بعد 17 يوماً من الانتظار، وإثر سقوط العاصمة اليمنيةصنعاء في قبضة الحوثيين وميليشياتهم المسلحة، اتخذ الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور قراراً جمهوريا حزم به متاعه وعتاده، ان صح التعبير، للخروج أخيرا من قصر بعبدا ونفض عباءة السيد عبد الملك الحوثي الإيرانية من على كتفيه، وعدم الإصغاء لإملاءاته. أصدر الرئيس ذلك القرار يوم الثلاثاء السابع من اكتوبر/تشرين الأول، ويقضي القرار بتعيين مدير مكتبه الرئاسي، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيساً مكلفا بتشكيل حكومة الكفاءات التي طالما تغنى بها انصار الحوثيين ونشدوها في مظاهراتهم التي أوصلتهم مع سطوة السلاح وعوامل أخرى إلى السيطرة على عاصمة اليمن بكافة مؤسساتها السيادية والأمنية.
الرئيس هادي فاجأ الجميع، وأولهم الحوثيون انفسهم، بقراره الجمهوري الجديد، الذي قضى بتعيينه بن مبارك رئيساً للوزراء خلفا للدكتور محمد باسندوة الذي استقال أواخر الشهر الماضي. واعتبر مدير المكتب السياسي لانصار الله الحوثيين القرار بانه قرار خارجي، ولا يوافق عليه الحوثيون، لأنه أخل باتفاق الشراكة الموقع بينهم وبين الرئاسة اليمنية عقب سيطرة انصار الله على صنعاء، وان الرئيس هادي اتخذه بعد لقائه السفير الأمريكي السيد ماثيو تولر، ولم يعرف عنه شيئا ممثل انصار الله الذي يحضر جلسات التباحث والحوار مع الرئيس اليمني إلا عقب إعلانه من قبل الرئاسة اليمنية إعلاميا وتسمية بن مبارك رئيساً للحكومة.
وأسهب الحوثيون بالقول ان تعيين بن مبارك رئيساً للحكومة اليمنية لا يلبي تطلعات الشعب اليمني الذي خرج للشارع مطالباً بإسقاط حكومة الدكتور محمد سالم باسندوة، كما ان الدكتور أحمد عوض بن مبارك لا تنطبق عليه معايير النزاهة والكفاءة من وجهة نظر الحوثيين. لكننا لا نعرف بالضبط ما هي تلك المعايير الحوثية.
ومن وجهة نظرنا كان اختيار الرئيس هادي للدكتور أحمد عوض بن مبارك رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة قراراً صائبا، لأن الدكتور بن مبارك رجل وطني ويداه غير ملطختين بالفساد، مقبول شعبياً ويتمتع باحترام عربي ودولي، دكتوراه في الإدارة، ولديه عقل متعلم ومنفتح.
نعود لنقول هل يكون قرار الرئيس هادي بالخروج من قصر بعبدا في صنعاء نهائيا وان يصر على بقاء الدكتور أحمد عوض بن مبارك رئيساً للحكومة أم انه سيتراجع عند أول تصعيد حوثي ويعود للقصر ذاته من النافذة بعدما عجز عن الخروج من دار الرئاسة لأداء صلاة العيد في مسجد الصالح وأداها في ملحق للاجتماعات؟
فإذا كان الرئيس هادي فضل عدم مواجهة الحوثيين وميليشياتهم عسكرياً في عمران في شهر رمضان وجر إلى ذلك مرغماً عن طريق اللواء الراحل الشهيد حميد القشيبي، وكذلك في صنعاء بسبب مغامرة مستشاره العسكري لشؤون الدفاع والأمن الجنرال المنفي باختياره في العاصمة السعودية الرياض، اللواء علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، المنطقة العسكرية السادسة، التي سقطت في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الفائت في قبضة الحوثيين المسلحين، فيكيف سيواجه الحوثيين عسكريا الآن وقد ضعف في ميزان القوى، ولم تعد في صالحه، بكل المقاييس، عدا ألوية الحرس الرئاسي التي تحميه في منزله بشارع الستين!
ربما لن تستطيع حمايته من الزحف الحوثي المسلح مع تعاظم غنائمهم العسكرية بعد نهب أسلحة ودبابات الفرقة المدرعة التي كانت آخر الحصون التي كانت ستحميه، لو لم يكن هنالك شبه اتفاق رئاسي مع الحوثيين وبمباركة أمريكية لشيطنة حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن وكسر شوكته وقياداته العسكرية التي توفر له الحماية العسكرية.
في اعتقادنا ان خيار الرئيس هادي هو بمواجهة الحوثيين عسكريا إذا استمروا في رفضهم لقراره حول تعيين بن مبارك رئيساً للحكومة، لأن هيبة الجيش اليمني انهارت مع انهيار صنعاء أمام الزحف الحوثي المسلح، وفقدت الدولة اليمنية هيبتها بأمر وزيري الدفاع والداخلية الجنود بتسليم المنشآت الحكومية والمقار السيادية للحوثيين دون مقاومة واعتبارهم أصدقاء.
اليمن هي بلاد العجائب ولا نبالغ إذا ما قلنا بلاد المفاجآت أيضاً، فلا تستطيع ان تتكهن ماذا سيحدث.
فمن ينتصر اليوم ربما يخسر غدا، لكن ما يمكننا قوله ان اليمن بات يواجه مفترق طريق صعب وشديد الوعورة، وقد يعود إلى المربع الاول، مربع الاقتتال والعنف في أي لحظة قادمة، وكذلك الحكومة المرتقبة نجزم انها ستواجه مخاضاً عسيراً، وربما ولادة قيصرية على أيدي أطباء وخبراء غير يمنيين. فالخناق يضيق على الرئيس هادي كل يوم، وبات في زاوية ضيقة لا يحسد عليها، إما ان يكون تابعاً للحوثيين أو ان يكون ميشال سليمان آخر في صنعاء، وربما يكون رئيساً يمنياً لكل اليمنيين ويعمل على مواجهة الحوثيين بقدر ما يستطيع حتى لو كلفه ذلك حياته، خصوصا انه قال أكثر من مرة انه سيقاتل هو وأبناؤه في منزله في شارع الستين الغربي حتى النصر أو الموت، ولن يغادر أو يهرب إلى عاصمة غربية أو منفى عربي .