من السھل جدا أن ترى شخصا یحمل بندقیة كلاشنیكوف، ویتجول بھا في أحد شوارع صنعاء.. من دون أن یتحدث أو یلتفت إلیھ أحد. الحال ذاتھ یتكرر في معظم المدن، وتبدو الظاهرة أكثر بروزا في المناطق القبلیة. وبذات البساطة یقتل الكثیر من الیمنیین، یومیا، بالسلاح، سواء في مواجھات مباشرة أو في خلافات أقل ما یمكن وصفھا بھ أنھا «تافھة»، وعندما كانت اللمسات الأخیرة لھذه المادة الصحافیة تجرى، جاء خبر مفاده أن جندیا قتل في محافظة مأرب من أجل الاستیلاء على سلاحھ. یشعر الیمنیون والمراقبون للوضع القائم في البلاد، بمخاوف عدیدة جراء انتشار مجامیع مسلحة تحمل هویات مختلفة في الساحة الیمنیة وعلى نطاق جغرافي واسع.. ولكن الأمر لا یقتصر على الأفراد أو القبائل، وإنما تعدى ذلك إلى نشوء میلیشیات، ودخول تنظیمات إلى البلاد، تفرض وجودها بقوة السلاح.
ومن أبرز الجماعات المسلحة المنتشرة في الیمن حالیا، تنظیم القاعدة الذي بات عالمیا، وجماعة الحوثي وبعض فصائل الحراك الجنوبي، إضافة إلى جماعات قبلیة مسلحة بأسلحة غیر معتادة لدى الشارع الیمني، فبعض القبائل تمتلك أسلحة ثقیلة مثل المدافع من مختلف الأنواع. غیر أن أبرز المخاوف تأتي، حالیا، من الجماعات المسلحة التي خاضت قتالا سواء ضد الحوثیین في الشمال أو ضد «القاعدة» في الجنوب، فضلا عن المخاوف من انتشار السلاح، بشكل عام في الیمن.
وتشیر العدید من التقاریر إلى أن الیمنیین لدیھم أكثر من 60 ملیون قطعة سلاح، في بلد یتجاوز عدد سكانھ ال20 ملیون نسمة بقلیل، إضافة إلى انتشار ثقافة حمل السلاح كضرورة أمنیة أحیانا، وأحیانا أخرى للوجاهة القبلیة والاجتماعیة. وقامت بعض المجامیع المسلحة بدور بارز في مؤازرة الحكومة الیمنیة، مؤخرا، في الحرب على الإرهاب، حیث ضربت اللجان الشعبیة التي شكلت في جنوب الیمن، أبرز وأصرح الأمثلة في مواجھة تنظیم القاعدة في المناطق التي سیطر علیھا أو حاول السیطرة علیھا، وجاءت فكرة هذه اللجان على غرار «الصحوات» التي شكلت في العراق، وبدأت المسألة بتشكیل صحوات في محافظة شبوة قبل نحو عامین، لكن أداءها لم یكن فاعلا، ف«القاعدة»، حینھا، لم تكن تعمل باستراتیجیة الاستیلاء على المدن وكان مسلحوها یختبئون في الجبال، لكن ما إن بدأت في السیطرة على المدن، حتى انبرت لھا اللجان الشعبیة للدفاع عن تلك المدن. وأبرز تلك اللجان شكلت في مدیریة لودر بمحافظة أبین التي حاولت «القاعدة» لعدة أسابیع في مارس (آذار) الماضي، اقتحامھا والسیطرة علیھا، على غرار سیطرتھا على زنجبار عاصمة المحافظة، ومدینة جعار، التي كانت تعد المعقل الرئیسي لھذه الجماعات الإسلامیة المتشددة والتي ظلت لأكثر من عام وهي تسیطر على المدینتین وإلى جانبھما مدن وقرى صغیرة في المحافظة، إضافة إلى مدیریة عزان في محافظة شبوة المجاورة.
