قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انغماس العثمانيين الجدد في سوريا يطيل عمر الحرب والنظام
نشر في عدن الغد يوم 27 - 02 - 2015

عملية نقل رفات سليمان شاه التي قامت بها القوات التركية، مؤخرا، أثارت جدلا مضاعفا حول الغاية من إعادة دفن الرفات داخل منطقة أخرى تابعة للأراضي السورية بعد إجلائه منها، وفتحت مجالا أمام محللين للحديث عن الحلم التوسعي الذي يراود تركيا في عهد أردوغان، والذي سعت إلى تفعيله بشتى الطرق منذ اندلاع الثورة السورية، وفق استراتيجية يصفها مراقبون ب”الفاشلة”، لأنها تنظر إلى الأمور من زاوية المصالح الضيقة، خاصة أنها تسهم في إطالة عمر نظام الأسد وتفاقم من مأساة الشعب السوري.
لم تبق لتركيا أرض خارج إمبراطوريتها الممتدة لستة قرون من 1299 إلى 1921 إلاّ قبر سليمان شاه وعشرة فدادين من الأرض المحيطة به. وحتى مع بدء الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1918، لم يتمّ نقل الرفات. لكنه نُقل لاحقا بسبب إنشاء سدّ الفرات مخافة غرقه في المياه عام 1973، وقد تمّ ذلك بالتوافق بين الحكومتين التركية والسورية حينها.
الجديد في الأمر اليوم، أنّ تركيا لم تستطع منذ أكثر من عشرة أشهر تغيير جنودها الأربعين المكلّفين بحراسة ضريح جد العثمانيين، حيث جرت العادة أن يتمّ تبديلهم كلّ شهرين تقريبا، بسبب بسط تنظيم “داعش” سيطرته على محيط القبر، رغم أنّ التنظيم المتطرّف لم يهدد بشكل مباشر بتحطيمه. وقد فشلت محاولة سابقة قامت بها الحكومة التركية للوصول إليه، كما أنّ “داعش” تمكّن من الاستيلاء على بعض الآليات العسكرية التركية.
في الحادي والعشرين من فبراير الجاري، دخلت قوات تركية إلى الأراضي السورية بغاية نقل الرفات، ولم تتعرض لأيّ مناوشات. ويذهب مراقبون إلى أن العملية تمّت بعلم قوات التحالف الدولي وقنصلية النظام السوري في تركيا، وباتفاق مع “داعش” ومع حزب ال”بي يا دي”. وبالفعل فقد تمّت العملية بنجاح ونقلت الرفات ودمّرت تركيا الضريح وكافة المباني المحيطة به، خشية أن تستغله أيّ أطراف لغايات أخرى.
وعلى الرغم من أنّ تركيا نقلت الرفات إلى أراضيها إلاّ أنّها لم تدفنه هناك، وإنّما أعلنت منطقة “آشمه”، وهي قرية حدودية سورية لا تبعد عن الأراضي التركية أكثر من كيلومترين إثنين، منطقة عسكرية، ورفعت فوقها العلم التركي، لتجهّز ضريحا جديدا يليق بجد الأتراك في تلك القرية.
هذه الخطوة دفعت العديد من المحللين إلى طرح سؤال مفاده؛ لماذا لم تنه تركيا هذه القضية وتدفن جدّ مؤسس الإمبراطورية العثمانية على أرضها وتلغي أيّ حساسية بينها وبين سوريا حول هذه المسألة؟
تركيز النظام السوري على بناء سلطته الشمولية كان على حساب مسائل وطنية من بينها استعادة لواء اسكندرون
وقد أثارت هذه العملية جدلا واسعا بين الأوساط السياسية التركية، فمجرد نقل الرفات من منطقة إلى أخرى داخل سوريا اعتبرته القوى القومية التركية تفريطا بأرض تركية وبالسيادة التركية على تلك المنطقة، بينما اعتبرته القوى المؤيدة لأردوغان، وأغلبها إسلامية، قطعا للطريق أمام احتمالية تدميره من قبل “داعش”، وربما لرفع الحرج عن “داعش” الذي يقيم عناصره علاقات قوية مع المخابرات التركية، حيث أنّ التنظيم كان قد دمّر كل الأضرحة الموجودة في الرقة وريف حلب وفي جل الأماكن التي وقعت تحت سيطرته. كما أنّ نقل رفات سليمان شاه يشكّل ضرورة لدى القادة الأتراك لأسباب متعدّدة خارجية وداخلية، أهمّها، وفق ذات المراقبين، الحيلولة دون استخدامه كمادّة في السّجال السياسي في الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة (بعد أشهر قليلة).
