اعتراف صهيوني بتصنيع يمني متفوق للمسيرات    مدير شركة مصافي عدن: الأسابيع القادمة ستدخل الوحدات الانتاجية للخدمة    خشعة حضرموت ومكيل يافع مواقع عسكرية ستصيب الجنوب في مقتل    العدوان على قطر: كشف لزيف السيادة وضعف الدفاعات    موقع أمريكي: إسرائيل تلعب بالنار في اليمن ووجدت نفسها في حرب لا يمكن كسبها    حزب الإصلاح.. إعلام الوهم بعد فضائح وهزائم الجبهات    عدن.. تشكيلات مسلحة تقتحم مستودعات تابعة لشركة النفط والأخيرة تهدد بالإضراب    الجاوي يدعو سلطة صنعاء لإطلاق سراح غازي الأحول    مسؤول رقابي يتسأل عن حقيقة تعيين والد وزير الصحة رئيساً للمجلس الطبي الأعلى بصنعاء    تسجيل هزتين أرضيتين غرب اليمن    تكتل قبائل بكيل: العدوان الإسرائيلي على الدوحة اعتداء سافر يمس الأمن القومي العربي    تصفيات اوروبا لكأس العالم: انكلترا تكتسح صربيا بخماسية    تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم: كوت ديفوار تحافظ على الصدارة    مصر تقترب من التأهل إلى كأس العالم 2026    قطر: لم يتم إبلاغنا بالهجوم الإسرائيلي مُسبقًا ونحتفظ بحق الرد    قيادي في الانتقالي يستقيل من رئاسة مؤسسة هامة ويبين أسباب استقالته    مصر: إحالة بلوغر إلى المحاكمة بتُهمة غسيل الأموال    جامعة حكومية تبلغ طلاب قسم الأمن السيبراني بعدم قدرتها على توفير هيئة تدريس متخصصة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ شاجع درمان    بين جوع العمال وصمت النقابات.. حكاية الرواتب المؤجلة    أمين عام رابطة الجرحى بمأرب يتحدى الإعاقة ويحصل على الماجستير في الرياضيات    اليمن يودّع حلم التأهل إلى كأس آسيا بخسارة أمام فيتنام    الجراحُ الغائرة    اجتماع يناقش آثار إضراب المعلمين وآلية استقرار العملية التعليمية في شبام بحضرموت    إب.. السيول تغمر محلات تجارية ومنازل المواطنين في يريم وتخلف أضرارا واسعة    بحضور السقطري والزعوري.. إشهار جمعيتين متخصصتين في تنمية البن والعسل بعدن    لجنة الإيرادات السيادية والمحلية تتابع مستوى تنفيذ القرارات الصادرة عن اجتماعاتها السابقة    وداعاً بلبل المهرة وسفير الأغنية المهرية    دعوة يمنية لعودة اليهود من فلسطين إلى موطنهم الأصلي بلاد اليمن    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مكتب الصحة بالمهرة ويطلع على الخدمات المقدمة للمواطنين    وقفة احتجاجية لطلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا بعدن رفضا لرفع الرسوم الدراسية    نادي نوتنجهام فورست الإنجليزي يُقيل مدربه إسبيريتو سانتو    في ذكرى تأسيس الإصلاح..حقائق وإشراقات وإنجازات وتحديات    لحج.. غموض يكتنف تصفية مصنع حكومي لإنتاج معجون الطماطم بعد بيع معداته ك"خردة"    النفيعي: جئنا للمنافسة وسنلعب للفوز بالكأس.. والدقين: لن نفرط في حقنا أمام السعودية    الأرصاد يحذّر من أمطار غزيرة مصحوبة برياح وحبات البرد في عدة محافظات    تواصل فعاليات "متحف الذاكرة" بتعز لتوثيق معاناة الحصار وصمود أبناء المدينة    الاطلاع على تنفيذ عدد من مشاريع هيئة الزكاة في مديريات البيضاء    يا عزيزي كلهم لصوص    أزمة خبز خانقة في عدن    وفاة الفنان اليمني محمد مشعجل    منتخب اليمن الأولمبي أمام الإختبار الآسيوي المهم    خبير مالي يكشف عن نزاع بين البنك المركزي بعدن ووزارة المالية    حماية الجنوب.. رفض توظيف الدين لأجندات سياسية وحدوية يمنية    سامحوا المتسبب بموت زوجها وأطفالها الأربعة دون علمها.. امرأة تستغيث بالقبائل    الزبيدي يعطي الاهتمام لمصفاة عدن كركيزة هامة للاقتصاد الوطني    فريق القدس يتوج بطلا في ذكرى المولد النبوي الشريف    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    روسيا تعلن عن لقاح جديد "جاهز للاستخدام" ضد السرطان    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    طنين الأذن .. متى يستدعي القلق؟    بحشود ايمانية محمدية غير مسبوقة لم تتسع لها الساحات ..يمن الايمان والحكمة يبهر العالم بمشاهد التعظيم والمحبة والمدد والنصرة    وفيكم رسول الله    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (12)    مرض الفشل الكلوي (20)    اكتشاف تأثير خطير لمرض السكري على القلب    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن يريد اغتيال البابا فرانسيس الأول ؟
نشر في عدن الغد يوم 04 - 10 - 2014

