من يراقب أداء موظفي الدولة اليوم يتذكر أشباههم في العهد الإشتراكي بين 1967-1990 ، تبدَّل الأشخاص لكنَّ العقلية لم تتبدَّل ؛ في ذلك العهد كانوا يرهبون الناس بالعدو المتآمر على التقدمية والإشتراكية ، ولم يكن هناك عدو فعلي ، بل عدو وهمي هم صنعوه . . . وتحت ستار هذا العدو الوهمي قتلوا من أرادوا ، ويغلقون قضية القتل بنسبها لهذا الإرهاب الخفي . . . في ذلك الزمان كان العدو هو الإمبريالية والثورة المضادة والمخربين الرجعيين...! .. وكانت هذه الشماعة تكفي السفيه الذي أطلقها إقناع الناس ومنهم أقارب المقتول بعدم البحث عن صاحبهم والصمت كأن لم يحدث شيء...! وما أشبه الليلة بالبارحة ؛ اليوم يقوم رجال السلطة بنفس الأسلوب ، لكنَّهم غيَّروا "الإرهابي" الذي يقتلون به الناس ، أصبح اليوم "القاعدة وأخواتها" . . . فمن يجدونه خطراً على سلطتهم يبلغونه بأنَّ تنظيم القاعدة يريد قتله ، وعليه مغادرة البلاد في أسرع وقت . . . فإذا لم يرهبه هذا التهديد دفعوا له بعدد من اقاربه تبلغه به ، وتنصحه بضرورة مغادرة البلاد ، والمراد من إبلاغ أقارب الهدف إرهابهم أولاً حتى يتخلوا عن صاحبهم إذا لم يغادر ، وثانياً حتى يعلم الهدف أنَّه أصبح وحيداً ، لم يعد معه قريب ولاصديق ، فيضطر للمغادرة ، وثالثاً ؛ يغادر بسبب ضغوط أهله الذين أصبح وجوده خطراً عليهم .
أنا حدث معي هذا ؛ وكان السبب الذي ساقوه لتبرير التهديد بالقتل عدة مقالات كتبت فيها رأيي بالقاعدة . . . لكنَّه لم يكن تبريراً مقنعاً . . . ولذلك اتهمت أزلام السلطة ، من بقايا الرئيس صالح وعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر والزنداني ، فقد أخبرني صديق ثقة أنَّهم فعلوا معه نفس الفعل . . . واتهامي لهم نابع من ردود أفعالهم الغاضبة من دعواتي في كتاباتي وأحاديثي لشباب الحراك بضرورة تقلُّدهم مناصب في إدارة المديريات الجنوبية في سلطة الرئيس هادي .
واعتبار ذلك جزء من النضال الجنوبي لنيل الحرية والاستقلال ؛ لأنَّ خدمة المواطنين وتأمين أرواحهم وأملاكهم ، وأعادة وتيرة التعليم إلى ماكانت عليه وتطويرها ، وتطوير البنية التحتية تضمن مستقبل آمن للأجيال القادمة ، وهي حلقة نضالية فاصلة لايحيد عنها إلَّا جاهل ، واعتبار النضال الحقيقي من شقين ؛ الأول خدمة المواطنين في حياتهم اليومية ، والثاني في ساحات الحراك وفعالياته حتى النصر .
هذا في رأيي هو الذي دفعهم للتهديد ؛ فهم يعلمون أن نضال شباب الحراك وأبطاله لتقلُّد مناصب إدارة المديريات سوف يفقدهم مصالحهم الشخصية ، وخطوة أولى نحو الحرية ، ويعني لهم تعزيز التسامح والتصالح الجنوبي مع جنوبيي السلطة بقيادة الرئيس هادي ، وهذا مايرفضونه جملةً وتفصيلا ، لأنَّ أسيادهم في صنعاء -سلطة الرئيس صالح السابقة- ترفض ذلك ، وتأمرهم إفشاله بأي ثمن .
فهل الرئيس هادي ومن معه من جنوبي السلطة شركاء مع هؤلاء...؟ يقول البعض (أنَّهم شركاء ، ودلَّل على ذلك باستمرارهم تنفيذ خطة 2009 لصناعة الانفلات الأمني ، ونشر الجريمة ، وإهمال البنية التحتية ، وتدمير التعليم في المديريات التي يكون الحراك الجنوبي قوياً فيها) . . . قد يكون رأياً صائباً . . . أمَّا أنا فقد برأتهم في مقالي من زاوية "حسن الظن حتى تقوم الحُجَّة عليهم" .
