الذكرى الثانية للتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    باجل حرق..!    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة في فهم الهويات الطائفية في المجتمعات العربية الإسلامية
نشر في عدن الغد يوم 10 - 02 - 2015


تمهيد
إن مشكلة الهوية بمختلف تجلياتها هي مشكلة علائقية بين الذوات الاجتماعية في عالم الممارسة أن مشكلة وعي الذات وفهم الآخرين ليس من البساطة بحيث تنكشف للناس بذاتها ولذاتها بدون عناء أو جهد يذكر ، بل هي عملية شديدة التعقيد وعسيرة الفهم ، إذ قد يعيش الناس عشرات أو مئات السنين في بعض الحالات دون أن يتمكنوا من اختراق الحجب والأقنعة التي تحول دون وعي لذاتهم وللآخرين, فالذات إذا ما تركت لذاتها دون خبرة التفاعل والاحتكاك المباشر بالآخر تظل عمياء ساذجة وفطرية غير واعية لذاتها وغير مدركة لهويتها التي تميزها عن هويات الآخرين المختلفة . والطريق الوحيد لتحقيق كشف المحجوب في عمليات الذات والآخر لا يتم إلا بالاحتكاك والتفاعل المتبادل بين الفاعلين الاجتماعيين في أثناء الممارسة وتغذيتها الراجعة في سياق تفاعلي مقارن، فرصد الآخرين وتأويلهم هو الوسيلة الممكنة في فهم الذات؛ فالآخر هو دائماً مرآة الذات ومبعث هويتها.
السياسة التي تحضر دائماً:
وهنا يمكن لنا الإمساك بجذر المشكلة التي أرقت المفكر السياسي الفرنسي دوبرية حينما تساءل: لماذا ينبغي أن تزيغ عقول الناس بمجرد أن يعيشوا في مجتمع؟ هذا هو السؤال الذي يجب علينا نحن العرب مواجهته انه سؤال العيش في مجتمع منظم سياسيا عادل ومستقر. ما الذي يفسر عجزنا المستديم عن أنجاز هذه النقلة الضرورية من الحالة الطبيعية حالة (حرب الجميع ضد الجميع) حسب هوبز إلى الحالة المدنية والعقد الاجتماعي والمؤسسة الجامعة دولة المواطنين الأحرار بحكم القانون ؟ يقول لجرنز وويل" كم ألفاً من السنين بقيت هذه الحالة من الوجود (أي كون العرب يعيشون في (حالة حرب) دائمة سيخبرنا أولئك الذي سيقرؤون أقدم سجلات الصحراء الداخلية ، ذلك أنها تعود إلى أولهم لكن العربي عبر القرون كلها لم يستفيد حكمة من التجربة ، فهو غير أمن أبداً ومع ذلك فإنه يتصرف وكأن الأمان خبزه اليومي".[1]
هكذا يعاود سؤال السياسي والسياسة الحضور كالجرح النازف ذلك لان السياسة هي الزمن الذي لا يمر وليس بمقدور احد تجاوز استحقاقها أبدا، والسياسة تأثر في حياة الناس بأشد مما تأثر فيهم تغلبات الظروف الطبيعية: (المناخ والحر والبرد والخصب والجدب والعواصف والفيضانات والزلازل والبراكين ...الخ). وما نعيشه اليوم من شرور الفساد السياسي في غير قطر عربي( فلسطين والعراق وليبيا وسوريا ومصر واليمن والصومال فضلا عن أفغانستان) لا يقاس بآي حال من الأحوال بما يمكن أن تفعله أي كوارث طبيعية فيها والوضع مرشح للمزيد في ظل هذه الموجة العاصفة من الحروب الطائفية التي تذكر بحرب الثلاثين عام في أوروبا التقليدية. كيف دمرت الحروب المذهبية أوروبا ؟ كتب هاشم صالح قائلا: " لكي أفهم ما يجري الآن في العالم العربي فأنني مضطر للبحث عن سوابق تاريخية من أجل المقارنة.أذا لم نكن قادرين على إسعاف الناس عمليا فعلى الأقل لنساعدهم نظريا. كيف؟ عن طريق شرح ما يحصل لهم من فواجع وكوارث تنزل على رؤوسهم دون أن يدركوا أسبابها العميقة بالضرورة"([2])
