كتبت هذا المقال في دمشق - لا أدري لماذا أتذكر قصة أولجا حين تساقط الثلوج ويأتي الليل والبرد - كنت أجلس أشاهد تساقط الثلوج في جبل المزه - حيث يكتب الليل ألف قصة حب في ظلال البخور والشموع - رحلة طويلة في هذه الحياة من شوارع كوبنهاجن الأنيقة إلى مقاهي باب توما الساحرة محراب الشعر والجمال في حضن بردى - أتامل وهج المدفاء وصوت فيروز يبعث في نفسي الشعور بالحب والفن والجمال - لقد سكنت في نفسي قصة أولجا الشقراء الجميلة التي هزمت قوة غاشمة تملك أضخم وأقوى الدبابات في العالم - دبابة T45 الأسطورية - قالوا إن تلك الدبابات كانت لها القوة أن تحتل كل أوروبا خلال 10 ساعات - كيف أستطاع نهد أولجا الشقراء أن يهزم تلك الدبابة .. بالحب والوفاء والإخلاص و الإيمان . نهدٌ هزم دبابة أولجا .. شجاعة نهد :
هناك نساء شهيرات قد دخلن التاريخ ولكن ستبقى قصة أولجا إفسكايا عشيقة الدكتور بوريس باسترناك التي خلد قصتها في راويته بأسم لارا عشيقة الدكتور زيفاجو ، إنها أعظم قصة حب في التاريخ ، وكيف صمدت هذة المرأة الجميلة أمام طغيان الإتحاد السوفيتي - هذه القوة الضاربة التي كانت تملك الآلاف الدبابات وجيش عقائدي شجاع كان بإمكانه إحتلال كل أوروبا في 10 ساعات ، كيف صمدت أولجا الجميلة أما هذه القوة الضاربة التي خاف منها الرجال والأمم ،
كيف صمدت أولجا أمام جبروت ال KGB الذي كان يراقبها على مدار الساعة وعرضها لحرب نفسية عنيفة وتارة اخرى عرض عليها المال والمنصب ولكنها رفضت التهديد والوعيد لتقطع علاقتها بالدكتور باسترناك ، كانوا يريدوا أن يحرموه منها ، لأنهم أدركوا إن أبداعه من وحي عيون أولجا ، كانت أولجا هي حياة الدكتور باسترناك ومن شجاعتها وجمال عيونها استمد الصمود والقوة والجرأة على أن ينتقد سياسة الحزب الحاكم وليس النظرية . قال إن الخطاء في التطبيق وليس الفكرة .
كتب أفكاره بلغة نادرة وبسيطة تدخل إلى كيان القارئ بهدوء وتبقى. أولجا .. في شتاء روسيا القارس والثلوج تنهمر بغزارة على الطرقات وحين يتعذر عليها لقائه تخرج من منزلها في الليل لتقف أمام منزله من بعيد لترى خياله من النوافذ وتعرف إنه يجلس للكتابة في تلك اللحظات ، وتبقى بالساعات تتجول في الشارع وتعود إلى نفس المكان ، و لا أحد يعرف كيف كان يشعر بوجودها فيقوم بإطفاء النور في غرفته عدة مرات طالبا منها العودة إلى بيتها خوفا عليها من البرد والثلوج. كان يجلس لساعات طويلة ينظر إلى الشجرة التي كانت تقف بجانبها بعد مغادرتها. في أحد الأيام قالت له أحدى قريباته لماذا ينظر إلى تلك الشجرة تلك النظرة الحالمة ، فقال لها هناك كانت أولجا تقف تحت سيل الثلوج وحتى بعد رحيلها فأنا أراها بقلبي ..
قال إن كل حرف أكتبه أشعر إن في صميم الحرف تسكن أولجا ، إنها كل شئ جميل في هذه الحياة .. إن أولجا هي الصمود والفكرة التي آمنت بها ولكن خذلني الرفاق .. ولم تخذلني أولجا. نقول هنا إن أولجا وصمودها وكبريائها كانت تعني له روسيا العظيمة. أولجا تسير إلى بيتها فتمتزج دموعها بالثلوج المنهمرة على وجهها - دموعها وجدآ وقهرآ على الرجل المبدع في تاريخ الأدب الروسي ، إن هناك كثير من الكتاب الروس ممن أشتهروا في عالم الأدب الروسي والعالمي ، ولكن شهرة باسترناك قد فاقت الجميع بسبب حب أولجا ، أرتبط أدبه بنهد أولجا الذي قاده إلى العبقرية والسمو، ومن الغريب إن ستالين كان معجب به ويسميه الرجل القادم مع الغمام وطلب من أجهزته عدم التعرض له ، ولكنهم حاربوه بالحرب النفسية وعزلوه عن المجتمع وأخافوا الجميع الإقتراب منه بطريقة أو أخرى وكان الصامد الوحيد نهد أولجا ..
ذلك النهد الشجاع الذي تحدى السلطة وبطش السلطة في روسيا. قال كثير من النقاد في الإتحاد السوفيتي , إن قصته مع أولجا كانت سبب شهرته لقد أحبها وأحترمها الناس فكتب الخلود لهذا الحب وكاتب قصة هذا الحب الدكتور بوريس باسترناك. ولولا شجاعة أولجا لما رأت روايته الخالدة النور وعرفت الدنيا به وبها, ستبقى أولجا خالدة في تاريخ الأدب الروسي. كان مصير أولجا السجن 8 سنوات وحين خروجها من السجن قالت إنها كانت تعامل بكل حب و إحترام .. كانوا يحترموها رغم أنف السلطة . أولجا صنعت بوريس باسترناك .. نهد أولجا هزم دبابات الإتحاد السوفيتي .