لا شك بأن أزهى أيام لحج كانت في فترة حكم آل محسن (أو العبادل)، خاصة المتأخرين منهم، فقد شهدت لحج في أيامهم تطوراً في الجوانب الزراعية والتعليمية والأدبية والفنية، بل والسياسية أيضاً، لفت نظر كتاب ورحالة عرب وأجانب مروا عليها في النصف الأول من القرن الماضي.. كانت لحج حينها واحة للنور ودوحة للأدب والطرب بحيثً لم يجد أمين الريحاني (احد كتاب المهجر العرب) حرجاً - بعد مشاهدته وإعجابه بما يعتمل في هذه الواحة الجميلة وناسها الطيبين والمثابرين، ومثقفيها الذين كانوا يجارون في انطلاقة فكرهم وتحرره مثقفي الدول المتقدمة - في تشبيه أميرها وشاعرها واديبها ومؤسس لونها الغنائي المتميز وكاتب تاريخها (القمندان) بسلك الكهرباء. كل ذلك الإرث المحمود لم يمنع أن تكون للعبادل أخطاء وسلبيات را فقت حكمهم وأساءت إلى تاريخهم. وفي مقالي هذا سوف أتطرق لأحد تلك الأخطاء والمظالم التي ارتكبها العبادل في حق أسرة من مواليهم عُرف عن أفرادها الشجاعة والعلم والشعر والأدب.. إنها أسرة سعد سالم الذي سُميت منطقة دار سعد باسمه عندما ولاه السلطان العبدلي أميراً عليها. سجل اثنان من أسرة سعد سالم اسميهما في التاريخين الأدبي والسياسي للحج، وهما: ابنه صالح سعد وحفيده علي محمد سعد. الأول كان أديباً وشاعراً فصيحاً وفقيهاً في أمور الدين. اختاره السلطان العبدلي وقتها ليكون ممثلاً شخصياً له، قابل الإمام يحي حميد الدين، إمام المملكة المتوكلية الهاشمية والهاشميين في مكة الذين حكموا الحجاز قبل آل سعود. كان صالح سعد على تواصل مع أمير الشعراء أحمد شوقي، وحضر إلى مصر، كممثلٍ عن لحج، عند مبايعته على إمارة الشعر العربي. ويؤكد المعاصرون لهذا العلم اللحجي أن له كتاباً مخطوطاً أسماه حوطة الفضائل، إلاّ أنه – وللأسف - لم يُعثر على هذا الكتاب حتى الآن. ولقد تميز الحفيد (علي محمد سعد) بشجاعته وتنوره وقدرته، كما يُقال، على الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية. وكان لاحتكاكه المبكر بمثقفي عدن، وتأثره كذلك برواد التنوير العرب في مطلع القرن العشرين، دوراً في تطوير مداركه الثقافية واهتماماته، السياسية منها على وجه الخصوص. . تبنى علي محمد سعد موقفاً معارضاً لحكم السلطان عبد الكريم فضل، وطالب بإصلاحات في نظام الحكم. و كان يعبر عن ذلك من خلال كتاباته في الصحف العربية (المقطم المصرية والنيل السودانية). ولّدت كتاباته تلك ردود أفعال قاسية من جانب سلطان لحج في ذلك الوقت (عبد الكريم فضل). وعندما لم تفلح معه أساليب الإغراء، وأمام إصراره على المضي في نقد إدارة السلطان للأمور في السلطنة، تم اعتقاله وكان يجري ربطه إلى جذع شجرة وضربه يومياً في ساحة قصر دار الحجر. انتهت حياة هذا الثائر اللحجي في حادثة شهيرة، وتلك كانت، بحسب رواية أحد أقاربه، عندما استدعاه السلطان لمقابلته ودعا معه أيضاً بعض أمراء وأعيان لحج ليثبت لهم اتهامه لعلي محمد سعد بالتهجم عليه في الصحف العربية. ولكن السلطان لم يحضر وأناب عنه ابنه ( فضل عبد الكريم)، فما كان من علي محمد سعد إلاّ أن صوب مسدسه تجاه نجل السلطان فأصابه برصاصة في إحدى عينيه وأخرى في أعلى فخذه الأيسر. عندها قام أحد الأمراء الحاضرين بتوجيه عدة طعنات له بجنبيته أُردي على إثرها قتيلاً، كما قُتل في الحادثة ذاتها خاله وأُصيب عمه. وحول مقتل علي محمد سعد فإنه قد سرت حينها شائعات بأن الأمير الذي قتل علي محمد سعد وخاله إنما فعل ذلك خشية انكشاف سر المؤامرة التي دبرها البيت العبدلي المعارض لتولي السلطان فضل عبد الكريم الحكم بعد أبيه، والتي كان علي محمد سعد ، بحسب ما أُشيع، متورطاً فيها. بعد تلك الحاثة تعرضت أسرة سعد سالم للنفي من الحوطة، كما تعرضت أملاكها للمصادرة، ويزعم بعض المنحدرين من هذه الأسرة بأن بعض أهلهم قد تعرضوا للتصفية الجسدية من قبل آل محسن، ومنهم الأديب والشاعر صالح سعد. تلك كانت أحدى مثالب حكم آل محسن للحج، والتي لم تمنع أن يُقال عنهم انهم كانوا سبباً في نهضة لحج حيناً من الدهر.