العرب .. لحظة كارثية
حقا أننا "العرب" نعيش لحظة كارثية ومصيراً فاجعاً بعد أن تحطمت_ شعاراتنا وأحلامنا ومشاريعنا وأوهامنا الكبيرة بالجامعة الإسلامية والوحدة القومية والاشتراكية الأممية والاستقلال والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية ..الخ _ على صخرة التاريخ العتيدة إذ بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج في كل الاتجاه بعد أن فقدت البوصلة ولا تلوح في الأفق القريب بارقة أمل للنجاة. إن ماساتنا تكمن في إننا تعاملنا مع التاريخ بحسن نية ساذجة ومنحناه معنى ليس من طبيعته في شيء، حينما توهمنا انه أشبه "ببغلٍ حرون يمكن قيادته بالسوط لترويضه"([3]) لقد فات علينا ما يبطن التاريخ من مكر وخداع وزوغان، يستحيل الركون إلى عدالته ذلك لأنه "ليس له عيون ولا يمتلك قلباً رحيما! فما العمل الآن وما السبيل لتجاوز وضعنا الذي ينذر بأشد العواقب والأخطار ؟ ما دمنا لم نغرق بعد، فان الموقف الوحيد الذي يمكن إن يتخذه الإنسان في وضع كهذا هو الموقف النقدي من الذات, ومن الواقع ومن التاريخ؛ أي نقد الذات وتاريخ الذات الفردي والجمعي ونقد العالم والآخرين، وهذا هو قدر الإنسان مع ذاته وحياته ومشكلاتها ومع مجتمعه ومشكلاته ومع الآخرين والعالم من حوله,وإيقاد (شمعة أفضل من أن نلعن الظلام) ، وهذا هو السبيل وهي مسألة على درجة عالية من الأهمية والخطورة .والأمر كذلك فليس لدينا من سبيل غير أن نتقبل وضعنا كما نحن عليه في الواقع لا كما نحب أن نكون حينها فقط يمكننا أن نتقدم إلى الأمام . وبقدر ما يتعاظم الجزع الذي تحدثه ظاهرة من الظواهر، يبدو معها المرء أقل قدرة على ملاحظتها بشكل صحيح والتفكير فيها بشكل موضوعي وإعداد الطرق الملائمة لوصفها ومراقبتها وتفسيرها وفهمها وتوقع مآلاتها بقدر من التجرد والموضوعية بما يؤمن حد أدنى من مقاربة أوجه الحقيقة المحتملة على الدوام .
التنوع الهوياتي في العالم العربي
وإذا ما حاولنا التعرف عن كثب عن حقيقة التعددية الهوياتية في العالم العربي الإسلامي اليوم الذي ينقسم إلى أكثر من 20 قطر (دولة) ويرث نصف حضارات العالم القديم و ثلاثة ديانات سماوية كبرى، تعايشت وتفاعلت وتحاورت وتصارعت منذ الإلف السنين وما تزال، وكل ديانة تضم مجموعة من الطوائف إذ ينقسم المسيحيون الذي يفوق عددهم مابين 22 إلى 33 مليون نسمة إلى أكثر من 15 طائفة يتوزعون في عدد من الأقطار العربية ، ويتوزع اليهود قرابة 4 مليون في أربعة طوائف فضلا عن المذاهب التوفيقية الأخرى قرابة 5 مليون منهم : (الصابئة واليزيدية والبهائية والديانات القبلية الزنجية في السودان وأفريقيا ) إما الأقليات الاثنية واللغوية فتقدر ب 14أقلية منها الأكراد والأرمن والآراميون والسريان والتركمان الشركس والأتراك والإيرانيوإن والهنود والأحباش والبلوج والفلبينيون والباكستانيون والقبائل الزنجية والأمازيق البربر يتوزعون في مختلف الأقطار العربية ويقدر عددهم بأكثر من ثلاثين مليون.([4]) فماذا بشأن الطوائف والمذاهب العربية الإسلامية .
