عند تجوالنا في مدينة تريم والتي تقع على مسافة 35 كم شمال شرق سيئون ,انتبنا شعور واحساس عميق باننا نحاكي تاريخ عريق لمدينة كانت ومازالت تعد من أبرز المراكز العلمية والتي شكلت رافداً لنشر الإسلام ورسالة التسامح والمحبة والاخاء وتخطت هذة الرسالة حدودها ووصلت الى جنوب شرق آسيا والهند و شرق أفريقيا وهاجر كثير من ابنائها الى الشاطئ الغربي من الهند وكونوا بيوت تجاريه في سنغفوره واندونيسيا منذ عام 1220 ميلادية تريم كانت دوما في الريادة حيث شهدت بزوغ أهم المراكز العلمية والدينية على أرضها منها معلامة أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم التي تم انشائها في القرن السادس الهجري ورباط تريم العلمي الذي تم افتتاحه في سبتمبر 1887 ميلادية والعديد من المدارس العلمية منها دار الزهراء للطالبات و دار المصطفى للدراسات الإسلامية والذي أسسها الحبيب عمر بن حفيظ في عام 1993 ميلادية وتحول الى صرحاً علمياً متميزاً تستقطب الطلاب من مختلف أنحاء العالم. في تريم الوقت يمر ببطء ولامجال للركض السريع لمواجهة متاهات الحياة اليومية ,فقط استرخي وتناول فتناول كوبا من الشاي الحضرمي أو عصير الليمون في إحدى المقاهي وأجلس متأملا ,لان هذه المدينة تغازل الزمن بكل هدوء وسكينه وتبتسم وتصافح كل من يزورها تريم سميت باسم بانيها (تريم بن حضرموت )وكانت عاصمة الدولة الكثيرية في القرن السادس عشر ميلادي. واشتهرت بكثرة مساجدها وكان عددها يقارب ال 365 مسجد. واشهر معالمها مسجد المحضار والذب تم بنائة في عام 1914 ومنارته الشامخة التي يبلغ ارتفاعها حوالي 53 متر وهي مربعة الشكل وبداخلها درج للصعود إلى أعلاها وتعتبر من أهم المعالم الإسلامية والمعمارية كونها مبنية من الطوب (المصنوع من الطين والقش ) وبأسلوب هندسي فريد ما زالت صامدة امام العوامل المناخية في مسجد المحضار توجد مكتبة الأحقاف للمخطوطات وهي مكتبة أثرية تحتوي على العديد من المخطوطات تم تنظيمها حسب الموضوعات في كل مناحي العلوم والمعرفة البشرية. سميت المكتبة ب (الأحقاف) تيمناً بهذا الاسم المبارك الذي ورد في القران الكريم السورة رقم 46 والأحقاف الاسم القديم لوادي حضرموت. تريم هي جزء من حضرموت والتي تعد أكبر محافظاتاليمن بمساحة 155459 كم2. وابنائها تميزوا في ممارسة الاعمال التجارية ومنتشرون في الكثير من الدول وخاصة دول شرق اسيا والخليج. انجبت هذة المدينة الكثير من العلماء والادباء والفنانون ومن أشهر علماء الدين: عبدالله بن علوي الحداد وأبوبكر بن شهاب والشاطري وعلي مشهور وعلي زين العابدين الجفري واخرين. ومن أشهر العائلات فيها: عائلة الكاف التي ينتمي إليها الشاعر العملاق حداد بن حسن وحفيده الشاعر المبدع عبدالقادر الكاف، وعائلة بلفقيه التي ينتمي إليها الفنان الكبير أبوبكر سالم، والكثير من العائلات التي خرج منها أدباء ورجال ثقافة وإبداع مثل: الخرد والعيدروس وبن سميط وباسلمه والعطاس وباجبير وبازرعة والخطيب وبافضل وباشعيب وفي مدينة شبام حضرموت التي تبعد عن تريم بمسافة 54 كم ولد فيها الإذاعي والمعلّق الرياضي الفقيد سالم بن شعيب. حكمة وطيبة أبناء تريم وحضرموت هي مرادفة للوئام والتأخي والسلام وخاصة مدينة بحجم تريم لها حضورها المتميز جغرافيا وعلميا وثقافيا واختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) في عام 2010 لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية هي بمثابة رد الجميل لما أسهمت به في الماضي من مد جسور الثقافة الإسلامية إقليميا وعالميا وعرفانا لإسهاماتها في الحاضر وكذلك في إعدادها للأجيال مستقبلا تريم ظلت لسنوات مهجورة، ولكن أبنائها الطيبون لم يستسلموا لليأس، بل عملوا وبدون كلل في رفع مكانتها عاليا وهي بحاجة ماسة اليوم بان تكون لها صوت مسموع إقليميا وعربيا وإسلاميا لأنها تمتلك كل مقومات ازدهارها وروعة بنائها المعماري المتأثر بفن العمارة في ماليزيا واندونيسيا يعطيها حافزا إضافيا ووجود بعض القصور والتي بحاجة الى اهتمام هي شاهدة على عصر ذهبي عاشته تريم، إضافة لوجود العديد من المساجد والمراكز العلمية والدينية تبذل الجهود من أجل إدراج مدينة تريم التاريخية على ضمن قائمة التراث العالمي وتحظي بتأييد من قبل الخبراء منها الخبيرة الأمريكية في مجال العمارة الطينية باميلا جيروم ولابد من تظافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العالمي لان تريم تستحقها وبكل جدارة تريم رمز المنارة والنور، ملتقى الأحباب، شعلة الصفاء وقبلة التسامح الأبدي. المدينة التي ترتسم في عيوننا بمثابة لوحةً وضّاءة تنير القلوب والوجدان أكثر ما يميز تريم هو طيبة أهلها، وقربها جغرافيا من سيئون وشبام حضرموت رمز العمارة الطينية يعطيها مكانة خاصة لتكون منطلقا وعامل مساعد في تنشيط السياحة الدينية والثقافية اذا ما توفرت شروط وعوامل نجاح هذه الرؤية المستقبلية