من يريد اغتيال بابا الفاتيكان؟ أمراء الكنيسة، أم البعض منهم على وجه الدقة، والأمراء هم الكرادلة القائمون على شؤون الكنيسة الكاثوليكية التي يبلغ عدد أتباعها نحو بليون و250 مليون نسمة؟ أم «داعش» الذي أرسل إليه تهديدات بسبب مواقفه الأخيرة من الصراع في العراق وسورية؟ ربما يكون هناك من له مصلحة في إزاحة هذا البابا الذي وصف ذات مرة بأنه ماركسي، لا سيما أنه يمثّل حجر عثرة أمام حركة التوسع الإمبراطوري الأميركي الحديثة، ويشكل مأزقاً روحياً للرأسمالية في زمن العولمة المتوحشة. في أربعينات القرن المنصرم، تساءل الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في سخرية واضحة: «كم فرقة عسكرية يمتلك البابا؟»، ولم يعلم أنه سيتولى المنصب الروحي في ما بعد بابا من دولة شيوعية هو البولندي يوحنا بولس الثاني، ليدق المسمار الأخير في نعش الشيوعية، ما يعني أن الجالس على كرسي مار بطرس رجل شديد المراس نافذ التأثير في الحال والاستقبال.

لماذا الحديث عن اغتيال البابا أو موته؟ وهل هو أمر من قبيل ما يعرف بال Self Prophecy أي التنبؤات التى تسعي إلى تحقيق ذاتها بذاتها؟ على متن الطائرة التي حملته من كوريا الجنوبية إلى روما، كان البابا يشاطر الصحافيين أطراف الحديث، عندما قال: «بعد سنتين أو ثلاث سنوات» سألتقي الرب، ما يعني رحيله عن العالم، الأمر الذي ترك حالة من الحيرة، وفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات العميقة. فهل يدرك البابا الأخطار التي يتعرض لها نتيجة ثورته التي أحدثها في حاضرة الفاتيكان، أم أن لديه يقيناً بأن القوى المادية الظلامية حول العالم والتي يحاربها هي التي يمكن أن تتسبب له في هذا الرحيل المبكر، وهو الذي لم يمض عامين في منصبه البابوي؟

في منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي صرح نيكولا غراتيري؛ المدعي العام في إقليم كالابريا الجنوبي الذي يعد معقلاً لجماعة «ندرانيجتيا» الناشطة في عالم المافيا، لصحيفة «إيلفاتو كويتديانو» الإيطالية بأن حملة البابا فرانسيس الأول لتطهير مؤسسات الفاتيكان المالية من أي شبهة فساد، أزعجت التنظيمات الإجرامية وأثارت حنق دعاة الشر. والمعروف أنه منذ توليه مقادير السلطة الروحية في حاضرة الفاتيكان، يسعى البابا فرانسيس إلى العودة بالكنيسة إلى مفهوم كنيسة الفقراء بالمعنى الروحي، ودائماً ما استخدم عبارات السيد المسيح التي يوبّخ فيها الفاسدين «الشخص الفاسد جدير بأن يُعلّق في عنقه حجر الرحى ويُلقى به في البحر».