هناك رأي يذهب إلى إن " الطائفية ثابت دائم في التاريخ الإسلامي" منذ موقعتي الجمل وصفين في عام 36 ه وما تلاها حتى اليوم إذ انقسم الدين الإسلامي إلى ثلاثة اتجاهات: سنة بأربعة مذاهب أساسية: (حنفي شافعي حنبلي مالكي ) وشيعة: في ثلاثة مذاهب أساسية :(إماميه اثنا عشرية وعلوية وإسماعيلية نزارية وبهرية وموحدون ودروز وزيدية تقليدية وحوثية). والثالث هو الصوفية بطرائقها المتعددة. ويرصد أحمد الموصلي في كتابه ، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا ، طيفا واسعا من الحركات والفرق والملل الإسلامية المعاصرة تقدر بالمئات لاسيما منذ منتصف القرن العشرين بما لم يشهد له تاريخ الإسلام مثيل. فما الذي يفسر ظاهرة انبعاث الهويات الطائفية الدينية وديمومتها في المجتمعات العربية الإسلامية تحديدا بل وصيرورتها حركات عنيفة مدمرة؟ ثمة مقاربات مختلفة في تفسير الظاهرة يمكن تصنيفها في أربعة مداخل عامة :
1_المدخل الأيديولوجي اللاهوتي : ويتمثل بطيف واسع من الذين ينظرون إلى مسألة الهويات الطائفية والمذاهب والفرق والملل والنحل من منظور ديني لاهوتي صرف بوصفها حالة طبيعية وقدر محتوم في الدين الإسلامي ، كما هي في الديانتين اليهودية والمسيحية مستندين على أحاديث دينية مثل الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة )، وكل فريق يؤول ويوظف هذا الحديث وأحاديث أخري فضلا عن الآيات القرآنية التي يتم تأويلها لتبرير وشرعنة موقفه، وربما كان الأمر الخطير يكمن في دعاوى كل جماعة أو فرقة بأنها هي المقصودة بالفرقة الناجية في الحديث النبوي الشريف فضلا نكرانها صفة الطائفة والطائفية عن ذاتها, وتعريف نفسها بالدين الحق والنهج القويم وكل ما خلاها باطلا؟! وبغض النظر عن صحة هذا الحديث الذي يرى بعض الباحثين انه حديثا ضعيفا لما ينطوي عليه من تأسيس لشرعية الصراع الطائفي والمذهبي. وهذا ما ذهب اليه طه جابر العلواني، في كتابه أدب الاختلاف في الإسلام. ويموضع عبداللاه بلغزيز, الدعوات إلى الأصالة والهوية وحفظ الشخصية الحضارية الإسلامية في سياق الاحتكاك والصدام الحضاري مع قوى الحداثة الكونيالية الغربية " منذ دخول نابليون إلى مصر 1789اذ سرعان من انتقل خطاب الهوية الأصلية من الدفاع عن الهوية في وجه الأجنبي إلى الهجوم عليه باسم الجهاد ...ومن ثنائية الأنا والآخر إلى ((الفسطاسين)) دار السلام ودار الحرب ، ثم ما لبثت أن دارت الحرب لتطحن الوطن والأمة "([5])
2_ المدخل الاجتماعي الثقافي: اتجاه الذين يعيدون التعددية الهوياتية إلى طبيعة البنية الاجتماعية الثقافية الانقسامية العشائرية القبلية للمجتمعات العربية الإسلامية، ويضم طيف واسع من جمهرة المستشرقين الذين تصدى لهم إدوارد سعيد في كتاب الإستشراق[6] ومنهم الانثربولوجي البريطاني ارنست غليز في كتابه المجتمع الإسلامي إذ كتب قائلا:" إن رؤيتي للعمل الذي طرح للإشكال الوطنية اليهودية عن طريق تأسيس دولة إسرائيل … يتمثل أن هذا الحل سيقود إلى مواجهات درامية ومأساوية ، وربما مواجهات غير قابلة للذوبان مع العالم