وحالنا العربي " أنا لا أشجب الحرب الإسرائيلية على غزة، بل وأراها شرا طبيعيا لابد منه، فهذه الغارات ليست سوى نتائج لمقدمات وهذا قانون القضايا المنطقية. في ظل التخاذل والإذلال الذي نعيشه كسكان للمنطقة يبدو التجبر الإسرائيلي نتيجة بديهية، فنحن من خلال دورنا الذي نلعبه كفريسة متاحة نترك مقعد المفترس شاغرا للإسرائيلي الذي يملؤه بكل سرور لأنه يحقق الشروط التي يتطلبها بقاء هذا الكيان العنصري من وحشية وإلغاء للآخر، ولا إنسانية صارخة . من يريدون دعم المقاومة ومفاجأة العدو وهزيمته يفتقرون لأدنى مقومات القوة الحقيقية التي تهيئ للانتصار، فهم متناحرون طائفيون غارقون في الجهل والفرقة، يطلبون تعاطف المجتمع الدولي ودعمه في الوقت الذي يراهم فيه هذا المجتمع عالة على العالم وشعبا جاهلا لا يستحق الأرض التي يعيش فوقها، بل ويراهم مستنقعا خصبا لشتى أنواع الإرهاب . نحن ندعم غزة طالما التيار الكهربائي متوفر وإذا ما انقطع يصبح همّنا تأمين حفنة نور . ندعم غزة ومطار عاصمتنا تمطره صواريخنا بكل ما أوتيت من نيران . نشجب الاحتلال الإسرائيلي ونحن هائمون على وجوهنا في مجالس القات وأيامنا معارك كرّ وفرّ بين بعضنا البعض وقد بلغ بنا كره أحدنا للآخر ورغبة أحدنا في إقصاء الآخر ما يفوق رفضنا لوجود الإسرائيلي . ندين العدوان الغاشم ونحن من أقصينا ديكتاتورا لنبايع بدلا عنه عسكريا آخر والسبب في أحسن الأحوال اعتقادنا أننا نفتقر إلى البديل، لا بل إن البعض يصطف وراء العدو لتصفية حساباته مع الأخوان من مبدأ "عدو أعدائي الذي كنت أتهمه يوما ما بالعمالة، هو الآن تكتيكيا ، صديقي " . طلب وقف الغارات الإسرائيلية هو أمر غير منطقي !!! هل أطلب موقفا إنسانيا من قوم أؤمن أنهم لا إنسانيّون؟ قوم أعرف أنهم سلبوا أرضي وحقي وحق شعبي ؟! بل أكثر من ذلك أطلب منهم الرحيل وإعادة الآرض والكرامة لأصحابها؟ أطلب منهم حلّ دولتهم العنصرية وإعادة تشكيل دولة فلسطينية توَزّع فيها الحقوق والواجبات بالتساوي على جميع المواطنين مع التمسك القطعي بحق العودة كاملا !!! أي هرج هذا وأي منطق ؟ ثم حتى لو افترضنا جدلا أن مطالبتي بهذه الحقوق هي عملية منطقية، فمن أنا لأطالب وأنا لست مواطنا حقيقيا في بلدي، هل نحن فعلا نقارب معنى المواطنة الحقيقي في بلداننا؟ ألسنا نعيش في ظلّ رقعنا الجغرافية "المستقلة " مهضومي الحقوق؟ أيكفي أن نحمل هويّة لنكون مواطنين نمتلك معنى المواطنة الفعلي الذي يحفظ كرامتنا وحقوقنا وإنسانيتنا داخل حدودنا السياديّة؟ هل نحن مواطنون حقا؟ وماذا عن المقاومة الفلسطينية ؟ هل تتمكن فعلا وهي بهذا الحال من تحقيق أهدافها في تحرير أرض فلسطين؟ المقاومة الفلسطينية نتاج واقعنا العربي والإسلامي الضعيف والعاجز والمشرذم الذي يحاول إعلامه تسويق انتصارات وهمية يشعل بها رماد معنوياتنا المحترقة . ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ... يبدو لي حل القضية الفلسطينية واضحا وبسيطا وبعيدا عن كل الخيوط التي تفنّن العالم في حياكتها وتعقيدها على مرّ السنين، يبدأ الحل من أنفسنا، يبدأ بتحرير الإنسان وبوضوح أكثر : فلننشر المعرفة والعلم في مجتمعاتنا، فلنسعى لنكون منتجين للعلم والمعرفة لامستهلكين فقط، فلندرب أولادنا على إدراك حقوقهم وواجباتهم لتكون أوطانهم صمام الآمان لحياتهم، فلنتعلم كيف يتقبل بعضنا البعض الآخر رغم الاختلاف بيننا، ولنتعلم أن مزيج التباينات في البيئات والأفكار هوتنوع خلّاق وليس اختلافا هداما، وأن الوطن فوق الجميع وملك للجميع . فلتكن الثورة ثورة وعي وأخلاق وتغيير في النفوس وفقط بنجاح هكذا ثورة يتحرر الوطن من الفساد وتتحرر أرض الوطن من الاحتلال . أما في ظل الوضع البائس الذي نعيشه في أوطاننا فأنا لا أشجب الغارات الإسرائيلية، بل أشجب ضعفنا وتخلفنا وتفككنا الذي سمح لإسرائيل بالاستمرار حتى الآن والمضي قدما بلا رادع في افتراسنا، أشجب تخاذلنا وخنوعنا للديكتاتوريات بكافة أشكالها سواء السياسية منها أو الدينية أو العسكرية أو حتى الفكرية. لم يكن التاريخ يوما أبا رحيما للضعفاء ...التاريخ يكتبه الأقوياء .