ثمة مثل يمني يقول "كل ما صفت غيمت"، وهذا هو حال أزمة اليمن اليوم، التي باتت مرشحة للانتقال إلى العاصمة السعودية الرياض، بعد أن وافق الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول مجلس التعاون على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لاستضافة أطراف الخلاف اليمني، بعد أن تعذر جلوسها إلى طاولة واحدة في داخل اليمن. " يعتمد الحوثيون على حليف داخلي قوي هو الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وحليف خارجي هو إيران
"
لقد ساد الاعتقاد في الأيام الأخيرة بأن خروج هادي وغالبية أعضاء حكومته من أسر حركة "أنصار الله" (الحوثيين) في صنعاء إلى عدن سوف يكون بداية لمخرج من الأزمة، من خلال حشد ثقل شعبي في الجنوب والشمال يعزل الحوثيين، ويشكّل ضغطاً عليهم للعودة إلى نقطة البداية التي تم فيها توقيع "اتفاق السلم والشراكة" في سبتمبر/أيلول الماضي برعاية ممثل الأممالمتحدة جمال بنعمر، وكانت حركة هادي بعد خروجه من صنعاء تهدف إلى استعادة الشرعية في الداخل وكسب الدعم والتأييد من طرف العالم الخارجي، وتمكن خلال فترة قصيرة أن يجمع حوله شارعاً واسعاً في الجنوب والشمال رافضاً الانقلاب الحوثي، ومساندة خارجية تمثلت بانتقال العمل الدبلوماسي إلى عدن، إلا أن كل ذلك لم يغير في سلوك الحوثيين الذين يعتمدون على حليف داخلي قوي هو الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وحليف خارجي هو إيران بدأ يؤكد حضوره كل يوم في مجريات الأزمة، ويعمل على تثبيت أقدام حلفائه الحوثيين، ويدفع بمشروعهم إلى الأمام. وهنا تتوجب الإشارة إلى الاستثمار الإيراني الصريح والسريع للموقف، من مظاهره أن طهران سارعت إلى تسيير رحلات جوية إلى صنعاء بمعدل رحلتين في اليوم، وشرعت في استقبال وفود حوثية على مستوى عال. وهذا يوجّه رسالة ذات مضمون واضح بأن العلاقة مع الحوثيين لا تقتصر على التعاطف والدعم السياسي، بل هي أكبر من ذلك بكثير. وكشفت جملة من التسريبات عن دور لإيران والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في هندسة وترتيب الانقلاب على شرعية هادي، بالتعاون مع علي عبد الله صالح، الذي لا يوفر مناسبة من أجل إعادة خلط الأوراق في اليمن؛ بهدف إسقاط هادي وإقصائه من المشهد في صورة كلية.
" ثمة إشارات ملموسة إلى أن الحوثيين لن يسجلوا على أنفسهم عرقلة اجتماع الرياض، ولذا فإنهم يناورون اليوم من أجل الحصول على مكاسب سياسية قبل أن يلتحقوا بطاولة الحوار
"
وفي الوقت الذي تبدي فيه دول الخليج استعدادها لرعاية الحل السياسي في اليمن، فإنه ثمة إشارات ملموسة إلى أن الحوثيين لن يسجلوا على أنفسهم عرقلة اجتماع الرياض، ولذا فإنهم يناورون اليوم من أجل الحصول على مكاسب سياسية قبل أن يلتحقوا بطاولة الحوار في مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض، وأول المكاسب التي يعملون لانتزاعها سيكون فتح الباب أمام حليفهم الإيراني ليدخل كلاعب رسمي في اللعبة. في هذا السياق بدأت منذ يومين تسريبات عن وساطة روسية لدى طهران من أجل إقناع الحوثيين بالمشاركة في حوار الرياض، وإذا تم ذلك فهو سيقود في نهاية المطاف إلى حجز مقعدين للإيرانيين والروس في قطار الحل اليمني. ولكنهم لن يكتفوا بذلك، فلديهم من الألغام ما يمكن أن يفجر المساعي في أي لحظة. أول الألغام التي في يدهم تتعلق بأمر تمثيلهم على طاولة الحوار، وهم في هذه الحالة يعتبرون أنفسهم الطرف الذي يمسك بأقوى الأوراق، ولن يقبلوا بالحضور مثلهم مثل أي طرف آخر. فالاتصالات التي تمت بهم حتى الآن والعرض الذي تلقوه للمشاركة يقول إن "الحوثيين كبقية الفصائل السياسية والأحزاب الأخرى في اليمن، لهم حق التصويت، ولكنهم لا يزيدون عن غيرهم، وفي نفس الوقت هم لا يقلون عن غيرهم، بل لهم مكانتهم". ومن خلال قراءة للوقائع الميدانية لا يبدو أن الحوثيين سيقبلون هذه المعادلة، ففي نظرهم إن موازين القوى تسمح لهم بأكثر من ذلك بكثير. وترى مصادر يمنية أن هذه العقدة تعدّ من أصعب المعوقات لانعقاد ونجاح الحوار. أما اللغم الثاني الخطير فهو يتمثل بالرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي لم توجه له دعوة شخصية لحضور الحوار، بل إن الدعوة موجهة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتنازع عليه مع هادي. وحتى لو تم توجيه الدعوة لممثلين عن صالح مباشرة فإن هؤلاء سيشكلون مع الحوثيين طرفي تحالف واحد. والملاحظ أن صالح قد استعاد حركته ونشاطه في الأيام الأخيرة، ورغم تجديد العقوبات عليه من مجلس الأمن والكشف عن ثروته التي قدرتها لجنة الأممالمتحدة للعقوبات بحوالي 60 مليار دولار، فإنه عبّر عن نوايا لتصعيد الموقف نحو حرب عسكرية تجتاح الجنوب من أجل طرد هادي وأنصاره من عدن، واستعاد صالح في خطاب لافت له أمام حزب المؤتمر ذكرى حرب عام 1994، التي شنها ضد شركاء الوحدة الجنوبيين من أجل طردهم من اليمن. وقال صالح، أولئك فتحنا لهم ثلاثة طرق للهرب براً إلى السعودية وسلطنة عمان وبحراً إلى جيبوتي، أما هؤلاء فلن نترك لهم سوى طريق البحر إلى جيبوتي. وهذا تهديد يُحسب حسابه في ظل قوة صالح العسكرية في الشمال والجنوب معاً، وحتى داخل عدن لا يزال مؤيدوه يسيطرون على وحدات عسكرية مثل القوات الخاصة التابعة للأمن المركزي التي رفض قائدها العقيد عبد الحافظ السقاف، تنفيذ أمر إقالته من طرف هادي وتمترس في معسكره وسط عدن مهدداً بإحراقها. ويعد السقاف من الموالين لصالح صراحة وقد أعلن تأييده وانضمامه للحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو يتصرف من موقع قوة ولم تستطع الاحتجاجات الجنوبية النيل منه في السابق. فهو متهم بأعمال قتل ناشطين وحيازة سجون سرية في المدينة. ولذا فإن قيام صالح بتكرار سيناريو عام 1994 يبدو غير مستبعد الحدوث؛ كخيار يعيد من خلاله تقديم نفسه كشخص يمتلك أوراق قوة تخوله أداء دور محوري في الأزمة الراهنة.
" في لعبة البازار يبدو هامش الحركة لدى إيران أوسع منه لدى دول الخليج إزاء هذا الوضع المعقد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي أوراق الضغط الخليجية على الحوثيين وصالح؟ وهنا تبدو قوة الضغوط متفاوتة، فهي مع الحوثيين تبدو ضعيفة جداً، وليس هناك مدخل خليجي مؤثر سوى إيران، وبالتالي فإن هذه القضية خاضعة للمساومة. وفي لعبة البازار يبدو هامش الحركة لدى إيران أوسع منه لدى دول الخليج التي ليست موحدة على موقف مشترك، حيث تغرد سلطنة عمان وحدها خارج السرب. وذلك في الوقت الذي يرى فيه الإيرانيون في هذه الورقة كنزاً كبيراً، وسيضعونها أمام دول الخليج للتفاوض على معادلة أكثر تعقيداً، وذات حمولة تتعلق بدورهم وموقعهم في الترتيبات الإقليمية كافة. وكما يتصرف الإيرانيون في العراق وسورية ولبنان، فإن ورقة اليمن باتت في حساباتهم الاستراتيجية، بما يتجاوز حدود الإقليم إلى ملفات أخرى حساسة وفي مقدمتها الملف النووي. أما في ما يخص صالح، فليس هناك ورقة أكثر مضاء من ورقة التهديد بمصادرة ثرواته، التي يستثمر قسطاً كبيراً منها في بعض دول الخليج، وفي حال اتخذ مجلس الأمن موقفاً صارماً من موضوع ثروة صالح فإنه سيعيد حساباته كثيراً، ويضع حداً لتدخلات نجله أحمد، الذي سيّر في اليومين الماضيين تظاهرات في صنعاء لترشيحه للرئاسة، الأمر الذي يعد تصعيداً في هذا الظرف. وفي نهاية المطاف لدى دول الخليج أولويات أساسية في اليمن، ولذا تراهن على انعقاد الحوار وإنجاحه. تتعلق الأولوية الأولى بحضور إيران في اليمن، والذي بات يهدد في الدرجة الأولى المملكة العربية السعودية مباشرة، وهو لن يتوقف عند حدود اليمن، ولا سيما أن طهران جربت في السابق لعب ورقة تحريك الشيعة السعوديين. والأولوية الثانية هي الأمن الإقليمي، وخصوصاً أمن البحر الأحمر وباب المندب، وهذه المسألة دولية بقدر ما هي إقليمية، والثالثة هي تنظيم القاعدة الذي يهدد اليمن كما يهدد السعودية، ولكن خطره الرئيسي يكمن في الجنوب أكثر من الشمال، وخصوصاً أن هناك معلومات مؤكدة على أنه مخترق منذ زمن طويل من قبل علي عبد الله صالح الذي يستطيع تحريكه بسهولة. وهذا أمر خمنته أوساط عديدة في هجوم القاعدة على منطقة المحفد الجنوبية منذ يومين، واعتبرته الأوساط أنه رسالة صريحة من صالح لهادي. ألغام كثيرة على طريق الحوار اليمني، لكن بعضها قد ينفجر قبل انعقاده في الرياض، ذلك أن الكثير من المراقبين توقفوا ملياً أمام تهديدات علي عبد الله صالح باستخدام القوة العسكرية، وهناك من يتخوف من أن يسبق التفجير العسكري في الجنوب مساعي الحوار، من أجل تجريد هادي من أوراقه وفرض أمر واقع على الأرض، مثلما شكّل اجتياح صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي نقلة رئيسية في الأزمة.