البعبع الأمريكي الذي وضعته أمريكا في المنطقة العربية لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية لا زال يتسع في الرقعة العراقية السورية وكأنه من حشائش البحر التي تنمو 10سم في اليوم الواحد، لكن البعبع الأمريكي أي تنظيم الدولة الإسلامية ينمو ويوسع من رقعته في العراقوسوريا دونما الاهتمام لكل ذلك الحشد الذي ينوي استئصاله وإعادته إلى نقطة الصفر، وخلف كل ما يحدث تبقى أشياء غامضة وطلاسم لا تقرأ لا يعلمها العربي المسكين وقادتنا النائمين نومة أهل الكهف. أليس بمقدور الولاياتالمتحدة وأجهزتها الاستخباراتية أن تكشف عمن يقف وراء هذا الجماعة بل وراء هذه "الامبراطورية" الدموية ويمولها بالمال والسلاح والرجال؟ بلا تستطيع أمريكا بقوتها المخابراتية والعسكرية والاقتصادية أيضا، تستطيع أن تكشف عن أسرار هذا التنظيم بلمح البصر وتزيله من على شيء اسمه الكرة الأرضية، لكن لا يستبعد أن تكون هذه الخطة المتعددة الخيوط تحاك من داخل الكونجرس عينه، والكشف عنها لن يخدم سياسات واشنطن ويحقق لها مكاسبها السياسية والاستراتيجية على الأرض العربية، لذا فهي ترى أن الوقت لم يحن بعد لإنهاء اللعبة وفك الطلاسم. تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر اليوم على ضعف مساحة سوريا من جانبي العراقوسوريا ذاتها، وطائرات التحالف الدولي العربي التي تقصف مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية لم تجدي نفعا ولا ضراً بل أصبحت كالفأس الذي يقطع فرع شجرة لتغصن بأكثر من فرع. بدعوى حماية حقوق الإنسان وتمدد هذا التنظيم الإرهابي دخلت أمريكا في موضوع محاربة (داعش ) ودعت إلى لم الشمل العربي والعالمي للوقوف في وجه هذا التنظيم الإرهابي، وإلى الآن لا زال الواقع على الأرض كما هو بل زاد قوة وانتشار وهذا يعني أن أمريكا لم تقرر بعد أن تقتل وحشها، وهي الوحيد من يستطيع قتله. عندما كان بشار الأسد يقتل المدنيين في سوريا بمختلف الأسلحة ومنها الكيماوية، كانت واشنطن تعرب فقط عن قلقها، أما عندما وصل تنظيم داعش إلى القرب من تركيا(عين العرب كوباني) قررت أمريكا أن تضرب هذا التنظيم كونه يهجر الناس من ديارهم ويذبح آخرين إضافة إلى كونه يهدد أمن العالم والمنطقة، هذا عذراً أقبح من ذنب تتغزل به واشنطن مع العربي المغلوب على أمره، فعين العرب كوباني هي جزء من حلب وهي بمثابة الفرع من الأصل وعندما كان الأصل يحترق لم تصل خراطيم المياه الأمريكية لتوقف هذا الحريق. أمريكا أصبحت اليوم على الحدود التركية تحلق بطائراتها الحربية والاستطلاعية ولا يستبعد أن تكون تركيا قد رسمت في خارطة أمريكية بكل تفاصيلها الدقيقة، الأمر في عين العرب لا يتعلق بعين العرب ذاتها بل له مآربه الأخرى هكذا تنظر واشنطن وليس كما ينظر الإعلام. في عقد الثمانينيات من القرن الماضي اصطدمت العراق بحرب طاحنة مع إيران استمرت لثمان سنين على خلفية الجزر المتعارض عليها وكانت الولاياتالمتحدة تقدم كامل الدعم للعراقيين علناً، لكنها في المقابل كانت تقدم دعماً خفياً لإيران والهدف من وراء كل هذا أنها تريد استمرارية الحرب لأن مصالحها المدروسة لم تحقق بعد وليس أمامها من خيار إلا أن تشغل العالم بالحرب وتوهمهم به وتقدم نفسها كفاعل الخير لا أكثر، ذلك التعاطي يشبه تماماً تعاطيها-أي أمريكا- اليوم مع الوضع في عين العرب ،فقبل أيام صرحت أنها ستقدم دعماً عسكرياً يتمثل في أسلحة وذخائر لمقاتلي الأكراد على الأرض في عين العرب ليتمكنوا من مواجهة تنظيم داعش، قوبل الأمر من قبل أردغان بالاعتراض كون هذه الخطوة غير صحيحة ومن تقدم إليهم أمريكا الدعم هم إرهابيين أصلاً لأنه وبلا شك-أي أردغان- يشعر ويعلم جيدا أن ما يحث في عين العرب ليس وضعاً طبيعياً بل تخطيطاً مفتعلاً لتحقيق مكاسب معينه قد تصل إلى وسط اسطنبول. وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) لم يتفق في القول ولا في العمل مع أردغان بشان هذه الخطوة بمبرر أن عدم دعم الأكراد أمرٌ غير أخلاقي لا تقبله واشنطن، أما عما يشبه تعاطي أمريكيا مع الحالة العراقيةالإيرانية في الثمانينات هو أن الأسلحة التي أسقطتها طائرات التحالف وقع الكثير منها في يد مقاتلي داعش إن لم نقل أغلبها وهذا لم يكن خطأ فقط بل كان خطأ متعمداً يدعم استمرارية الحرب في عين العرب. إبرة أمريكا ستبقى في عين العرب حتى تحقق كل ما في خاطرها، ولا أحد يمكنه أن يوقف هذا السرطان المستشري في الجسد العربي إلا أمريكا نفسها، فالعقار الوحيد لهذا الفيروس لا يوجد إلا مع من اخترع هذا الفيروس بذاته، وستضل إبرة أمريكا في عين العرب حتى تتحقق كل مآربها المنشودة.