تقرير: عبدالقادر باراس يعتبر مركز الدراسات والبحوث اليمني في عدن الذي كان سابقا يحمل اسم "المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف" من مراكز البحوث الرائدة في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والذي تأسس وفقا للقانون رقم (20) لسنة 1974م وكان الفقيد علي عبدالرزاق باذيب، أول رئيس له ومن بعده الفقيد عبدالله محيرز، بالإضافة إلى نائبه الفقيد علي يحيى بن عقيل.
كان للمركز أدوارا وإسهامات كبيرة في تجميع المخطوطات اليمنية من كافة محافظات الجنوب، وما مثّله ذلك من قيمة علمية وتاريخية ولم يقتصر ذلك على مجال التجميع بل تجاوزه إلى البحث والنشر لتلك المخطوطات والحرص والعناية بمختلف الدراسات والبحوث المتعلقة بتراث اليمن وتكوينه الحضاري، كما يعود الفضل للمركز بالاحتفاظ والعناية بكافة الوثائق الخاصة بالأرشيف البريطاني إبان فترة احتلال بريطانيالعدن، وشملت إسهامات المركز كذلك مجالات التأليف والترجمة للدراسات والأبحاث بالإضافة إلى فهرسة وتنظيم المطبوعات لتسهيل الاستفادة منها من قبل الباحثين والاختصاصيين والمهتمين وكذا الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بحسب القواعد والنظم التي حددها المركز في هذا الشأن.
وشهدت فترة أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي نشاطا ملحوظا في استنباط وإحياء وتنقية مجالات التراث اليمني لما فيه خدمة ومصلحة الثقافة الوطنية. ناهيك عن الاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية في تقديم الرؤى والأفكار والدراسات التي تخدم أغراض وأهداف المركز الثقافية والعمل على تكوين جسور من التواصل والصلات الوثيقة مع مختلف مراكز الدراسات والبحوث في بلدان العالم المختلفة. كما حرص على تأهيل وتدريب كوادره بشكل دائم ومستمر بإيفادهم في دورات خارجية في شئون تنظيم المكتبات وحفظ وأرشفة الوثائق وغيرها من مجالات التأهيل المرتبطة بالدراسات والبحوث المختلفة.
إلا ان هذا المركز ومنذ تحقيق الوحدة في عام 1990م دخل في سراديب الإهمال والتهميش المتعمد بعد دمجه بمركز الدراسات والبحوث اليمنيبصنعاء، فلم يتم إعداد وإقرار اللوائح والأنظمة التي تنظم عمل مركز الدراسات والبحوث اليمني وفرعه بعدن فيما عدا إقرار موازنة مركزية واعتماد موازنة هزيلة لفرع عدن لا تكفي بالكاد رواتب الموظفين دون المقدرة على تنظيم أي نشاطات علمية وثقافية للفرع بل انه تم سحب الموازنة الخاصة بمجلة التراث اليمني التي كان يصدرها الفرع والتي كان رائدها الأستاذ علي عقيل بن يحيى، والتي كانت تعني بمختلف شئون التاريخ اليمني وتراثه الشعبي والتي تزخر بمواضيع ودراسات قيمة يخدم لكافة القراء والمثقفين والباحثين وبدلا من تطويرها والاهتمام بمبدعيها تم سحب موازنة تلك المجلة الرائدة لتغطية العجز الذي كانت تعاني منه مجلة الدراسات بصنعاء، بل أن الإهمال واللامبالاة وصلت إلى المبنى نفسه فلم يتم تنفيذ أي أعمال ترميم لمبنى الفرع في عدن منذ العام 1990م.
ولتسليط الضوء عن دور المركز ومراحله وقضاياه تحدثت د. إيمان ناجي، مدير عام مركز الدراسات والبحوث في عدن، لصحيفة "عدن الغد" قائلة: "المركز تأسس في عام 1974 وكان يسمى "المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف" ومنذ قيام الوحدة في 1990م تغير اسمه إلى "مركز الدراسات والبحوث اليمنية" وكان مهام المركز في السابق يقوم بنشر وتوثيق الأبحاث الثقافية والأثرية من قبل مؤرخين وباحثين من داخل المركز وخارجه وكذا إصدار الكتب ونشر الأبحاث في مجلة "التراث" وهي تصدر باسم المركز، كما كان للمركز نشاطات عدة منها الثقافية والفكرية والأثرية ويعمل على توثيقها.
وأضافت د. إيمان، حديثها عن تحول المركز بعد الوحدة إلى فرع تابع لمركز الدراسات والبحوث اليمنيبصنعاء قائلة: "تم دمج الآثار والمتاحف (عدن) للهيئة العامة للآثار والمتاحف (صنعاء).. بمعنى انه بعد أن كان مركز رئيس في عدن انشطر إلى جهتين وأصبح مركز الدراسات والبحوث اليمني وأصبح مركز عدن يتبع مركز صنعاء في كل أنظمته ولوائحه الأكاديمية والإدارية، الذي يعنى بإجراء الدراسات والبحوث الميدانية والنظرية في مناحي مختلفة للعلوم الإنسانية كما انه ينظم العديد من المؤتمرات والندوات الهادفة إلى توثيق التاريخ اليمني.. وعلى ضوء ذلك اختلف منهج العمل في المركز في المجال البحثي والإداري وهذا آل إلى تنظيم هيكل العمل ووجدت عدد من الدوائر البحثية متمثله في الدائرة التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، ودائرة المكتبات والدوريات.. ويشمل المركز عدد من المؤرخين والباحثين الذين يقومون بعمل دراسات وأبحاث في مختلف التخصصات العلمية وقد نشر العديد من نتاجاتهم البحثية في كتب ومجلات المركز".
وعن أهم القضايا الذي يعاني منها فرع المركز بعدن ذكرت د. إيمان ناجي، منها: "ضعف ميزانيته التي لا تغطي نفقاته، وعدم إشراكه في كثير من النشاطات البحثية والعلمية من ندوات آو حلقات نقاش، وغيرها من الفعاليات الداخلية والخارجية التي يقوم المركز الرئيسي. وتوقف إصدار مجلته مجلة "التراث" التي كانت تصدر سابقا وتوقفت بعد عام 1990م. وكذا عدم رفد مكتبته بالكتب التي تشترى من المعارض الداخلية والخارجية". وطالبت د. إيمان ناجي، مدير عام المركز في ختام حديثها "بضرورة الإسراع بإعطاء المركز استقلاليه ماليه، وكذا ضرورة العمل على ترميم المركز". حتى يتمكن من تسيير عمله بطريقه تليق بمكانته في عدن التاريخ والحضارة".
يتفق الكثيرين بأن الواقع السياسي في البلاد أثر تأثيرا واضحا في اتجاهاته على الجنوب كإستراتيجية ممنهجة بقصد تهميشه، وكان لفرع المركز بعدن نصيبا من ذلك التهميش بسبب ممارسات إقصائية اتبعه المركز الرئيسي في صنعاء، عن ذلك يقول د. مرشد شمسان، الذي شغل مدير سابق للمركز خلال عامي "2000 – 2014م": أن سببه الواقع السياسي، لم يعطى لفرع المركز أي اهتمام بجوانبه المادية او في تأهيل كوادره المتخصصة فأبقته بعيدا عن مراكز الابحاث العلمية دون يستلم حتى موازنة الكتب او يرفد بكتاب واحد أكانت من المعارض الداخلية او الخارجية، ظلت الكتب حكرا على المركز الرئيسي ولا تعطي من حصتها للفرع. فافتقد فرع المركز المصادر والمراجع في مجال الدراسات والبحث العلمي منها الحديثة وهذه قضية أساسية، لأن المتوفر لدى المركز لا تفي بالمستوى المطلوب وكذا افتقاده للدورات الإنعاشية الذي كان يفترض أن يحصل الفرع على حصته منها بمختلف التخصصات أكانت دورات داخلية او خارجية، للأسف الشديد التأهيل يتم في المركز الرئيسي في صنعاء، ولا يعطى اهتمام للباحث في فرع المركز بعدن، كذلك لم يتم إرسال أي باحث من عدن للمشاركة في ندوات خارجية إنما اقتصر على المشاركين من المركز الرئيسي في صنعاء فقط". ختم د. مرشد شمسان، قوله "بأنه يأمل من الأخوان في صنعاء ان يغيروا من توجهاتهم نتيجة تصرفات سلوكهم الغير وحدوية، يكفي ما عملوه منذ بداية الوحدة 1990م في كل المجالات على تحايلهم في كل ما هو كان متفق عليه، على سبيل المثال ما تم الاتفاق منذ بداية الوحدة على تسمية المركز ب"مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية" لكنهم عمدوا على التخلي عن هذا الاتفاق"
فيما يقول د. أحمد صالح رابضة، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المشارك بكلية التربية جامعة عدن، الذي تولى إدارة المركز للأعوام 1990- 2000م سبب المشكلة دون ازدهار المركز: "أن مشكلة المركز الأساسية تكمن في عدم وجود خطط عمل حتى في إطار المركز الرئيسي تحدد فيها إستراتيجية واضحة لآلية العمل العلمي البحثي خاصة في مجال المخطوطات الأمر الذي كان له آثره السلبي في عدم القدرة على تحقيق وحدة لاستنهاض مكامن التراث في ظل غياب الإرادة السياسية. نأسف على ما نحن فيه، على الرغم ما بذل من جهود وإسهامات من قبل مؤسسيه الأوائل وأن لا ننساها، كانت لهم جهود شخصية كبيرة في إرساء دعائم الاستمرارية لنشاط وعمل المركز الذي تربطه كذلك بعلاقات تعاون مع جامعة عدن في الماضي". ويختتم د. رابضة حديثه بالقول: "كان ينبغي أن نرتقي بمراكزنا البحثية في بلادنا بالاهتمام، فدولة مثل سلطنة عمان على سبيل المثال حققت قفزات هائلة في مراكزها البحثية لوجود الاهتمام والرعاية المستمرة من قبل الدولة عليها، على الرغم بأن تكوين هذه المراكز جاء بعد سنوات طويلة.. لكن علينا في الوقت نفسه أن لا نلقي كل التبعات على المركز الرئيسي فيما وصل إليه حال فرع المركز في عدن الآن خاصة في ظل ضعف مخصصات الموازنة التي لا تفي حتى متطلبات المركز الرئيسي فما بالكم بالفرع في عدن". في اعتقادنا أن المطلب الوحيد من الوضع المهمش الذي يعيشه المركز في عدن بفعل سياسات النظام التي أضرت بصرحه الثقافي في العقدين الماضيين، يتطلب في المقام الأول أن يكون للمركز كيانا مستقلا حتى يستطيع تسيير أعماله وأنشطته ويضع استراتيجيه وخطط لبرامجه اللازمة والاستفادة من كافة الطاقات البشرية والمادية المتاحة، وأن يهتم بكوادره ويوفر دورات التدريب والتأهيل ومشاركات خارجية، كل ذلك سيسهم بالارتقاء بعمل المركز.