عند قراءتي لعنوان المقال، اعتقدت أن هناك أربعة متهمين حقيقيين، وهم الثلاثة الأوائل كما ذكرهم الكاتب بالإضافة إلى محور الخيانة والتآمر على المقاومة من دول عربية- كما أسميه- و لم أكن أتوقع أن تكون "حماس" واحدة من المتهمين! فكيف حوّل الكاتب الضحية إلى متهم، بسببه يُقَتَّل شعبه؟ يبدأ الكاتب مقاله بتساؤل عن صمت "شعوب العالم بالملايين في مسيرات عارمة وفعاليات صارخة لإدانة جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية"، كما فعلت ضد نظام الأبارتايد في جنوب إفريقية! ولكن، هل كان هناك صمت عالمي فعلا؟ وهل صحيح، أن هذا الصمت بسبب الأربعة المتهمين؟. ثم يفَنّد الكاتب المتهمين الأربعة، فأعطى للغرب كلمات من مقطع واحد فقط ولم أفهم، هل يقصد بالغرب الحكومات، أم الشعوب؟ ولإسرائيل أعطى كلمات من مقطع واحد أيضا، وكذا للأنظمة العربية! أما "حماس" فقد أسرف في إعطائها من الكلمات في مقطعين، "ليته كان حبا فيها"!! ما جعلني أرد على الكاتب، الزميل "الفيسبوكي"، هو ورود بعض المغالطات في سياق ما كتبه من حقائق يفترض أن تكون تاريخية وحقوقية، وربما في بعض منه خطأ مطبعي، وسأورده ضمن ردي هذا. الحقيقة الأولى، أن الغرب كشعوب، قد خرجت بالملايين في معظم دول أوروبة، عدا فرنسا التي منعت حكومتها خروج أي مسيرة تدعم الشعب الفلسطيني في غزة وتقف معه- ولو معنويا- في محنته، منددة بالعدوان الهمجي الإسرائيلي؛ ومع هذا فقد خرجت الجماهير في الشوارع الفرنسية رغم أنف الحكومة، ولربما الكاتب قد انصاع لقرار الحكومة بالمنع ومكث في منزله، وخُيِّل إليه أن شعوب أوروبة كلها كانت منصاعة مثله، فلم تخرج بالملايين! ليس في أوروبة فقط خرجت الملايين، بل وفي أمريكا نفسها، وفي أمريكاالجنوبية التي بعض دولها طردت السفير الإسرائيلي واستدعت سفراءها من إسرائيل! عجبا، ألا يشاهد الكاتب القنوات الفضائية الأخبارية؟ كما يتحدث الكاتب عن عقدة الغرب نحو اليهود بسبب ما يسمى ب"المحرقة اليهودية"، ولم يقل، إن من قام بالمحرقة- إن افترضنا وجودها- هم النازيون الألمان، وليس شعوب الغرب كلها، ما يعني، أن هذا المبرر في غير محله، وأن من يفترض تلك العقدة هي الحكومات الغربية ليس إلا، ليتعاطف العالم مع إسرائيل وتعليل بقائها في فلسطين! وإن كان الغرب- الذي يفترضه الكاتب- يعاني من ذنب اقترفه على شعب من الشعوب ومن عقدة نفسية، فالأولى به أن يوقف إسرائيل عند حدها ولا يبرر لها عدوانها البربري على غزة؛ لأن هذا الغرب وأمريكا والاتحاد السوفييتي حينها (الأممالمتحدة)، هم من قرر سرقة أرض عربية لا يملكونها، في غفلة من الزمن، ليوهبوها لمن لا يستحقها، لقطعان اليهود، وليتقاطروا من شتى بقاع الأرض من شمالها، وجنوبها، وشرقها، وغربها، لينشئوا كيانا عنصريا، عقائديا، همجيا تجاوز مستواه في كراهية الآخر عن الأبارتايد. وبمناسبة الأبارتايد، فإن الكاتب يقارن الكيان الإسرائيلي الصهيوني بنظام الأبارتايد العنصري، مع أن بينهما بونا شاسعا، ولا أعتقد أن الكاتب لا يفهم في هذا؛ إلا أنه لم يجهد نفسه في البحث والتعبير، ما جعله يصور لنا إسرائيل كنظام "شديد الغطرسة والتبجح بالقوة والتدمير، وينصاع أكثر فأكثر لطغمة دينية ظلامية"! وهذه في حد ذاتها مغالطة في تحديد معنى الصهيونية، وفي أن إسرائيل تنصاع لطغمة دينية- بالتالي، ليست صهيونية. إذا كان المنطق كذلك، لماذا نلوم "حماس" في أنها منظمة إسلامية، مع أنها ليست متشددة؟ إن قضية الانصياع لطغمة دينية، لم تكن مقنعة لي كقارئ للتاريخ الإسلامي والعربي بشكل عام! فكلنا يعرف، وبمن فيهم الكاتب، أن إسرائيل كلها وبكل مقوماتها تشكل طغمة دينية عنصرية متشنجة، ونظامها الصهيوني قائم على العقيدة الصهيونية التي لا تؤمن بشراكة الطرف الآخر، لاسيما العرب، ولا تؤمن إلا ببقائها لوحدها على الأرض عن طريق إعدام الآخر من هذه الأرض؛ أي محوه من على وجه الخليقة. إن الأبارتايد قائم على نظام فصل عنصري، يُفَصِّل الإنسان إلى أبيض سيّد وحاكم، وأسود عبد محكوم، يهدف إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية التي استوطنت جنوب إفريقية منذ القرن السابع عشر الميلادي، ثم احتلتها بريطانيا في القرن التاسع عشر. ودخلت بريطانيا حروبا عدة مع السكان الأصليين من جهة، والمستوطنين الأوروبيين من جهة أخرى، حتى نالت جنوب إفريقية على استقلالها عام 1911م. كانت العنصرية في جنوب إفريقية حاضرة منذ الاحتلال البريطاني لها. لكن، نشأة الفصل العنصري كنظام دولة ظهر عام 1948م؛ أي في السنة نفسها التي اغتُصِبت فيها فلسطين من اليهود بمساعدة بريطانية ودعم غربي وأمريكي غير محدود. وانتهى نظام الفصل العنصري في عام 1994م بانتصار ثورة مانديللا وانتخابه رئيسا للبلاد. قد أكون أسهبت فيما كتبته عن الأبارتايد، لكني وددت أن يعرف القارئ العزيز ما تعنيه الكلمة، ويفرق بينه وبين الصهيونية، وليصل إلى فكرة أن لو كان مانديللا في فلسطين، هل كان سيحقق الانتصار نفسه كما فعلها في بلاده جنوب إفريقية بثورة سلمية، كما يطالب البروفيسور "حماس" عوضا عن "الصواريخ العبثية"- حد قوله؟ حقيقة، لا أصدق أني أقرأ لكاتب رفيع المستوى يطالب "حماس" بمقاومة سلمية حضارية" مثل مانديللا، وأن "تتناغم مع لغة العصر"، بدلا عن "إلقاء القذائف على سكان مدنيين في عمق إسرائيل"- يا حرام- وهي "وسيلة انتحارية عبثية فاشلة نتيجتها سيول دماء فلسطينية"؛ وهذا يعطي إسرائيل "فرصة التذرع بأنها تدافع عن نفسها"! وهنا أسأل الكاتب، هل قارئو ما تكتبه أغبياء، أم أنك تستغبيهم بما وهب الله لك من علم ومقام رفيع في الأدب؟ ألا تعلم يا سيدي، أن القانون الدولي، ومن قبله الشرائع السماوية كلها، وغير السماوية كذلك، قد أعطت للمحتلة أرضهم حق مقاومة المحتل ومغتصب الأرض بكافة السبل وبأي شكل كان، وبأي نوع من الأسلحة؟ كما ان القانون الدولي نفسه، منع حق الدفاع عن النفس عن الدولة التي تحتل أرض غيرها بالقوة، كما إسرائيل في حالتنا التي تبرر لها فعلتها، لأنها قوة استعمارية احتلالية، وبيدها أن توقف نزيف الدم. هذا ما يقوله القانون الدولي ولست أنا، ما يدل على أن تبريرك لما تفعله إسرائيل من إبادة جماعية ومجازر شنيعة في حق إخواننا، وهم إخوانك أيضا، في غير محله وساقط من أساسه. لو افترضنا، أن المقاومة في غزة لم تكن إسلامية وعلى وجه الخصوص "حماس" التي تثير حساسية عند البعض وكانت علمانية أو شيوعية، قل ما شئت، هل كانت إسرائيل ستمتنع عن ارتكاب تلك المجازر؟ ولو افترضنا أن المقاومة كانت سلمية مائة بالمائة، كما في الضفة الغربية، فهل كانت إسرائيل ستلتزم بالسلمية وستطبطب على أكتاف الفلسطينيين ولن تحتل غزة، أو حتى فلسطين التاريخية كلها؟ الإجابة لا، لن تمتنع بالطبع! لأن إسرائيل منذ أن وطئت قدماها على أرض الأنبياء الطاهرة، وهي تقتل دون وجه حق، وتشرد، وتعتقل وتحتل وترتكب أبشع المجازر من قبل أن تكون هناك مقاومة إسلامية!! قبل أن أختتم الرد، أذَكّر البروفيسور ما قاله الله سبحانه وتعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" الأنفال- 60. كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ" الرعد- 11. أما ما قاله المهاتما غاندي في: إن غيّرت نفسك، يتغيّر العالم من حولك في نفس الاتجاه، إعتقد أنه قد كتبه على النصارى البريطانيين، وليس على بني صهيون!! نادر عبد القدوس كريتر – عدن