يريد الرئيس هادي حل مشكلة عمران بطريقته، بينما يصر الإصلاح ومحسن وأولاد الأحمر على أن يحلها هو ولكن بطريقتهم..طريقة الرئيس تنتهي بوضع يده/ يد الدولة، على عمران.. وطريقة الإصلاح ومحسن والأحمر تنتهي بنهايتين: تحصين نفوذهم وسيطرتهم، هم أنفسهم، على "عمران"، وإبقائها كما هي الآن إقطاعية خارج الدولة، ومحمية في وجه منافسهم (الحوثي) في ذات الوقت، أو النهاية الأخرى: إكمال الحوثيين سيطرتهم على المدينة، وسقوطها في أيديهم إلى الأبد. (والنهاية الثانية هي الراجحة كنهاية لطريقة الإصلاح). الرئيس "هادي"، للإنصاف، يتصرف في الموضوع الشائك كما ينبغي لرئيس دولة، فهو يرفض الانزلاق في حرب يعرف جيدا أنها صراع بين مركزي نفوذ من شأن صراعهما أن يغرق الدولة والمجتمع معاً، وفي الوقت نفسه يعرف ما ينبغي على الدولة فعله تجاه هذا الصراع: أن تحل محل الطرفين وأن تستعيد "عمران" منهما معاً لتصبح كأخواتها من المحافظات تحت طائلة نفوذ الدولة والدولة وحدها.
أما كيف ينوي الرئيس فعل ذلك، وطبقا للمتوفر لدي من معلومات أكيدة، فعبر تعيين محافظ لا ينتمي إلى أي من الطرفين (وقد تم تنفيذ هذه الخطوة)، بينما الخطوة التالية: إحلال قوات من قوات الاحتياط أو أي من القوات العسكرية التابعة لسلطته مباشرة، محل لواء القشيبي ونقل هذا الأخير أو تغيير قيادته.
لن يكون بإمكان "الحوثيين" الإقدام على أية حماقة لإسقاط المدينة بعد خروجها من نفوذ "محسن" إلى سلطة الرئيس، سيضعون أنفسهم بذلك في مواجهة مباشرة لا مع الدولة والرئيس وكامل المجتمع اليمني، بل أيضا مع المجتمع الدولي الداعم للتسوية السياسية في اليمن برمته..
على هذا فإن الرئيس "هادي" حين يصر على اتباع طريقته التي تنتهي بإعادة "عمران" إلى سلطة الدولة؛ لا يصطدم بالحوثيين بقدر اصطدامه بالثلاثي "الإخواني" (الإصلاح، محسن، أولاد الشيخ) فهؤلاء يتعاملون مع اتساع نفوذ الدولة (أو الرئيس هادي) على حساب نفوذهم؛ كخطر لا يقل سوءا عن اتساع نفوذ الحوثيين. وعلى هذا الأساس فإن أي خطوة يخطوها الرئيس بهدف تحويل الصراع القائم إلى فرصة لإحكام سيطرة الدولة على عمران، تعني بالنسبة للثلاثي إياه إخراجهم من آخر وأهم معاقلهم منذ حوالي خمسين عاما.
الاتفاق الذي تم إعلانه بالأمس، مثله مثل الاتفاق السابق له، هو خطوة في الطريق إلى وضع حد لطموحات الحوثيين في التفرد بعمران، كما هو خطوة في الطريق لإنهاء تفرد محسن والإصلاح، ونتيجة الخطوتين بالضرورة بناء نفوذ الدولة (أو مشروع الدولة على الأقل) هناك. ولذلك نشهد هذه الحملة الشعواء والغبية من قبل "الإصلاح" ضد الاتفاق وضد الرئيس ووزير دفاعه.
كان "هادي" واضحا حين أعلن قبل أيام قليله أنه يعتبر أمن عمران جزءا من أمن العاصمة، لقد كانت تلك رسالة إلى "الحوثيين" على وجه الخصوص، وواضح أن الرسالة أرادت أن تقول للحوثيين إن "عمران" ليست "صعدة"، ولا مجال للتفكير في التعامل معها ككرسي جديد يمكن أن يكون نسخة من كرسي فارس مناع، إنها هي والعاصمة في مقام واحد، وأعتقد أن الحوثيين يعرفون هذه الحقيقة جيدا، وعلى هذا الاساس يثق الرئيس في الخيار الذي يتبعه حتى اللحظة.
قد نختلف مع الرئيس "هادي" في أشياء كثير، لكن موقفه هذا، وحيال أخطر معارك استنزاف السلم الاجتماعي في اليمن، هو موقف يستحق الدعم من الجميع، فلولا استقلال قراراته حيال هذا الوضع الشائك، ولولا أنه يحسبها صح، لكان قد استجاب لضغوط تبة الفرقة الأولى و"إخوانها" ورمى باليمن واليمنيين إلى فوهة حرب قذرة بجولات أكثر من ست أو سبع هذه المرة، وبنتائج أكثر كلفة على الدولة والمجتمع. (ولأجل من؟ لأجل كرامة محسن وأبناء الشيخ، وليس حتى لمصلحة "الإصلاح"). مع "هادي" لوقف نزيف الدم، ومعه لفرض خيار الدولة في "عمران" وغير "عمران".. بدءا من "عمران".