لو يتخذ المفكرون العرب والمؤسسات الفكرية التي ترفع العروبة شعاراً في تسمياتها، جملة ابي العلاء المعري "لا إمام سوى العقل" شعاراً للعمل على تطبيقه بنبش التراث العربي واعادة احياء ما ارتكز فيه على العقل، وهو كثير، ودعا الى العلم والتفكر، بدءاً بمقولة "اعقل وتوكل"، حيث يسبق اعمال العقل والفكر الاتكال على الله في أي عمل، فكيف بالتفكر في العلاقات الانسانية.
تدور فصول هذا الكتاب ¶ على سبعة محاور هي: الانسان، الدين، التعليم، اللغة العربية والانترنت، قرارات تراثية، الربيع العربي، العلمانية، لكنها تصب في مشروع واحد عنوانه "لا امام سوى العقل" بحسب تعبير ابي العلاء المعري، الذي هزّ التكفيريون رأس تمثاله في معرة النعمان في سوريا، كي يقولوا انهم ضد العقل وكل رأس يفكر يقطعونه، وانهم ضد الفكر. يراهن البعض على ان تحقق انتفاضات "الربيع العربي" العدالة الاجتماعية" التي تستحقها الشعوب، خصوصاً في العالم الثالث، وعلى تحقيق حد ادنى من الحرية هي مرتجى الشعوب والجماعات والافراد على مرّ التاريخ، لكن الحقيقة ان كليهما لن يتحقق الا اذا ارتفقتا بتوعية فكرية وسياسية تتجاوز الطروحات السابقة الى مرام بعيدة جداً في الطروحات العقلية محمولة على موروث فكري حضاري قائم على العقل، متسع الجنبات في الفكر العربي والاسلامي، كي تستطيع هذه التوعية مواجهة الفكر الظلامي المتخلف الذي يعيدنا الى العصور البدائية، وليس الجاهلية، لأن هذه بذاتها كانت متقدمة كثيراً في نظمها وتقاليدها واعرافها على موجة العتمة التي تغلف منطقتنا. يرى حبيب عبد الرب سروري ان مؤسسات الثقافة العربية والجامعات غضت الطرف عن ابي العلاء المعري، حتى ان المناهج الدراسية الحديثة في لبنان - التي رمت خلفها كل حديث، فلا تستحق هذه الصفة – ألغت ابا العلاء المعري من منهاج التعليم الثانوي، كما الغت علم النفس، بمعنى انها الغت الدعوة الى العقل والى اعمال الفكر في حياتنا وذواتنا، فأين الحداثة في ذلك؟ اليس هذا المنهج مهّد بالغاء العقل والنفس للفكر الداعشي – الوهابي الذي قضم عقول الناس وهو يفتك بنفوسهم. ويقول ان ابا العلاء هو "مفتاحنا الى عصر العقل والحداثة... وبالميتافيزيقاً يحررنا من سطوة الميتافيزيقيا على تفكيرنا وحياتنا". ووجوب الاعتماد على العقل وليس على النقل يمكن ان نجد تبريره في قول بليز باسكال: "أسوأ الشر الذي يمارس بشراسة وبكل رضى يمارس باسم الدين!". يعطي سروري آلة العقل وهي الدماغ الاولوية في جسم الانسان فهو القائد في الحياة الانسانية، كما يجب ان يكون الإمام في الحياة الدينية، وهذا يقوده الى نظرية داروين. ولأن العقل هو الإمام يدعو الى كتابة التاريخ العلمي لدين الاسلام" لمعرفة سيرة كتابة القرآن الكريم بشكل مستقل عن الرواية الدينية الرسمية". فثمة اسئلة كثيرة حول "مصحف عثمان" الذي تقول الرواية الرسمية انه "جمع من نصوص مرجعية كتبت في حياة الرسول على الالواح والوريقات والاحجار وعظام الابل واحتفظ بها بعناية مطلقة. او من نصوص ظلت في "صدور" الناس حتى عهد الخليفة عثمان بن عفان، بعد حوالى 30 عاماً من وفاة الرسول: اين هو هذا المصحف؟ في اي متحف او مركز يمكن رؤيته؟". ويضيف: "لماذا احرقت وألغيت ما يروى انها صيغ اخرى من القرآن مثل "مصحف علي" الذي كان في خلاف مبكر مع سلطة اجتماع السقيفة ونواة من سيستولون عليها في العصر الاموي؟ لماذا ترجع اقدم النسخ الرسمية لنص القرآن، كما نعرفه اليوم، الى بدء القرن الثالث الهجري، وليس قبل ذلك؟ ولماذا لم يصلنا شيء من نصوصه المرجعية التي كتبت على الالواح وعظام الابل والاوراق والحجارة والتي تم الاحتفاظ بها بعناية مطلقة؟". وما هي "نسخة صنعاء" الموجودة في المانيا منذ سبعينيات القرن الماضي والتي تعتبر أقدم من النسخ المتداولة.
لا يغفل المؤلف الاساطير التوراتية التي تبنتها الكتب الدينية المسيحية والاسلامية، ولكن الاكثر اثارة نتائج بحث اجراه عالم النفس الاسرائيلي جورج تاماران على اطفال اسرائيليين حول دخول يشوع اريحا وقتل سكانها. طبعاً الاجابات بمعظمها ايدت هذا العمل! يندهش اتباع كل دين للخرافات في معتقدات ديانات الآخرين، ولا يراها في ديانته إن تنقية الدماغ من الخرافات لا يكون الا بالعلم الحديث والتعود على التفكير. ثم يجري المؤلف قراءات عن رد "رسالة الغفران" للمعري، ويروي السيرة الذاتية لسبعة جلادين كتبوا مذكراتهم "بسرد ادبي شديد الانسانية والرقة". وسيكتب التاريخ في المستقبل حقائق ستبدو كالخرافات عن معمر القذافي وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي وبشار الاسد وصدام حسين ونوري المالكي وآل سعود...