وفي مدیریة لودر وصف صمودأبناء المدیریة ب«الصمود الأسطوري» ضد محاولات مسلحي «القاعدة» في الاستیلاء على المدینة وقتالھم الشرس لمنعھم من دخول المدینة حتى تم دحرهم بشكل نھائي. وكانت تلك هي البدایة في القضاء على وجودهم المسلح في محافظة أبین التي أعلنوا مدنھا إمارات إسلامیة، حیث انخرط المواطنون، من مختلف المدیریات، في اللجان الشعبیة وقاتلوهم حتى أخرجوهم من زنجبار وجعار وباتیس والكود وشقرة منتصف الشھر الماضي. وعلى ذات النسق بدأت لجان شعبیة بالتشكل في محافظة شبوة واستطاعت دحر عناصر «القاعدة» من مدینة (إمارة) عزان.
ولم یقتصر الأمر على أبین وشبوة، بل امتد لیشمل محافظة الضالع التي أفشلت فیھا اللجان الشعبیة محاولة تسلل 12 عنصرا من «القاعدة» إلى مدیریة الشعیب، وكانت مفاجأة للمسلحین المتشددین أن وجدوا من یقاومھم ویقتل ویجرح عددا منھم ویعتقل العدد الآخر،ولم یعلن عن وجود تلك اللجان، إلا حین أفشلت مساعي «القاعدة» في التمدد والوصول إلى الضالع التي تعد من المحافظات العصیة على تغلغل القوى الإسلامیة والأصولیة لأن أغلب مواطنیھا من التیارات الیساریة المؤیدة للحزب الاشتراكي الیمني وللحراك الجنوبي المنادي بفصل جنوب البلاد عن شمالھا.
وفي السیاق ذاتھ، قالت العدید من المصادر ل«الشرق الأوسط» إن معظم المدن والبلدات في جنوب البلاد، شرعت في تشكیل لجان شعبیة لمحاربة المتشددین الإسلامیین، خشیة أن یسیطروا على مدنھم وبلداتھم ویعرضونھا للدمار والخراب. وفي الآونة الأخیرة، برزت أصوات تحذر من تنامي دور اللجان الشعبیة ومن أن تصبح قوة عسكریة ضاربة، ومن أن تمثل شوكة في خاصرة الجیش والنظام في الیمن، إضافة إلى التحذیر من تنامي دور القوات العسكریة التي انشقت عن نظام الرئیس المخلوع، علي عبد االله صالح، والتي أیدت الثورة المطالبة بإسقاط النظام، وتحولھا إلى «جیش داخل الجیش»، خاصة بعد عملیة اختطاف العمید الركن مراد العوبلي، قائد «اللواء 62» حرس جمھوري، على ید المئات من العسكریین التابعین للحرس الجمھوري والأمن المركزي بحجة إیقاف صرف مرتباتھم على خلفیة تأییدهم للثورة الشبابیة الشعبیة. غیر أن قیادات في اللجان الشعبیة بجنوب الیمن، تقلل من أهمیة ما یطرح بشأن تحول اللجان إلى میلیشیا تثیر المخاوف مستقبلیا.. یقول محمد عیدروس، قائد اللجان الشعبیة في مدیریة لودر وهي اللجان التي منعت «القاعدة» من دخول المدینة، إن اللجان الشعبیة في لودر «شكلت من أجل حمایة مدینة لودر لأننا تضررنا من (القاعدة) ومن الجیش أیضا منذ ثلاث سنوات، (القاعدة) كانت تضرب الجیش.. والجیش كان یقصف المدینة، لذلك قمنا بحمایة مدینتنا أثناء محاولة مسلحي (القاعدة) اقتحامھا والاستیلاء علیھا ودافعنا عنھا ونحن باقون لحمایتھا من أي تخریب لأن المشاكل كثیرة، وذلك عبر ملتقى شباب لودر من أجل حمایة الممتلكات الخاصة والعامة ولقینا تعاونا كبیرا من جمیع الشخصیات الاعتباریة والاجتماعیة في محافظة أبین».
ویستبعد عیدروس ل«الشرق الأوسط» مسألة أن تتحول هذه اللجان إلى قوة مضادة للدولة في المستقبل. ویقول «نحن أهل السنة والجماعة ومنھجنا لا یرى الخروج على الدولة أو الحاكم ولن نكون قوة ضاربة ضد الدولة، خاصة بالسلاح». وتدور أحادیث حول ارتباط الكثیر من مسلحي اللجان الشعبیة بتنظیمات سیاسیة في الساحة الیمنیة كالجماعات الإسلامیة أو الحراك الجنوبي أو غیرهما من الحركات السیاسیة، وهل یمكن أن تساهم هذه اللجان المسلحة في النشاط السیاسي الداعي، حالیا، لفصل جنوب الیمن عن شمالھ.. یرد عیدروس بالقول إن اللجان الشعبیة وملتقى شباب لودر، كنموذج للجان في المناطق الجنوبیة، یضم جمیع الأطیاف في المدیریة من ضمنھم جماعة الحراك الجنوبي، كان همھم الأساسي هو التصدي لعدوان «القاعدة»، ومن كان یقاتل معنا كان ینتمي لجمیع ألوان الطیف السیاسي.. المؤتمر الشعبي، والحراك الجنوبي، والجیش، والقبائل، والمستقلین.