والشاهد أن الرجل عرف كيف يتموضع وسط المواضيع الأساسية المطروحة في زمننا الحاضر، أي الثراء والفقر، النزاهة والعدالة، الشفافية ودور المرأة. ويتابعه على وسائل الاتصال الاجتماعي مثل «تويتر» نحو عشرة ملايين شخص، واستطاع أن يعيد إلى صورة المؤسسة الكاثوليكية بريقها وحضورها حول العالم، بعد بابوية سلفه بندكتوس السادس عشر الذي كان متحفظاً ويتعرض كل ما يقوله للانتقاد على ما يبدو. يثور هنا تساؤل: هل هناك في داخل أروقة الفاتيكان من يخشى من كاريزما البابا الجديد؟

بالرجوع إلى دفاتر تاريخ حاضرة الفاتيكان القريبة، نجد أن البابا يوحنا بولس الأول، لم يستقر على الكرسي الرسولي إلا نحو شهر، وتثير وفاته المفاجئة حتى الساعة علامات استفهام، ذلك أنه أحدث أيضاً حالة من تطهير بنوك الفاتيكان ومحاربة الفاسدين داخلها. فهل سيواصل الكاردينال «ماريو برغوليو» (البابا فرانسيس لاحقاً) عمل لجنة مراقبة إصلاحات بنك الفاتيكان، المعروف باسم «معهد الأشغال الدينية»، والذي تأسس عام 1942؟ الحديث عن العلاقات بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي تمثلها حاضرة الفاتيكان وبين الولايات المتحدة الأميركية في حاجة إلى مؤلفات قائمة بذاتها، لا سيما إذا أردنا التطرق إلى فترة الحرب العالمية الثانية وما يشاع عن عمليات سرية كانت أطرافها ألمانيا النازية والحاضرة الفاتيكانية والإدارة الأميركية. غير أن بداية الثمانينات من القرن الماضي، شهدت واحداً من أهم فصول التعاون الفاتيكاني - الأميركي، على صعد عدة، مالية، واستخباراتية، وثقافية وإلى ما نحو ذلك.

في كتابه العمدة الحائز جائز «البوليتزر» الأميركية الشهيرة مرتين، «حروب الأشباح: السجل الخفي للسي آي إيه، لأفغانستان، ولبن لادن»، يحدثنا الصحافي الأميركي ستيف كول عن وليام كيسي؛ مدير الاستخبارات المركزية الأميركية في إدارة ريغان، وكيف أنه كان فارساً كاثوليكياً من مالطا، وتعلم على أيدي اليسوعيين، وملأت تماثيل العذراء مريم قصره، ميريكنول، في لونغ آيلند، في نيويورك، وشارك في القداس يومياً، وحفّز كل من طلب نصيحته على اعتناق الإيمان المسيحي. وما إن استقر في «السي آي إيه»، حتى بدأ يجمع مساعدات للعمليات السرية من خلال الكنيسة الكاثوليكية ليقدمها إلي محاربي الشيوعية في بولندا، وأميركا الوسطى، واخترق في بعض الأحيان القانون الأميركي. آمن كيسي بأنه سيحد من تمدد الشيوعية، أو يعكسه من خلال توسيع نطاق الكنيسة الكاثوليكية وقوتها. ولعل المثير في ذلك الوقت هو أن كيسي رأى أن الإسلام السياسي والكنيسة الكاثوليكية حليفان طبيعيان للاستراتيجية السرية التى صاغها في «السي آي إيه» بغية التصدي للإمبريالية السوفياتية.

على أن تلك العلاقة الأميركية الفاتيكانية تعدلت وتبدلت، لا سيما مع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض وإعلانه الحرب على العراق. في ذلك الوقت ادرك يوحنا بولس الثاني تلك الفكرة «الحرب الاستباقية»، وأرسل مبعوثاً خاصاً إلى الأميركيين، في محاولة لإثنائهم عن عزمهم، غير أن الكاردينال روجيه اتشيغاري فشل في مهمته بسبب عناد جورج دبليو بوش. لم يتوقع الأميركيون أن يكون البابا فرانسيس على هذا النحو من القوة والصلابة في مواجهة الرغبات السلطوية الأميركية في التسيد على العالم، عبر الأذرع العولمية والاقتصادية والعسكرية المختلفة. في البداية كان لرسالته الاجتماعية التي تشدد على رفض ما سمّاه «عولمة اللامبالاة»، و«امبريالية المال»، وقع كبير.