الإسلامي, وكنت أرى إن أقل شيء يستطيع أحدنا أن يعمله حينها هو السعي لفهم هذا العالم الإسلامي.. (ويضيف غيلز) لدي الوهم إلى اليوم أنه بناءً على فهمي لزوايا الأحا نساليين استطعت فهم المناطق التي تعتبر جافة في الإسلام .. وعندما أقرأ الأنثرغرافيا عن أجزاء أخرى من العالم الإسلامي أشعر بألفة مطلقة مع هذه الرزمة من أوراق اللعبة"[7] وقد استند بعض الباحثين في هذا النموذج إلى كتاب ( المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) لابن خلدون بعده نموذج ممثل لهذا المنظور الذي يدور حول محور العصبية المنتجة للسياسة. ( العصبية ) بعدها نسق بنيوي أصيل في بنية المجتمع العربي التقليدية العشائرية القبلية البدوية، وهذا ما أوضحه أبوبكر السقاف إذ أشار إلى إن "الممانعة الفكرية حصرت فكرنا السياسي وثقافتنا السياسية في إطار الخلدونية إلى حد كبير ...إن قوة حضور الخلدونية اليوم هو شاهد على قوة ركود واقعنا العربي" وبالفعل ما لزال فكر ابن خلدون هو المهيمن على عدد واسع من الباحثين: علي الوردي ومحمد عابد الجابري وناصيف نصار وحليم بركات وغيرهم.
3_ المدخل السياسي: ويضم الذين يفسرون المشكلة الطائفية بالعامل السياسي ومنهم عالم الاجتماع الفرنسي برتران بادي, الذي انطلق من فرضية هيمنة المجال السياسي على المجال الديني في الحضارة العربية الإسلامية بعكس " الحداثة في الغرب التي نهضت عبر التحرر من الإمبراطورية المقدسة ، بينما ولد المجال السياسي الإسلامي مع ميلاد الصرح الإمبراطوري المقدس وبحكم هذا الميلاد ظل السياسي يستمد شرعيته من خارج مجاله, من الديني أو النموذج المثالي لشرعية الخلافة التي كانت موضع صراع عنيف منذ البدء ، وتلك هي الصيغة التي قال بها ماكس فيبر وغولدزيهر وجوزيف شاخت وارنست وغيرهم بتنويعات متعددة؛ صيغة الدور المركزي الذي لعبته ( السلطة المحاربة ) في بناء الإمبراطورية الإسلامية " وبهذا كانت حركات المعارضة في الإسلام تتخذ صورة تضامنات عمودية تحركها شبكات مغلقة بين أفراد متذررين يهتاجون في سبيل إعادة بناء مسرح أخر للسياسة " وبذلك كانت المدينة الإسلامية تفرض نفسها بوظيفة مزدوجة : عسكرية ودينية قدمت كل العناصر القابلة للانفجار والانقسام عبر النخب الدينية وطوائفها ومن خلال إعادة تشكيل العصبيات في الحي، بصيغة تضامنات عمودية : طائفية ومذهبية وموالاتية [8]. وهذا ما أفضى إلى غياب وتغييب الممارسات الجمعية والتضامنات الأفقية المنظمة عقلانيا ، أمام هذا الإخفاق الشامل في ممارسة اللعبة السياسية حسب قواعدها المفترضة تتحول المعارضة إلى ضرب من الهيجان الطائفي والتعصب العدائي العنيف وفي هذا يكمن طابعها الطوباوي المأساوي" . وربما جاءت مقاربة جورج طرابيش في كتاب هرطقات 2 في السياق ذاته . وهذا ما يراه عبدالاله بلقزيز في مقاربات في الدولة والدين معضلات التداخل 2-2 "في نشوء الإسلام السياسي المعاصر الذي يكرر ما حدث في فجر الإسلام وقاد إلى الانقسام ولكن بصور أخرى مختلفة نسبيا في الملامح والقسمات " [9]
