لست على معرفة قريبة بهذا الرجل ، ولكن ربما صيته وسمعته النضالية تجبرك على ان تحاول الاقتراب منه والتعرف عليه أكثر فأكثر ، خالد الجنيدي الذي لطالما كان رجل يحب ان يكون مناضل ميدانيا اكثر من ان يكون سياسي دبلوماسي متنقل من مطارا الى مطار ومن فندق الى أخر في عواصم دول الخارج بشهادة من يعرفه ومن هو قريب منه. وربما ان المضايقات التي تعرض لها الرجل بحياته وعدد المرات التي زج فيها الى سجون وغياهب معتقلات السلطات المتنفذة خير براهن على ان هذا الرجل كان مصدراً مقلقا ً لجحافل النفوذ الشمالي وعناصره المنجزة في مدن الجنوب كافة. ان تصل درجة الحقد والبغض الدفين التي تمتلكه عناصر الامن اليمنية الفالتة في الجنوب على الأقدام بوحشية وبدون انسانية لقتل هذا الرجل مباشرة وهو على متن سيارته دون ان تمهله الحديث معهم ، فهذا يعني ان الرجل كان يشكل خطراً محدقاً بأولئك القتلة او من خطط ورسم لهم أن يتم التخلص من هذا الرجل الغيور والمناضل الشرس والذي كان صنديداً بوجوه العتاة الذين طغوا في الجنوب فساداً وافسادا ولا زالوا.!
خالد الجنيدي الذي لطالما لمن يكن لي شرف مصافحة يده حتى ولو بصدفة عابرة ، احسست اليوم وكأني أهدرت فرصة حين ما حضرت مسيرة الأفراج عنه في المرة الأخيرة من سجن المنصورة المركزي وهي المرة الأولى والأخيرة التي اشاهد فيها هذا البطل وهو محمولاً على أكتاف الثوار حيث زف هو ورفيقه أنور أسماعيل الى ساحة العروض كانت حينها الفرصة سانحة لي ان القي السلام عليه ، أجد نفسي اليوم فرطت في ان اسلم على بطل خالداً سيخلده التاريخ في سجلات الأبطال الذين يبحثون عن حرية أوطانهم مهما كلفهم ذلك ثمنا .
لا أعتقد ان الشهيد خالد "الخالد" لا يدرك انه قد تتعرض حياته للخطر وأنه قد يتعرض للخلاص والموت في أي لحظة لم تطرى على بال احد بسبب نشاطه الذي ازعج سلطات النظام الهالك بصنعاء ، لكنه ورغم ادراكه بذلك لم يأبه بمصيره وظل صلباً على موقفة الذي عُرف به حتى وفاه الأجل على ايدي حثالة الأمن المحتلة و بمقابل حفنته من الريالات هدروا دمه بثمن بخس.
ليس من الغريب ان يُقتل الشهيد خالد الجنيدي ويبقى أولئك المغرضون في أمان دائم منشغلين بصراعهم على البقاء في المناصب من أجل الجاه ، وشتان ما بين من يبحث عن وطناً وكرامةً ويمت على ذلك وبين من يبحث عن جاه ومنصب ويرجوا الرحمة للبقاء طويلاً لأجل ذلك.
أن رخاصة الدم الجنوبي ستُفني من تبقى من المخلصين والشرفاء الأوفياء لوطنهم كأمثال الشهيد "الخالد" خالد الجنيدي وغيره مالم يتم أتخاذ الخطوات الجدية والحاسمة للذود عن حياتهم الغالية ، حتى لا ينتهوا ويتسلق على ظهورهم أو يتحدث بمناقبهم البطولية من لا يستحقون البقاء في أحضان الوطن الذي لم يكلفوا أنفسهم عناء التضحية لأجله بقدر ما يزيدوا على كاهله من الأوجاع والمآسي.
لا أدري ان كانت المكونات الجنوبية التي ارهقت الثوار بسبب خلافاتها وصراعاتها المقيتة ستدرك الان خطورة المرحلة الهامة التي يمر بها الجنوب حين أعلن عن التصعيد الثوري وأن ذلك التصعيد لا يحتاج الى مزيدا من الصراع والخلاف الذي لن يزيد الا تأخراً في الوصول الى الأهداف التي فوتتها على الجنوب في الثلاثين من نوفمبر الماضي بسبب صراعها وتعنتها وانغلاقها على بعضها .
أن الوقت لن يكون في صالح الجنوب وقيادته بقدر ماهو لصالح قوى النفوذ المحتلة للجنوب وذلك من خلال ترتيبها لصناعة الخطط التي تسعى للنيل من قيادات وشرفاء الجنوب المخلصة والذي لن ينجوا منها احد مستقبلاً.
وعليها ان تدرك بان وقت المساومة والمفضاة بأرواح الناس لن تزيد الشارع الا غضباً قد ينعكس عليها كون أن الشعب قد اعطى له فرصة جديدة بعد أن دمرت الدولة الجنوبية السابقة وزجت بها في الوحدة المشؤمة التي لم تبقى ولا تذر شيئاً جميلا في الجنوب ، بل أنها عبرت على الأخضر واليابس وذلك بفعل ممارستها وعقلياتها المتعصبة والمنغلقة .
وأن تكرار الماضي والمكوث طويلاً في دائرة الصراع والخلافات الجنوبية الجنوبية لن يدوم طويلا اذا ما بدت تلك القيادات حسن نيتها في الخلاص من ماضيها العفن تقديرا لأرواح الشهداء الأبطال الذين يتساقطون واحدا تلو الأخر.
أن يتعرض أمثال شهيدنا المقدام الى التنكيل والملاحقة والمضايقة والاعتقال والتعذيب المتواصل وصولاً الى التصفية الجسدية فهذا يعني أن هؤلاء هم القادة الحقيقيون الذين لطالما كانوا مصدر قلق ورعب دائم لمرتزقة وبائعي الأوطان على ابواب العواصم وان غيرهم من القيادات التي ربما تكون اكبر من الشهيد خالدا مكانتاً قيادياً ورفعة في الصيت لا تتعرض للمضايقة ولا لتنكيل ولا شيئاً من هذا القبيل لعمري ان ذلك يعود لعلاقاته الوطيدة بنظام الفُجر والجُور بصنعاء وما يدريك ان احدهم ما قد يكون اداة ممن باعوا ضمائرهم قبل وطنهم من الأدوات المساعدة في التخلص من أمثال شهيدنا "خالد الذي سيظل خالدا " فلتنم قرير العين ايها البطل "الخالد" ولازال الوطن بخير مدام انه يعج بالكثير أمثالك ورفقاء دربك الصالحين .