«من المحزن كم هو مخطئ البابا»، هكذا كتب الإذاعي الأميركي الشهير «ليمبوه» الذي يتابع برنامجه أكثر من 15 مليون أميركي والمعروف بمواقفه المحافظة، رافضاً انتقاد البابا أفكار الرأسمالية الحديثة، وقصد بالذات العظة التي هاجم فيها البابا فكرة إعفاء الأثرياء من الضرائب والتي أشار فيها فرانسيس الأول إلى أنها «فكرة تعكس ثقة فجة وسذاجة في مصلحة من يسيطرون على القوى الاقتصادية حول العالم».

على أن أكثر ما أزعج أعتى الدوائر المتنفذة في أميركا طوال عامي حبرية فرانسيس الأول، هو ربطه الحروب باستغلال العالم اقتصادياً. فقد تحدث البابا كثيراً عن العلاقة الجذرية بين المجمع الصناعي العسكري الأميركي وإن لم يذكره تصريحاً بإشعال الحروب حول العالم، من أجل المردود الرأسمالي غير المسبوق. هل بات البابا الروماني إذاً عثرة أمام حروب أميركا الاستباقية والفوضى المصطنعة القائمة عليها حول العالم، ولهذا وجب غيابه عن الساحة خلال عامين أو ثلاثة؟

ربما كان التدخل العلني من البابا في أزمة سورية في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي دليلاً على ذلك، فمناشدته زعماء العالم المجتمعين في قمة العشرين في بطرسبورغ، وجدت آذاناً صاغية لا سيما من الجانب الروسي لوقف الحرب التى كانت دائرة طواحينها ضد سورية، ما أعطى إشارة حمراء للأميركيين بأن نفوذ الرجل في تصاعد، وأن في الداخل الأميركي نحو 80 مليون كاثوليكي يستجيبون أوامره الروحية. ما يعني أنه بات قيمة مضادة ومحركة للمشهد السياسي الذي اختلط بالديني في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. وتجلى ذلك في المجابهة الكبيرة والقوية لكاثوليك أميركا لقوانين الرعاية الصحية التي تبيح الإجهاض، وتلزم رجال الدين الكاثوليكي بالموافقة عليه. ورسخ لدى كاثوليك أميركا أن أوباما خدع كبار قادة الكاثوليكية الأميركية، ومن بينهم الكاردينال تيموثي دولان الذي عُيّن رئيساً لمؤتمر الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأميركية. ففي اجتماع سيئ السمعة في البيت الأبيض، وعد الرئيس الأميركي دولان بأنه سيحترم حقوق الكاثوليك، ومؤسسات الكنيسة الكاثوليكية، ولن يجبرها على تغطية أمور مرتبطة بالإجهاض، معتبراً أن الإدارة ستغير سياستها في ما يتعلق بالمؤسسات الدينية. لكن دولان أقر لاحقاً بأنه تعرض للتضليل، ولذلك بات كاثوليك أميركا يصفون الرئيس أوباما بأنه «سيد الخداع». هنا قد يتساءل البعض: وهل موت فرانسيس الأول ينهي المواجهة بين الحق والباطل، العدالة والظلم؟

الرجل، على أية حال، يعتبر أن أخطر الشرور التي تلم بالعالم اليوم هي بطالة الشباب ووحدة العجزة الذين يحتاجون الى الرعاية والمرافقة، في حين يحتاج الشباب إلى العمل والأمل، إلا أنهم مجردون من هذا وذاك، والمشكلة أنهم توقفوا عن البحث عما هم في حاجة إليه. والخلاصة أنه مهما يكن من شأن مؤامرات المافيا أو عداوات الأميركيين لفرانسيس الأول، إلا أن الرجل استطاع تقديم بوصلة أخلاقية قادرة على أن تؤثر وتساهم في تغيير نظرة البشرية الى المؤسسة الفاتيكانية، بعد عقود من الربط بينها وبين السياسات المحافظة سياسياً واجتماعياً، وفي تغيير الكنيسة نفسها، بحيث يساهم ذلك في تحسين أوضاع البشرية عموماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.