وقضیة الحراك الجنوبي هي دولیة ولن تحل إلا بالحوار ولن یسمح بأن یستخدم فیھا السلاح للحل، وسنكون في ملتقى شباب لودر طرفا مع أي جھة، بل سنكون محایدین من أجل حل القضایا بالطرق السلمیة.
وهناك، أیضا، القوات الشعبیة التي ساهمت إلى جانب الجیش النظامي في شمال البلاد في حربھ ضد جماعة عبد الملك الحوثي، وهي، أیضا، مسلحة، لكن دورها تناقص مع مرور الوقت، بعد أن وضعت الحرب أوزارها هناك، وكانت أبرز أدوار تلك القوات في منطقة حرف سفیان بمحافظة عمران المجاورة للعاصمة صنعاء.
والیمن من البلدان التي تنتشر فیھا القبیلة بشكل واسع وكبیر وما زالت العادات القبلیة سائدة، وضمن هذه العادات حمل السلاح، فرجل القبیلة في الیمن یعتقد أن السلاح جزء من هویتھ وشخصیتھ، إضافة إلى انتشار ظاهرة الثأر القبلي التي تؤدي إلى أن یحمل الكثیر من الناس السلاح في مناطق عدیدة من الیمن. ویتحدث العمید الدكتور محمد القاعدي، مدیر دائرة العلاقات العامة بوزارة الداخلیة الیمنیة، عن دور اللجان الشعبیة في جنوب البلاد ویقول إنھا «لعبت دورا كبیرا مع إخوانھم في القوات المسلحة والأمن في التصدي للعناصر الإرهابیة من منطلق شعورهم بالانتماء الوطني للتصدي لما یھدد البلاد، وجھودهم التي قاموا بھا جاءت بعد أن شعروا بالخطر على أنفسھم ومناطقھم من تلك الجماعات المسلحة الإرهابیة (القاعدة) وما سمي ب(أنصار الشریعة) الذین عمدوا إلى أذیة المواطنین وإخراجھم من مناطقھم وبیوتھم بفعل رغبتھم في السیطرة على تلك المدن والمناطق، وبات المواطنون نازحین في مناطق ومحافظات أخرى، وهذا ق ّوى من عزائم المواطنین».
ویضیف ل«الشرق الأوسط» أن ضمن «أدوارهم الإبلاغ عن أماكن وجود هذه الجماعات والتعاون مع أبناء القوات المسلحة والأمن»، وبشأن المخاوف المستقبلیة منھا، یقول الدكتور القاعدي إن السلاح موجود ومتوفر في الیمن، وفي حال الحدیث عن أن تتحول اللجان الشعبیة إلى مصدر خطر، «فكل من یملكون السلاح لا یخرجون على الدولة ولا یعملون على تقسیم محافظات الجمھوریة ولا یعلنون إمارات أو ولایات أو أي شيء من هذا القبیل ولا یوجد خطر كبیر، والأسلحة التي بحوزتھم هي أسلحة خفیفة كالتي توجد لدى جمیع المواطنین».
وتنتشر في الیمن جماعات مسلحة أخرى في الجنوب والشمال، كمسلحین یتبعون الحراك الجنوبي وآخرین في شمال البلاد كانوا مؤیدین للنظام السابق ضد الحوثیین، وهم باعتقاد البعض قنابل موقوتة، غیر أن العمید الدكتور القاعدي یؤكد ل«الشرق الأوسط» أنھم في وزارة الداخلیة، یعتبرون «أي شخص یحمل السلاح خطرا، والسلاح، في حد ذاتھ، نعتبره خطرا على الأمن والاستقرار في البلاد، لكن هناك شيء أقل خطورة من شيء آخر، والیمن مر في 2011، بظرف استثنائي (الثورة ضد النظام) وعانى المواطنون جراء ذلك، وفعلا خرجت إلى العلن جماعات كثیرة وكثیر من الناس حملوا السلاح، رغم أن محاربة ظاهرة حمل السلاح كانت حققت نجاحات كبیرة خلال السنوات القلیلة الماضیة إلى حد ما، لكن مع الظرف الاستثنائي الذي مر بھ الیمن، ازدادت ظاهرة حمل السلاح وقطع الطرقات».