تخاذل سوري على أراضيه
لم يكن وجود الرفات ليُمثّل مشكلة قبل تشكيل الدولة السورية الحديثة، فقد كان بمثابة مجرّد ضريح موجود في أرض “الخلافة الإسلامية التركية” سابقا، ولكن بعد تشكّل الدولة السورية، أضحت حماية هذا الضّريح من قبل قوات تركية تُعدّ انتقاصا من السيادة الوطنية السورية، خاصّة أنّ هذا الأمر لم ترفضه سياسة الانتداب الفرنسي على سوريا. كما أنّه لم يسبّب أزمة حقيقية مع النظام السوري في ما بعد وإلى حدود اللحظة الراهنة.
ولكنّ تركيا كانت مطامعها أكبر من ذلك بكثير؛ حيث أنّها احتلّت محافظة سورية بأكملها، وهي لواء اسكندرون، الذي كان تابعا لمحافظة حلب. وجاء ذلك بالتوافق مع حكومة الانتداب الفرنسي عام 1939. ويؤكد الباحثون أنّ تلك الخطوة كانت تهدف إلى إرضاء تركيا ودفعها للوقوف في صفّ قوات الحلفاء ضدّ ألمانيا النازية في أوائل الحرب العالمية الثانية، وقد احتفظت تركيا بتلك الأراضي السورية إلى حدود الآن.
ضعف الحكومات السورية المتعاقبة، ووهن الهيكل العربي، زاد من الأطماع الإقليمية في أراضي العرب، حيث ألحقت إيران منطقة الأحواز وعددا من الجزر العربية الموجودة في الخليج العربي بها. والعديد من الأمثلة الأخرى أبرزها فلسطين المحتلة بكاملها. هذه الحالة العامة من الضعف منعت من الضغط الجدي لاستعادة الأراضي العربية المُفتكّة، كما حال ضعف الحكومات السورية المتعاقبة دون استرداد لواء اسكندرون، وتكرر الأمر ذاته مع هضبة الجولان المحتلة من قبل الكيان الصهيوني إلى اليوم.

تركيا عطّلت كل تشكيل سياسي لا يعطي الإخوان دورا وازنا فيه

لم يغير النظام السوري، الذي يدّعي الوطنية، شيئا في ما يتعلّق بقضية لواء اسكندرون، ولم يطالب باستعادته على المستوى الدولي حتى. ويشار كذلك إلى أنّ الروس المتحالفين مع النظام بشكل دائم، منذ عام 1970، فضّلوا الإبقاء على تلك الحال، ليظلّ اللواء قضية سياسية تستغلها روسيا لابتزاز تركيا في المحافل الدولية، سيما وأنّ النظام السوري لم يكن قادرا على استعادته بقوة السلاح وحتى لو كان قادرا فتلك المسألة الوطنية لم تكن على سلّم أولوياته، فقد كان يركز اهتمامه على بناء سلطته الشمولية فحسب، وصمته المطبق تجاه قضية الجولان منذ عام 1973.
سنة 1998 حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية، لإجبار النظام السوري حينها على إنهاء دعمه لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الحكومة التركية مستعينا بأكراد سوريا كخزان بشري كبير، وطالبت بتسليمها زعيم الحزب عبدالله أوجلان، الذي كان يقيم في دمشق.
