عرفت الفنان أنور سعيد عبدالرب الحوثري عن قرب ..بحكم المصاهرة ، شابا مبدعا في مجالات عدة ..فهو أديب وملحن وشاعر وفنان أصيل يبحث عن أنقى ما في الشعر الغنائي من مفردات جمالية ، بحكم ميوله وذائقته الفنية .. نأى بنفسه عن المسئوليات التي تأتي إليه وفق شروط مسبقة تتعارض مع توجهاته الفكرية وقيمه الأخلاقية .. كونه لا يسعى للمناصب التي يشعر بأنها ستميت شرايينه بروتين قاتل لإحساسه الفني ، عاش ويعيش نظيف اليد لم يتلوث بالماديات ، قانع بما تجود به إبداعاته ، لم يحلم بما يطمع فيه آخرون من وجاهة ، متواضع لدرجة أن يستحي منه التواضع ، شديد الارتباط بزملائه في المجال الفني يهرع لمؤازرتهم ويقف إلى جانبهم في محنهم لم يتردد في التصريح بمواقفه السياسية والحقوقية .. يرفض الاستعلائية في التعامل بل كان حريصا على علاقات متوازنة تخدم الفن وأهل الفن .. رأس جمعية الفنانين بحضرموت الساحل .. شارك في محافل عربية وتحمل رئاسة لجان منها مهرجان البلدة .. ورأس وفوداً مشاركة بحكم حضوره الفني .. منسق من الدرجة الأولى ، له علاقات متميزة مع فنانين كبار ، علاوة على أنه يحظى بقدر كبير من الاحترام في الوسط الفني محلياً وخارجياً .
للفنان المتميز أنور الحوثري برامج إذاعية كانت تعبيراً عن ملكاته المتنوعة ، وطاقاته لا حدود التي لها في هذا المجال ، كما ألف أغاني جميلة ورائعة ، وفي قراءة سريعة لأعماله نجد بأن هذه الفلتة الحضرمية سطت على قلوبنا بحسن أدائها الغنائي وأسلوب كتابتها للأغاني ، ورقة ألحانها التي تدخل قلوبنا دونما استئذان . صاحب أسلوب شفاف ورصين ، يصدر عن أدب رفيع ، عندما يبحر في أعماق النفس البشرية من خلال تأملاته ، فهو رومانسي الأسلوب عندما يكتب الشعر ، وله من رهافة الحس حينما يلحن الأغاني ، ثنائية تلازمية قلما نجدها عند آخرين ، نجد في هذه التلازمية قلباً أصبح مثقلاً بالحزن ، رغم عدم إفصاحه بما يختلج في نفسه ، فتتحول كلماته الشعرية وألحانه خليطا من المشاعر الحزينة والفرائحية ، وهي ما يعاني منها كل فرد منا ، هنا تكون المخاطبة الوجدانية راقية بين الشاعر الملحن وعشاق فنه الجميل .وهذا الأسلوب يدل على أن صاحبه مفطور على الود حتى مع البسطاء من الناس ..
ولد أنور الحوثري بمدينة الديس الشرقية التي أنجبت عظماء كان لهم – ومازالت - شأناً عظيماً في الحياة السياسية والأدبية والتراث بما يحمله هذا المكان من عبق معطر .. كما شهد ميلاد شعراء أماجد من بينهم الشعراء المعلم حميدان وسالم محمد مفلح "أبو راشد" وسعيد يمين عبدالله رحمهم الله ومحمد عبدالله محفوظ الحداد أطال الله في عمره وآخرون لم تسعفني الذاكرة باستحضارهم في هذه العجالة .... هذه المدينة التي رعت طفولته وريعان شبابه وأصبحت ظلالها مراتع صباه وعلى جدران منازلها خطوط قلمه المعطاء .
ولم يكن الأديب الشاعر أنور الحوثري يكتفي بجهده الكتابي في برامج إذاعية ، ولكنه كان أيضا يساهم في إمتاع الجمهور بفنه الراقي صادحا بصوته كبلبل ينتقل من شجرة إلى أخرى ، فكان يحب فنه لدرجة العشق فيه ، والحب انجذاب إلى شئ يضاعف من قدرة نفوسنا ويضخم انفعالنا به .. وهكذا هو أبو حوثر " أنور " عندما كان يمتطي صهوة المسرح ليغني .. فهو يقوم بإرسال واستقبال إشارات الجمهور كي يعطيه فنا أصيلا في عملية تناغمية مع محبي فنه .. فهو بحق يصف خلجات قلبه ، في أجمل لحظات عمره ، لأن جمهوره هو حبه الأصيل فلا يحفل بغيره ، يسقيه من زاد فنه سلسبيلا عذباً ، في حب لا يسأم ولا يمل ، ولا يعرف الفتور ، وهل هناك حب أقوى من هذا ؟ إحساس عميق دافق نابع من أعماق الوجدان ، يعبر عن تجربته في عالم الغناء بكل شفافية ..
وفي هذا المقام .. المأمول أن يكون لهذه الموهبة موقعها القيادي في مجاله الفني ، فهو يستحق التكريم بما يملكه من مواهب متعددة ذكرنا بعضاً منها ، فإن المحطات التي مر بها محطات هامة ينبغي إيلاؤها أهمية تذكر .. وآن الأوان أن تحط الطيور المهاجرة في بلادها بعد طول غياب ، لتعطي من جهدها (المسهون) منها يا أبا ( سهون ) لنستمد منك الوهج الفني ، والتجدد في العطاء ، فأنت ينبوع من نهر متدفق .. فهل نقول (تم ) أيها الفارس الجميل ؟ .. بانتظار إجابتك على سؤالنا ، فهل نطمع في إرسالها عبر الأثير أغنية يخلدها الزمن ؟ معك يحلو الحديث ، وبرأيك الفني نستأنس ، وبروحك الطاهرة تتلقى مسامعنا نفحاتك الفنية .