4_ مدخل العامل الخارجي : هو ذلك الذي يشدد على قوة حضور العامل الخارجي في تأجيج وتوظيف الصراع الطائفي في المجتمع العربي الإسلامي اليوم كما كان في كل العصور، ولسنا بحاجة إلى إيراد الكثير من الشواهد التاريخية التي تذهب هذا المذهب منذ انطلاقة الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة إلى اليوم ، وهو واقع ليس بمقدور احد إنكاره في سياق الصراع التاريخي بين الحضارات والأديان, وهذا ما عالجناه في كتابنا، (فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر، أرنولد توينبي موضوعا)[10]، بيد أن ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى الآراء المعاصرة ، ومنها كتاب عبدالحسين شعبان الطائفية السياسية كأداة للتدخلات الإقليمية .. تخوم الطائفية وادلجة الهوية انعكاسات الجيوبولنيك2013. الذي أكد دور العامل الخارجي المباشر في تأجيل الصراع الطائفي في العراق والعالم العربي في العقود الأربعة الأخيرة ، لاسيما بعد قيام الثورة الخمينية في ايران عام 1979م وربما كان هذا الدور هو الذي حفز عالم الاجتماع الفرنسي جان فرانسوا بايار إلى تأليف كتاب أوهام الهوية، الذي استهله بالحديث عن ما شكلته هذه الثورة ذي الهوية الدينية من "خوف وفزع في فرنسا والأمم الغربية الأخرى ... يصعب تفسير عدم انتشار تلك الثورة الشيعية خارج حدود إيران ... وتعبئة معتنقي هذا المذهب في لبنان والخليج وباكستان " ولا مشاحة هنا في تعاظم الدور الإيراني في تأجيج النزاعات الطائفية في المجتمعات العربية الراهنة، كما نشاهده في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها، ، ويشدد محسن صالح في قراءته في دعاوى التفتيت الطائفي والعراق ، على الإستراتجية الأمريكية الإسرائيلية في اللعب بالورقة الطائفية مشيرا إلى خطة الصهيوني بن جوريون ( إستراتيجية الأطراف ) غير أن جورج طرابيش يفسر دور العامل الخارجي من زاوية نظر أخرى رافضا فكرة المؤامرة إذ يورد شواهد تاريخية تؤكد أن العامل الداخلي هو من يستدعي الخارج للتدخل في صراعات الطوائف الدينية العربية الإسلامية الراسخة, وان الحاجة باتت ماسة لصياغة علمانية عربية إسلامية تفصل بين الديني والطائفي، ولما كنا نعلم أن التاريخ لا يتكرر ولا يتوافق مع التنميط فمن الصعب تعميم الأحكام على حوادثه النوعية فضلا عن الاختلاف الشاسع بين المرحلة التاريخي التي يستشهد بها طرابيشي واللحظة الراهنة في عالمنا المعولم حيث انكمش الزمان والمكان وبات العالم اشبه بقرية سيبرنيتية صغيرة متشابكة ومتداخلة إلى حد بات من الصعب الفصل بين الداخلي والخارجي، المحلي والعالمي فضلا عن استحالة دراسة ظواهره ومشكلاته بمعزل عن المتغيرات العالمية والإقليمية وتأثيراتها في حياة المجتمعات المحلية بطرائق مباشرة وغير مباشرة. وهذا يفترض النظر إلى دور العامل الخارجي من زاوية نظر نقدية تاريخية إستراتيجية واسعة. طالما ونحن نعيش في هذا العالم الكاشف المنكشف.
. مقتطف من دراسة موسعة للكاتب في علاقات الهيمنة والهويات الطائفية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.