الرّد السوري على ذلك الطلب (التهديد) كان الإذعان المطلق، حيث وافق النظام السوري على ترحيل أوجلان وإيقاف الدعم عن حزبه. ويُشير عدد من الباحثين إلى أنّ الأتراك فرضوا كذلك، وفق “اتفاقية أضنة”، على ممثلي النّظام حذف لواء اسكندرون من الخرائط المدرسيّة والسورية عامّة؛ وهو ما لُوحظ بالفعل حينها وأثار استغراب المُواطنين السُّوريين، الّذين اعتبروه موقفا “مخزيا” لأنّ اللواء يعدّ أرضا سورية محتلة.
مشكلة تركيا أنها بدل أن تتعامل مع الثورة السورية من زاوية انحيازها إلى الشعب صاغت رؤيتها وفق غاياتها التوسعية
منذ ذلك الوقت، وبتعلّة تقوية العلاقات مع تركيا، تابع النظام السوري سياسته الماضية نحو التخلي عن اللواء نهائيا، وازداد الأمر حينما أجبرت قواته العسكريّة على الانسحاب الكامل من لبنان بعد مقتل رئيس وزرائه رفيق الحريري سنة 2005. حيث أصبحت تركيا المكان الجديد للمليارات السورية التي نقلت إليها من لبنان، وتعاظمت علاقة المصالح بين تركيا سوريا جراء ذلك. وقد لفت كثير من المراقبين حينها إلى قوة العلاقة القائمة بين الرئيس السوري بشار الأسد من جهة والرئيس التركي السباق عبدالله غل، وأردوغان وأوغلو من جهة أخرى، وقد شملت تلك العلاقة كافة الأوجه، حتى الاجتماعية منها، حيث أقرّت الحكومة التركية تسهيلات لانتقال العائلات السورية بين جانبي الحدود، وشملت تلك التسهيلات مرور البضائع أيضا.
ورغم ذاك التحسن الذي اتسمت به العلاقات التركية السورية، بقيت مسألة لواء اسكندرون محظورة على النقاش، بل إنّ النظام السوري كان يعدُ بالتخلي النهائي عنه مقابل تعزيز تلك العلاقات. كما أنّ المصالح المتبادلة فرضت أن يبقى الملف مغلقا؛ حيث أنّ تركيا التي كانت ترغب بالاتجاه شرقا، كانت تعتبر سوريا بمثابة مدخل لها إلى المنطقة العربية، خاصة بعد أن رأى الاتحاد الأوروبي أنها دولة لا تستحق أن تكون جزءا منه. أمّا النظام السوري من جهته فقد وجد في تركيا حلفا جديدا يدعمه في مواجهة الضغوط المتتالية عليه بخصوص مقتل الحريري واعتباره مسؤولا عن ذلك، وأيضا اعتبرها داعمة له بخصوص التفاوض مع إسرائيل وفي كافة شؤون المنطقة، لا سيما وقد ازدادت علاقاته مع أشقائه العرب توترا بعد ثبوت “ارتباطه بإيران التي تستعمله كذراع لها من أجل بسط سيطرتها على أراض عربية”.


المصالح قبل كل شيء
بعد سنة 2004 أعيد ترميم ضريح سليمان شاه، ووقع تشييد أبنية إضافية حوله لاستقبال السياح، وفتحت طرق حديثة في محيطه؛ وكذلك أعطيت “التكية السليمانية” في قلب دمشق للحكومة التركية، كي تستخدمها لمصالحها، وقد زارها غول وأردوغان وكثير من المسؤولين الأتراك.
