أروع وأبدع جملة وعبارة قرئتها في صحيفة ( عدن الغد ) وفي كليشتها الثابتة بجوار اسمها وأسرة تحريرها هي العبارة التقليدية : الأخبار إلى مصادرها والآراء المنشورة بالصحيفة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر القائمين بل تعبر عن كتابها ) وهذه الجملة والعبارة الواردة في صحيفة عدن الغد قد شجعتني على إرسال مقالي هذا إلى الصحيفة على أمل أن تنشره لي هذه الصحيفة الحرة التي يتسع صدرها الديمقراطي للآراء حتى وإن كانت تختلف مع توجهات الصحيفة وأهدافها وخطها الأيدلوجي أو برنامجها السياسي وموضوع مقالي هذا يتناول محاولة لإعادة قراءة الرؤية التي قدمها الرئيس الجنوبي البيض إلى رئيس مجلس الأمن ومدى دقة تشخيصه لجذور قضية الجنوب وما هي المقولات أو التصريحات أو الكلام الذي نسي أو تناسى أو تجاهل ذكره أو حجبه وكان أفضل لو أنه ذكره من أجل وضوح وجلاء موضوعه الذي طرقه ومن أجل تعميقه ومنحه مصداقية أكثر وتطابقا ً مع الواقع الذي تحدث عنه في رسالته تلك إلى رئيس مجلس الأمن ومقالنا هذا ليس هدفه الانتقاص من رؤية هذا الزعيم الجنوبي القومي والعروبي بل هو محاولة لإثراء تلك الرسالة من كاتب ومواطن رأى في رسالة ذلك الرئيس المناضل من أجل قضية شعبه شيئا ًَ ناقصا ً فأراد استدراك ذلك النقص أو التجاهل أو النسيان أو السهو والخطأ الذي يعتري أبناء آدم جميعا ً لأن الكمال لله وحده ولا أظن بأن صحيفة عدن الغد سترفض نشر وجهة نظري هذه وهي الصحيفة الجامعة التي عودتنا على الحرية والديمقراطية واحترام الرأي الآخر المخالف واحترام قول الحقيقة وإن كانت مرّة وثقيلة عند سماعها وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في قرآنه بأن أكثر الناس للحق كارهون . فكان لا بد من كتابة هذه المقدمة أو الديباجة قبل الدخول في معرفة ما لم يقله الرئيس البيض في رسالته تلك أو تعمد إغفاله من خلال استشفاف ما صرح به في رسالته إلى رئيس مجلس الأمن أو ما يسمى في علم اللغة باب المخالفة أو دليل الخطاب أو ما يطلق عليه في علم اللسانيات الحديث بالمخاتلة أو المسكوت عنه . في بداية رسالته يقول الرئيس البيض : (( أبعث لكم ولأعضاء المجلس الموقر تطلعات شعب الجنوب إلى الجهود التي تبذلونها لاستئناف النظر في جذور الأزمة القائمة بين اليمنوالجنوب العربي ... )) وللتعليق على هذه الفقرة من كلام البيض يشعر القارئ بأن مجلس الأمن الدولي في الوقت الراهن مشغول بفصل أو بفك الارتباط بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولا يهمه وحدة اليمن بشطريه كما صرح بذلك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر وقراري مجلس الأخيرين حول اليمن اللذين نصا على الحفاظ على وحدة وأمنه واستقراره وذكر الرئيس في كلمته تلك مصطلح الجنوب العربي أو شعب الجنوب عدة مرات إيحاءا ً منه وتأكيدا ً على أن هناك شعب اسمه وهويته جنوبية وتناسى الأستاذ البيض أو تجاهل أو تغافل بأن مصطلح الجنوب مصطلح جغرافي له علاقة بالجهات الأربع شرق عربي ومغرب عربي وجنوب عربي وليس هو مصطلح هوية عرقية أو اثنية أو له علاقة بالجنس البشري وجنوب السودان فالرياح جنوبية شرقية أو شمالية فهناك جنوبلبنانوجنوباليمن بشطريه وعمان هما في جنوب الجزيرة العربية كموقع جغرافي لا عرق من الأعراق كالأمازيغ أو البربر أو الأكراد أو الشركس أو الغجر أو التشيك والسلاف والدليل على ما نقول أن الرئيس البيض في رسالته قال : إن الجنوب العربي كان السابق عبارة عن سلطنات وإمارات تحكم نفسها بنفسها .. وعن حديثه عن حق تقرير المصير فإن القوانين الدولية تعرّف حق تقرير المصير بأنه لا يكون إلاَّ حين تكون هناك أقلية أو أكثرية مضطهدة تحت حكم أو احتلال أكثرية أو أقلية مستبدة ومسيطرة أو حاكمة بينهما اختلاف في الجنس أو العرق