ونعود إلى التهديدات بالقتل ونوجه السؤال إلى تنظيم القاعدة ؛ هل فعلاً أنتم من يريد قتلي وما السبب...؟ فإذا لم تكنوا فعلاً مصدر التهديد فأجيبوا . . . وغير ذلك فأنتم فعلاً ذراع النظام المخلوع الإرهابي ، تنفذون له نزواته الشيطانية في الجنوب ، ومهما قتلتم منَّا فلن تُكسر إرادة شعبنا الجنوبي . . . فلم نعد نرى فرقاً بين الموت والحياة ، وإذا غالب الخوف أنفسنا قلنا لها أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال : ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لن تطاعي و ما للمرء خيرٌ في حياةٍ إذا ما عَُّد من سقْط المتاع
وعليكم أن تعلموا أنَّ الجنوب على الإسلام الذي تركه لنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . . . ويافع ديار سيوف الله ورماحه وسهامه ، لم يستطع دخولها غازي مستعمر منذ خلق الله الأرض ، قاتل أجدادنا الأحباش ومنعوهم دخولها بعد احتلالهم اليمن ، وقاتلوا البرتغاليين الذين جاءوا لهدم الكعبة وحصروهم في عدن ثم أخرجوهم منها بمساعدة الخلافة العثمانية .
لم يدخلها غازي مستعمر إلا غازي واحد "باسم الإسلام" ، هذا الغازي هم أجداد الزنداني وحميد الأحمر وعلي محسن والرئيس صالح ؛ احتلوا بلادنا بفتوى "إسلامية" حشدوا بها قبائلهم هي فتوى (جواز أخذ أموال الشوافع وكفر أرض المشرق) وأرض المشرق هي اسم الجنوب عندهم . . . وقد استعمروا أرضنا عشرين سنةً ونيف وإخرجهم أجدادنا أذلةً وهم صاغرون ، ليس من يافع فقط بل من كل الجنوب . . . والمرة الثانية ؛ دخلوها باسم الوحدة اليمنية ثم فتاوى قتال الشيوعية الكافرة .
كان أولئك أجدادنا رحمهم الله ، ولن نخذلهم ، ولن نكون من "سقْط المتاع" ماحيينا ، مهما كان الثمن ، فلابقاء على أرضنا لمن كذبوا على الله ورسوله واستخدموا الدين مطية لنهب أموال البلاد والعباد .
وفي الختام أقول لشباب الجنوب ويافع خاصة ؛ والله ماجاء الإسلام إلَّا لسعادة الناس ، وتنظيم حياتهم ، وتمكينهم من مهمة خلافة الله على أرضه وبنائها ، فمن جاءكم باسم الاسلام ؛ يدَّعي الجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله ، فلاتصدِّقوه . . . فبلادكم على الإسلام وبه حُكِمت منذ 1420 سنة . . . وإذا حُكِمت ببعض القوانين المخالفة لشرع الله ، فقد انتهى ذلك الزمان ، وإذا وجدتم اليوم قانوناً يخالف شرع الله فأرفضوه ودوسوه بأقدامكم .
وحتى يتم لكم منع الخطر القادم بأقل الخسائر ؛ عليكم النضال للوصول إلى الوظائف الإدارية والأمنية في كل مديرية جنوبية تلاعب بها نظام صنعاء وعطَّل إدارتها ، فوالله ماتركها معطَّلة إلَّا كي يغرقنا في الفوضى والقتل والتجهيل ، ثم يطلق ذراعه الإرهابي ليسيطر عليها ويحكمها ، ويُذِّل أهلها . . . وبعدها يدفع بجيشه لتدمير بلادنا ، بموافقة دولية ومساعدة أمريكية وعربية ، بدعوى محاربة الإرهاب ، فيُقتل المواطنون الأبرياء ، ويُقتل معهم المغرر بهم من أبناء المنطقة الذين صدَّقوا دعوى الجهاد ، أمَّا عناصر ذراعهم الإرهابي فيهربون دون أن يقتل منهم أحد كما حدث في أبين .
وفي اعتقادي أن قيام شباب الجنوب بمهمة إدارة المديريات الجنوبية لايتعارض مع التحرير والاستقلال ، بل هو جزء منه ، فنحن لم نناضل لأخراج سلطة صنعاء كي يحلّ محلُّها ذراعها الإرهابي . . . هذا رأيي وللناس آرائها ، والله هو العليم الخبير .