وتشير تحليلات اقتصادية إلى أنّ تركيا كادت أن تفرض ما يشبه السيطرة على الأسواق السورية، حيث ارتفعت نسبة الصادرات التركية إلى سوريا، ما هدد الكثير من الحرف الأولية في ريف دمشق خاصة وكذلك حلب، وهو ما دمرها لاحقا بسبب السلع التركية الرخيصة، وقد تحوّل بسبب ذلك أصحاب محلات صناعة الأثاث إلى تجّار وفتحوا محلات لبيع السلع التركية، وتمّ مقابل ذلك طرد الحرفيين السوريين من تلك الورش، وهو ما تسبّب في ارتفاع نسبة البطالة وتدني مستوى المعيشة وزيادة منسوب الاحتقان الاجتماعي الذي أسهم بشكل مباشر في احتقان الاحتجاجات ضد النظام واندلاع الثورة.
التدخل التّركي حينها، طرح كذلك على القيادة السورية مسألة إعادة العلاقة مع الإخوان المسلمين المطرودين من سوريا منذ الثمانينات، وحدثت بالفعل لقاءات بين قيادات أمنية سورية وقيادات إخوانية، ونتج عن ذلك تقارب بين الطرفين تجلّى في صور عدّة.
ويرى مراقبون أنّ العلاقات التي قامت بين تركيا وسوريا منذ 2004 استفادت منها الأولى كثيرا على حساب الثانية، وهو ما دفع تركيا، مع بداية الثورة السورية، لزيارة النظام السوري عشرات من المرات لحثه على التفاوض مع الشعب وإجراء إصلاحات عامة ديمقراطية وسريعة والحد من السلطة الأمنية التي واجهت السوريّين على مدى عقود وبشكل مضاعف مع بداية الثورة، حفاظا على مصالحها وليس حبا في الشعب السوري. وقد طرحت تركيا كذلك حلولا للنظام تقيه لهيب الثورة المتنامي تمحورت في مجملها حول حلّ مضمر دفعت إليه تركيا بكل طاقتها مفاده أنّ تعويل نظام الأسد على الإخوان المسلمين من شأنه أن يوفر له طوق. غير أن النظام السوري، الطائفي بدوره، رفض كل المحاولات التركية، وهو ما أصاب العلاقة بفتور كبير إلى أن قطعت نهائيا بينهما، وحينها أعلنت تركيا أنّ على بشار الأسد أن يرحل وأن نظامه لم يعد له مستقبل.

تركيا تعتقد أن القوة القادرة على حماية مصالحها في سوريا مستقبلا هي الإخوان

الوهم العثماني
مشكلة تركيا كانت تكمن في شكل نظامها الإسلامي، فهي بدل أن تتعامل مع الثورة السورية من زاوية انحيازها إلى الشعب الذي أضنته السياسات الأمنية والخيارات الاقتصادية لنظام الأسد، صاغت رؤيتها انطلاقا أنّ سوريا دولة ملحقة بها وأنّ هذه الاحتجاجات تتيح أمامها فرصة لأن يصل الإسلاميون التابعون لها إلى الحكم ليتمّ تأبيد التبعية من ثمة. وهذا بالفعل ما دفعها إلى تقديمهم كقوة سياسية وحيدة في أيّ مفاوضات جرت مع النظام قبل الثورة وبعدها.
وبذلك، فقد كان الدعم التركي موجها للحلفاء الإخوان لا للشعب السوري، وتركيا لم تكن تخفي ذلك أبدا، حيث دعمت المجلس الوطني لأنّ الإخوان كانوا يشكلون قوة رئيسية فيه ولأنّ “إعلان دمشق” متحالف معهم، وعطّلت كل تشكيل سياسي لا يعطي الإخوان دورا وازنا فيه، وفرضت سيطرة الإخوان مع تتالي سنوات الثورة على كافة مؤسسات الحكومة المؤقتة، ولا سيما المدارس التعليمية؛ وبدورهم انتهج الإخوان أسلوب “الأخونة” كافة المؤسسات السياسية والخدمية للمعارضة.
تركيا تعتقد أن القوة القادرة على حماية مصالحها في سوريا مستقبلا هي جماعة الإخوان المسلمين، وهذه الأخيرة لا ترى أنّ سوريا تمثّل وطنا ذا سيادة بالنسبة لها، حيث تسعى شأنها شأن النظام من قبل إلى إقامة أفضل العلاقات مع تركيا وفق منطق التبعيّة. الثابت أنّ تركيا المنخرطة في دعم المعارضة السورية، لم تجد حلفا دوليا يساندها في معركتها هذه، وهي لا تستطيع زيادة الدعم بشكل واسع فالنظام محمي من إيران وروسيا، ويشكل أي توسع إضافي في الدعم ضررا كبيرا على العلاقات مع إيران وروسيا، ناهيك أن الولايات المتحدة يبدو أنها لا تخطط لإسقاط النظام، وهدفت من خلال دعمها المحدود للمعارضة إلى تحويل سوريا إلى ساحة صراع استنزافي لكافة الدول المحيطة بسوريا وكذلك للجهاديين ول”حزب الله”؛ وبالتالي لم تستجب لطلبات المجلس الوطني بالتدخل العسكري ولا للائتلاف الوطني بزيادة الضغط على النظام. وبذلك قُيّدت أيادي الأتراك، وحُدّدت لهم حدود الدعم بما لا ينهي النظام ولا يسقطه، ولا يقوي الفصائل العسكري ولا يضعفها كذلك.
أردوغان المهووس بالأوهام العثمانية، يعلم أنه لا يستطيع استعادة سوريا كأقاليم تركية، لكنّه يسعى إلى تولية الإسلاميين التابعين له عليها
وبالتالي فإنّ تركيا الساعية إلى تعويض خساراتها، أيّ اتفاقاتها السابقة مع النظام السوري التي انتهت، لم تتوقف عن دعم المعارضة والإخوان تحديدا، وأخيرا تحول هذا الدعم إلى “داعش” والجماعات الجهادية الأخرى. ولكنّها بقيت حريصة ألاّ يهدد دورها هذا علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة، ومع داعمي نظام الأسد من جهة أخرى. حيث أنّ الخلاف التركي مع الولايات المتحدة يقتصر على موقفها من الحرب على “داعش” ورفض الأميركان لأن تشمل الحرب النظام، وكذلك بخصوص الأكراد وإعطائهم دورا في فرض سلطات محلية وتشكيل قوات عسكرية كردية خاضعة لحزب العمال الكردستاني. وهو ما يحول دون انضمامها إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب إلى حدّ الآن.
ويشكل الموقف الأميركي الداعم لاعتبار إيران قوة إقليمية في المنطقة، سببا إضافيا في تقليص العلاقة بين أنقرة وواشنطن. وبناء على ذلك يرى مراقبون أنّ كل ما لا يخدم تحقيق الهدف التركي في سوريا لن تكون تركيا فاعلة فيه، حيث أنها تريد أن تحافظ على مصالحها القديمة في سوريا وإيصال الإسلاميين إلى الحكم فيها، وربما اعتراف كامل لها بالسيادة على لواء اسكندرون.
أنّ أردوغان المهووس بالأوهام العثمانية، يعلم أنه لا يستطيع استعادة سوريا كأقاليم تركية، لكنّه يسعى إلى تولية الإسلاميين التابعين له عليها، وهذه الاستراتيجية “الفاشلة” التي مازالت حاضرة بقوة على أجندة الحكومة التركية، تعقّد مسار ثورة الشعب السوري؛ فتركيا بذلك تساعد في تأخير الثورة وتسهم في إطالة عمر النظام.
خلاصة القول، إنّ اعتبار نقل رفات سليمان شاه إلى أرض سورية جديدة مسألة سيادية للدولة التّركية، وأنها لم تتخل عن سيادتها لهو أمر يسيء للعلاقات بين الشعبين التركي والسوري. وربما ينبئ بانفجار في المستقبل، لأنّ الصراع العنيف الذي تشهده سوريا اليوم هو الذي يؤجل مثل هذه القضايا التي تتعلق بالسيادة السورية على أراضيها، لا بسيادة نظام الأسد على الأراضي السورية، وهذا ما يجب أن تعيه تركيا، التي يجب أن تلجم مطامعها تجاه الشعب السوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.