أو الدين كما هو حاصل الآن بين الدولة الصهيونية وفلسطين أو كما كان حاصلا ً بين أقلية بيضاء تحكم أكثرية سوداء في جنوب أفريقيا وحصل بينهما تمييز عنصري واضطهاد وظلم أما عندنا في شمال اليمن أو في جنوبه فالتاريخ والجغرافيا يقول بأننا جنس واحد ودين واحد وعقيدة واحدة وإن لم نتوحد عبر التاريخ فيافع في التاريخ اليمني هي سرو حمير وحضرموت هو حضرموت بن شرحبيل بن سبأ وعندما ذهبت القبائل من جنوب الجزيرة العربية وبالذات من حضرموت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقولوا له لقد جئناك من حضرموت بل قالوا له : لقد جئناك من اليمن .. فعن أي يمن يتحدثون ..؟! إن الرئيس البيض يقول لرئيس مجلس الأمن : إنني أضع أمامكم جملة من الحيثيات والحقائق حول جذور وطبيعة النزاع القائم بين اليمن و الجنوب العربي )) ولا نرى على أرض الواقع في الجنوب إلاّ شعب يرفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولا يرفع علم الجنوب العربي الذي تحدث عنه عشرات المرات في رسالته تلك لكي يؤكد بأن هناك هوية اسمه الجنوب دون أن يثبت ذلك بدليل ملموس أو مشاهد من أرض الواقع لأن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قامت من أجل طمس مشروع إتحاد الجنوب العربي الاستعماري الأنجلو سلاطيني البغيض الذي قام من أجل إلغاء الهوية اليمنية عن الجنوبيين وسياسة الاستعمار هي (( فرّق تسد )) كما هو معروف والدليل أن الرئيس البيض ذكر في رسالته تلك أنه في عام 1918م حدثت مناوشات عديدة بين الإمام يحيى ملك المملكة المتوكلية اليمنية وبين الإنجليز وتم ترسيم الحدود بين مملكته وبين محميات عدن الغربية والشرقية وهذه هي التسمية التاريخية الصحيحة أما تسمية الجنوب العربي فهي تسمية الاستعمار الإنجليزي الذي عامل أبناء الشمال القادمين للجنوب كأجانب ومن دولة ثانية وسمى المحميات بهذا الاسم ليحمي عدن وما حولها من الشعب اليمني في الشمال بقيادة الإمام ولكي يفرق بين اليمني في الجنوب عن أخيه اليمني في الشمال وهذا هو أسلوب فرّق تسد الاستعماري ولا أدري ما الذي يجعل زعيم عربي وقومي بوزن الرئيس البيض يتحول من زعيم موحد ومجمع ومؤلف إلى زعيم يدعو إلى الفرقة وإعادة التشطير وهو الذي شارك في التوقيع على إتفاقية الوحدة وعليه ألاّ يلوم الطرف الآخر الذي لم يلتزم بإتفاقية الوحدة بل يلوم نفسه أيضا ً لأنه كان رئيسا ً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان ينبغي عليه أن يستفتي شعبه في الجنوب على إتفاقية الوحدة وكان عليه أن يضع في إتفاقية الوحدة شروطا ً وضمانات لتنفيذ بنود الوحدة وتحقيق أهدافها وكان عليه أن يتصل بالمجتمع الدولي ويجعل العالم يشهد على شريكه في الوحدة من الشمال بأنه هو الذي أعلن الحرب وشنها على الجنوب لا أن يرد عليه بصواريخ سكود المجرّمة دوليا ً على الشمال وكان ينبغي عليه أن يدرس سيكلوجيا الشعب في الشمال قبل أن يطلب وحدة اندماجية هكذا دفعة واحدة بقرار متسرع ودون رجوع لشعبه في الجنوب ولكن يبدو بأن شعار لا صوت يعلو على صوت الحزب هو الذي جعل هذا الزعيم لا يعود إلى شعبه إلا ّ بعد أن وقع الفأس بالرأس وها هو الآن يدعو إلى فك الارتباط ليكفر عن خطيئته السياسية وقراراته المتسرعة وضميره يؤنبه لأنه يشعر بأنه ورط الجنوبيين في وحدة غير مدروسة مع الشماليين وأن عليه واجب اليوم أن يعيد تصحيح الخطأ السياسي الذي ارتكبه بأن يناضل باستعادة دولة الجنوب مع أن هذا المطلب في تفكيره يتناقض مع مبادئ الزعيم العربي القومي الوحدوي المتواجد في السياسة والحكم منذ ُ أول حكومة بعد الاستقلال بزعامة قحطان الشعبي ودولة فيصل الشعبي الذي نادى إخوانه في شمال اليمن ودعاهم إلى الوحدة مع الجنوب في خطابه الأول بداية تقلده السلطة واستلامها بعد الاستقلال مباشرة ..