ویعول القاعدي على انعقاد مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده في الیمن، «لأن الناس قد ملت من الخوف وحمل السلاح والتقطعات وشعروا بالخطر، ومؤتمر الحوار عامل مساعد للخروج من هذا المأزق»، وتابع أن هناك «الكثیر من هذه الجماعات (المسلحة) أبدت استعدادها من أجل المشاركة في الحوار وإن كانت بعضھا أبدت اشتراطات معینة».
وعن الإشكالات الأساسیة التي تعانیھا الأجھزة الأمنیة في محاربة انتشار السلاح ومظاهر حملھ في المدن الیمنیة، یقول مدیر دائرة العلاقات العامة في وزارة الداخلیة الیمنیة، إن «الإشكالیة تكمن في عدم وجود نظام قوي في البلاد وعدم وجود وعي كاف لدى الإخوة المواطنین، فإذا ما وجد النظام الذي یفرض هیبة القانون والوعي لدى المواطنین، فسنكون قد تخلصنا من المظاهر المسلحة وظاهرة حمل السلاح والتجول بھ داخل المدن»، ویعتبر أن الثأر لیس سببا رئیسیا في حمل السلاح وانتشاره، «لأن الثأر لا ینتشر في جمیع مناطق الیمن، وإنما في مناطق معینة، ولكن أرید التأكید أن جمیع الجرائم ترتكب في الیمن بواسطة السلاح، سواء ثأرات قبلیة أو تقطعات أو جرائم قتل، والسلاح هو سبب رئیسي».
ویعد السلاح أبرز معوقات التنمیة وفرض النظام والقانون في الیمن، بحسب مراقبین، إلى جانب الجماعات الأخرى المسلحة ك«القاعدة» التي نفذت مؤخرا عددا من العملیات الإرهابیة والانتحاریة كالتفجیر الانتحاري الذي استھدف الأربعاء الماضي، طلاب كلیة الشرطة والذي قتل وجرح فیھ العشرات، وقبلھ تفجیر آخر استھدف مجندین في الأمن المركزي في 21 مایو (أیار) الماضي، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 100 جندي وإصابة مئات آخرین، فضلا عن ذلك، هناك مخاوف من استخدام السلاح في الصراعات السیاسیة الداخلیة بسبب انتشاره، كما حدث في 2011، حین دارت مواجھات مسلحة بین القوات الموالیة للرئیس السابق علي عبد االله صالح، من جھة، وبین القوات المناوئة لھ ولنظامھ سواء من قوات الجیش المنشقة أو من مسلحي زعیم قبیلة حاشد، الشیخ صادق الأحمر وأشقائھ، من جھة أخرى، إضافة إلى وجود مجامیع قبلیة مسلحة تنتشر في الیمن یؤید بعضھا صالح، وما زالت أبواب جھنم مفتوحة أمام الیمنیین، رغم المساعي الدولیة والضغوط الجاریة لدحر الاقتتال الأهلي والاستمرار في التسویة السیاسیة في ضوء المبادرة الخلیجیة.
وواقعیا وعلى الرغم من منع حمل السلاح رسمیا، فإن من یدخل إلى أي من المؤسسات الحكومیة الیمنیة یرى بنفسھ انتشار المجامیع المسلحة سواء كمرافقین أو حرس للمشایخ والمسؤولین أو غیرهم. وحتى مبنى البرلمان الیمني عند انعقاده یتحول إلى ثكنة عسكریة، في حین فشلت الأجھزة الأمنیة الیمنیة، حتى للحظة، في منع بیع وتداول السلاح في الأسواق الشھیرة ك«جحانة» التي تبعد بضعة كیلومترات من العاصمة صنعاء باتجاه جنوب شرقي، وعشرات الأسواق المماثلة المنتشرة في عموم البلاد، والتي تباع فیھا أسلحة من مختلف الأنواع.