكونه السياسي, وينشد الدولة المدنية “ المؤسساتية “ التي سيضمن لاحقا أنها ستكون خير عزاء للشهداء والجرحى وعذابات الجماهير ومتطابقة مع آمال شعب الجنوب العريضة. غير أن على صديقنا “ المستبد الثائر “ صاحب التبرير الخائر , أن يعلم أنه حينما أراد الزعيم الأسطورة نيلسون منديلا أن يخالف حزبه (المؤتمر الوطني) الرأي حول جدوى النضال السلمي في وجه نظام قمعي – عنصري, يقتل المواطنين السود كل يوم بالعشرات في مظاهراتهم السلمية هنا وهناك وضرورة اللجوء للكفاح المسلح وضرب مصالح المحتل, منعته ثقافته السياسية والوطنية واحترامه لزملائه في النضال, ولمكونه السياسي “ الانفراد “ بقرار مثل هذا دون مناقشته في اجتماع اللجنة التنفيذية الذي كانت تهمين عليه حينها أغلبية هندية كانت ترى في مبدأ “ اللاعنف “ نهجا مقدسا كقداسة صاحبه الهندي المهاتما غاندي ! .. لكن منديلا الذي رفض طلبه في المرة الأولى, وسحق في قاعة الاجتماع مع رأيه المطروح من قبل زملائه لم ييأس ولم ينكسر ولم يستبد برأيه ويفرضه على زملائه كما يحدث غالبا مع بعض القيادات الجنوبية .. بل أعاد الكرّة أكثر من مرة ثم نجح في آخر الأمر شريطة أن ينفرد هو وحده بتشكيل “ الجناح المسلح “ ويتحمل مسئولية ذلك . وتوني بلير عندما قرر الدخول في حرب احتلال العراق جنبا إلى جنب مع بوش والمحافظين الجدد, اضطر إلى الذهاب صوب مجلس العموم البريطاني وهو يرتجف من قوة وهول المعارضة التي كان يعلم أنها تنتظره هناك .. لكنه بطريقة ديمقراطية نجح في اكتساب الشرعية لقراره الأحمق بعد ساعات عاصفة جدا من المداولات والنقاشات الديمقراطية الساخنة جدا ! والأكيد في الأمر أن هنالك العديد من الأمثلة التي تستحق أن نستشهد بها للتأكيد على أهمية ممارسة الديمقراطية واحترام زملاء النضال والمكون السياسي للوصول إلى تحديد موقف “ محترم “ و “ شرعي “ وهو هو المهم , تجاه أيّ قضية من القضايا الوطنية الطارئة . لكن الأكيد أكثر .. أن “ فايروس الاستبداد “ بات يجري في العديد من القيادات الجنوبية مجرى الدم حتى أنه ليبدو لك – عزيزي القارئ الكريم – ان أيّا من هؤلاء لا يستطيع أن يتصور نفسه “ قائدا “ مالم يكن مستبدا على زملائه .. ومستبدا بمكونه السياسي .. ومستهترا بعقول ومكانة كل من حوله ! والأغرب من كل ذلك, أنه .. وهو يمارس كل هذا “ العبث الاستبدادي “ يعتقد في قرارة نفسه أنه على دائما حق وأن قراره هو الأصوب والأمثل والاكثر حكمة . ( 1 ) من منتجات الجنوب الاستبدادية : قرأت أن الرئيس علي ناصر محمد قرر الاستقالة من رئاسة “ مكون “ مؤتمر القاهرة والتوقف نهائيا عن ممارسة العمل السياسي لسبب أن زميله المهندس حيدر العطاس غالبا ما يتصرف ويتخذ قرارات ويعقد لقاءات هنا وهناك دونما الرجوع إلى زملائه وفقا لقواعد وآليات النظام الداخلي أو دون التشاور معهم ! .. ثم قرأنا اليوم أن صديقي العزيز الشيخ عبدالعزيز المفلحي الذي كان معترضا على ذهاب العطاس إلى صنعاء بات اليوم هو الآخر ضيفا على هادي في صنعاء أيضا !! .. لست هنا بصدد تقييم المواقف والحكم عليها بالصح أو الخطأ وإلا سوف أمارس “ الاستبداد “ دون أن أعلم, ولكني بصدد تحديد ماذا إذا كان هذا الموقف أو ذاك يمتلك “ الشرعية “ من المكون السياسي أم أنه “ تصنيفه فردية “ أو “ قرحة قات “ كما يقولون خطرت على بال زعيم في لحظات تجلي مع النفس ..! هل هو المهم ..وهذا موضوع النقاش هنا ! وفي الحقيقة أن بداية هذا التجمع الجنوبي في القاهرة كانت قد استخفت بحضور أكثر من (600) قيادي جنوبي حضروا في اللقاء التأسيسي في القاهرة ويومها ضرب برأيهم في قضية بلادهم عرض الحائط لمصلحة “ رأي “ أتى من رأس النخبة السياسية المبجلة التي مارست الاستبداد عليهم فكان أن سكن هذا الاستبداد بينهم حتى أنتج لهم في آخر المطاف هذه الاستقالة من أبي جمال ... لا يستطيع أحد أن يخبرني أن مخرجات ذلك اللقاء جرت عبر التصويت . لست متحاملا والله على فريق بعينه ولن أكون أن شاء الله .. وسوف اتناول في هذه الحلقات القادمة تشريح مواقف مماثلة لمكونات وقيادات متعددة نتجت عن ممارسة “ الاستبداد السياسي “ ! .. وأرى أنه من المهم جدا .. وإلى حد بعيد أن نتعرف على مواقف لاستحقاقات وطنية كبيرة كان الاستبداد فيها هو صاحب الصوت “ الأعلى “ و” الأقوى “ لينتج بعد ذلك كنتيجة حتمية كل هذه الدامة الكبيرة من الفوضى والتخبط والعشوائية, وسيكون من العيب أن نترك مثل هذه المواقف تمر علينا بسهولة دون أن نوقفها ودون أن نخضعها مع أبطالها للمسائلة أو حتى للعتاب الأخوي ! .. وأرى أنه سيكون من المفيد للأجيال الجنوبية الشابة أن تتعرف على حجم المصائب والكوارث التي يمكن أن يصنعها “ الاستبداد السياسي “ .. وهم أن تعرفوا على فداحته, وخسائره و “ منتجاته العظيمة “ حتما سيكونون أول من يحاربه ويقاومه ويقف ضد .. هذا أن هم أرادوا وطنا حرا كريما .. ولهذا الغرض سوف اسلط الضوء على مشاهد أحدثت هزات كبيرة في وجداني وشاهدت فيها وعبرها ملامح سوداء قاتمة .. ليس من الحكمة أن نتركها تمر دون مسائله . ومن خارج السياق لا يمكن تجاوز الملمح الآتي: تصدرت الصفحة الأولى لصحيفة “ المصدر “ اليمنية صورة العميد النوبة وهو يصالح الرئيس عبدربه منصور هادي, ووضعت عنوانا كبيرا للصورة يقول: الحراك في يد هادي! .. ويهمني شخصيا أن أقول للصحيفة على وجه التحديد ولمن يعتقد صحة ما ذهب إليه العنوان .. أن الحراك الجنوبي في حقيقة الأمر ليس بيد هادي ولا بيد أحد ... أنما هو في حقيقة الأمر بيد شعب الجنوب وحده ... ويخطئ من يعتقد أن لثورة الجنوب زعيما أو قائدا خلافا ل” شعب الجنوب “ .