ويبدو بأن أغنية العندليب الأسمر : اللّي شبكنا يخلّصنا تزعج ضمير الرئيس البيض وأن عليه القيام بتخليص الجنوبيين من الوحدة مع إخوانهم الشماليين وتسليم الراية للشباب في الجنوب وعندها سيرتاح ضميره وإلا فليقل لنا الأستاذ البيض لماذا هو ساكت نصف قرن من الزمان ولم يذكر الهوية الجنوبية إلا ّ بعد اختلافه مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وظل كل هذه المدة من الزمن لا ينكر الهوية اليمنية عن الجنوبيين إلا ّ بعد مطالبته بفك الارتباط وكأن إنكار الهوية اليمنية عن الجنوبيين ستعيد له الأرض والشعب أو تحقق له الحرية والاستقلال كان ينبغي على الرئيس البيض أن يلجأ إلى مجلس الأمن في حالة عدم التزام الطرف الثاني الذي وقع معه اتفاق الوحدة عام 1990م وبالذات بعد التوقيع على اتفاقية العهد والاتفاق في الأردن وكان ينبغي على الأستاذ البيض كنائب لرئيس الجمهورية اليمنية آنذاك أن يشرح للمنظمات الدولية السياسية والحقوقية والقانونية تلكؤ الرئيس السابق صالح وتخليه عن القيام بالتزاماته في تنفيذ وتحقيق مبادئ الوحدة التي وقعوا عليها في عدن وبذلك يكون قد ساهم في عدم حدوث حرب مشئومة راح ضحيتها الآلاف من أبناء الوطن شمالا ًوجنوبا ً من الجيش والأمن والشعب ناهيك عن الخسائر الفادحة والممتلكات العامة والخاصة وحينها كان المجتمع الدولي سيتجاوب مع شكواه ومطالبته بفك الارتباط وبالحرية والاستقلال أما وقد تغيرت الظروف من عام 1990م واستجدت أمور جديدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وتغير موقف دول الخليج من قضية الجنوب وصدرت قرارات جديدة من مجلس الأمم حول الوضع في اليمن وأن على الجميع أن يتحاورون ورفض الرئيس الحوار الوطني الشامل في صنعاء وكان برعاية أممية وخليجية مع أن القضية الجنوبية في ذلك الحور هي العمود الفقري والأساس لذلك الحور بل هي أس المشكلة والجنوبيون ممثلين في ذلك الحوار بما نسبته النص وهذا معناه أن الندية موجودة بين ممثلي الشمال والجنوب ناهيك عن أن رئيس البلاد من الجنوب فلا بد أن يتعاطف مع أهله ومسقط رأسه ومع القضية الجنوبية ومع ذلك رفض الأستاذ البيض هذا الحوار وكأنه لا يعنيه مع أنه دائما ً ما يطلب من المجتمع الدولي أن يدير حوارا ً نديا ً بين ممثلين عن الجنوب وممثلين عن الشمال فلم يبق َ أمامه إلا َّ شيء واحد هو بقاء البلد مزعزعا ً قلقا ً تسوده الفوضى وانعدام الأمن وهذه روح العدائية والانتقام اليائسة ولا أظن أن الزعيم القومي أو العروبي البيض تنطبق على أخلاقه ومشواره النضالي المقدر والمحترم والطويل إنما هذه تصرفات إنسان آخر محبط ومكلوم تناساه الكل فأراد أن يتذكره الناس فطبق مقولة " (( خالف تعرف )) والرئيس البيض بريء من هذه التهمة ومن هذه الأوصاف ... الرئيس الجنوبي الأستاذ / علي سالم البيض يطلب من مجلس الأمن الدولي الشروع في إعادة النظر في جذور القضية الجنوبية منذ ُ دخول الكابتن هنس عدن وبالتحديد منذ ُ 19 يناير 1939م ودخول الجنوب تحت الاحتلال البريطاني إنه يتحدث عن حقوق تاريخية وتناسى الأستاذ البيض بأن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الصهيوني العنصري منذ ُ سبعين عاما ً لا يطالب بالحق التاريخي لفلسطين منذ ُ 48م بل يطالب بدولة مستقلة منذ ُ 67م ومع ذلك لم توافق الدولة العبرية على الاعتراف بحقهم وترمي بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية وبحقوق الفلسطينيين عرض الحائط ولا تأبه بمجلس الأمن ولا بقراراته ومعها الفيتو الأمريكي .
فكان أولى وأجدر بالرئيس المحنك البيض أن ينتهج سياسة واقعية ويحضر ممثله إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل ويفوت الفرصة على من يتهمه بعدم الحوار وهو من فترة طويلة يطالب مجلس الأمن بحوار ندي بين الشمال والجنوب 50×50 نصف بنصف أو مناصفة ندية متكافئة ومع ذلك استمر على عناده وفي نفس الوقت يطالب بحق تاريخي منذ ُ1939م ولا يطالب بدولة الجنوب منذ ُ 22 مايو 1990م والمسماه في مجلس الأمن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وليس دولة الجنوب العربي مع أن جمهورية اليمن قد اندمجت في مجلس الأمن جمهورية واحدة اسمها الجمهورية اليمنية مع الجمهورية العربية اليمنية وأصبحت هوية لدولتين في هوية واحدة في الجامعة العربية أما كلام الرئيس البيض عن رأي الجنوبيين في الوحدة وكلامه عن دولة بنظام فيدرالي وديمقراطي وتعددية سياسية وتداول سلمي للسلطة وحريات وحقوق إنسان فهذا سيظهر بعد الإستفتاء على دستور الدولة الإتحادية ودولة الأقاليم التي ينبغي أن ينتظم الجميع فيها بدلا ً من المكابرة والعناد والعمل بقانون إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .