تقلدت عدة ألقاب، وعاشت عصرا مثار إعجاب، وعشقها الأطفال والكهول والشباب، نعم! إنها مدينة عدن، مدينة السحر والجمال، مدينة الحضارة والخيال، مدينة العلم والثقافة والكمال. لقد عاشت زمنا من الرقي والتطور، وواكبت معظم العواصم الأوربية في التقدم والازدهار ، ولمع نجمها إبان الاستعمار البريطاني الذي توغل فيها مايقارب 130عاما. وعلى الرغم من تواجد الاستعمار إلا إنها ظلت المدينة العربية الفريدة في تقدمها لما شهدته من تطور حضاري في مختلف المجالات: العلمية، والثقافية، والرياضية، والاجتماعية، والتمنوية. وحسبنا مواجع في أن نعيد الذاكرة إلى الوراء ونتحدث عن تطورات وإنجازات وتقدم ورقي في عهد الاستعمار الأجنبي الذي يصفه بعض الآباء بالاستعمار البغيض والمتغطرس و..و..، ناهيك عن الدروس المكثفة التي حشدت في مناهجنا الدراسية قبحا ولعنا ببريطانيا وتمجيدا وتخليدا لثورة الشعب التي طردت الاحتلال البريطاني بإرادة الثوار الفولاذية. لكن المرحلة الزمنية الطيبة مابين1967م و 1990م هي من جعل المؤرخين والساسة الجنوبيين ينعتون الاستعمار البريطاني بمثل هكذا نعوت لأنهم وجدوا في هذه المرحلة انفتاح سياسي واجتماعي أكثر مما كانوا عليه في عهد بريطانيا، وبالوقت نفسه لم يكونوا يوما متصورين ما تخفيه لهم الأقدار وراء أحلامهم القومية الرامية إلى توحد الأمة العربية والإسلامية. ثم أن لي أحاسيس ومشاعر -وعن غير قصد- تخوض في الأفكار نفسها وترى أن التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية يلوح في الأفق وأن فك الإرتباط من دولة الوحدة بات وشيكا، لكن ما ألطف تلك المشاعر حين تتسائل: ماذا عسى أن نكتب ونؤرخ عن الوحدة اليمنية بعد الاستقلال وماهو الانطباع الذي سنكنه لأشقائنا في الجمهورية العربية إذا كان شعبنا الجنوبي قد حمل ماحمل من الحقد والكراهية على الاستعمار البريطاني وقد لمسنا العديد من مشاريعه وانجازاته حتى عهد قريب ومازالت بعض آثاره التنموية حتى يومنا هذا وأقل مايمكن استذكاره هنا تعاطفه الإنساني وإحترامه لمبادئ حقوق الإنسان في فترة استعماره للجنوب. وطبعا الرسالة هنا واضحة جدا فلا يعني حديثي هذا تباكي على الاستعمار الأجنبي أو تقليل بحق عشاق الحرية (ثوار أكتوبر الشرفاء) وإنما إشارة إلى البديل العربي الذي ظل أبناء الجنوب يرددون شعاره منذ الاستقلال المجيد في أواخر الستينيات. ثم تفرض الأسئلة التالية نفسها لمن هو على قيد الحياة من الآباء والأجداد (الثوار) الذين ناضلوا ضد الاستعمار البريطاني، ماذا يسمون الوضع القائم في الجنوب بعد العام 1990م وخصوصا بعد الحرب الظالمة في صيف 1994م.؟ وماذا حققت الوحدة التي تغنيتم بها.؟ ألم يكن الاستعمار الأجنبي يوما أرحم بشعبنا من وحدة مع شطر عربي ألتهم الأخضر واليابس وقضى على كل مقومات الدولة في الجنوب، وحول العاصمة عدن إلى قرية خاوية على عروشها، لامؤسسات، ولامنشآت، ولا موانئ، ولا أمن واستقرار، بل حولت إلى مقلب للقمامات تنعم فيها الغربان بعد أختفاء هديل الحمائم كما هو حالها اليوم.؟ وأيهما أرق من المصطلحين على أسماع الجنوبيين في وقتنا الراهن أمصطلح (الوحدة اليمنية) أم مطلح (الاستعمار البريطاني).؟ بدون شك الجميع يدرك إجابات الاستفاهات السالفة ويدرك جيدا النتائج السلبية والايجابية التي حصدناها من الوحدة اليمنية خلال عقدين من الزمن. وأي فائدة حصدناها من الوحدة خصوصا مع سقوط أكثر من ثلاثة آلاف شهيدا في مسيرات سلمية في غضون ست سنوات من النضال السلمي الحضاري المعبر عن مطالب شعب الجنوب. وفي الأخير يؤسفني كثيرا أن نتحدث عن بناء وإنجازات ورقي وتطور وإزدهار في عهد استعمار أجنبي لعدن ومدن الجنوب، في حين نتحدث عن نهب ،وسلب، وتدمير، وبطش، وقتل، وتنكيل، وتسريح، واغتيال في ظل الوحدة اليمنية التي سعينا لها نحن الجنوبيون بأنفسنا من جراء تشبثنا بأهدافنا القومية الرعناء، ويمكن أن يطبق على شعبنا العظيم المثل العربي القديم (على نفسها جنت براقش).