تتسارع الأحداث في اليمن بشدة، فمنذ استيلاء الحوثيين على السلطة في العاصمة صنعاء، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، ومن ثم فرض الإقامة الجبرية على الرئيس وأعضاء الحكومة، واليمن دخل في مستنقع عدم الاستقرار وعدم التيقن بما ستؤول إليه الأحداث في هذا البلد الشقيق، حيث أعتقد الجميع بأن هناك اتفاقاً بين مختلف الأطراف اليمنية على الحوار، لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تبدد، عندما قدم الرئيس هادي عبدربه منصور استقالته، ومن ثم خروجه من صنعاء، ليتغير المشهد بالكامل وتتضح الصورة بأن الحكومة ورئيسها كانوا تحت الإقامة الجبرية وتملى عليهم القرارات، السياسية والأمنية، من جماعة الحوثي، وتجلت الصورة عندما غادر وزير الدفاع كذلك صنعاء خفية إلى عدن ليعلن كذلك أنه مع شرعية الرئيس هادي منصور، وبهذا تتضح الأمور أن اليمن حكومة وشعباً مختطفون من جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وأن اليمن أصبح في أمسِّ الحاجة إلى أشقائه العرب ولاسيما الخليجيين، لذلك هناك مجالان للخروج باليمن من السيطرة الحوثية-الإيرانية، وعودة الاستقرار والأمن له، وهما إما الحل السياسي، أو الحل العسكري، وهو الخيار الأخير. بالنسبة إلى الحل السياسي، فيبدو أن المخرج الوحيد هو عودة الحوار بين الأطراف اليمنية كافة، والعودة للمبادرة الخليجية التي كانت أساس الحل السياسي في اليمن، وتم قبولها من مكونات القوى السياسية في اليمن، وبموجبها تم انتخاب الرئيس منصور، بدلاً من علي عبدالله صالح، وكذلك الحوار الوطني الذي انتهى إلى اتفاق الجميع بأن اليمن دولة اتحادية تتكون من ستة أقاليم. كما أن القمة العربية المقبلة التي تعترف بشرعية الرئيس اليمني، ودعوته لحضورها، هي خطوة أولى في اتجاه دعم الحل السياسي، عززها بيان الخارجية المصرية حول الأمن القومي العربي عموماً والأمن القومي الخليجي بأنه خط أحمر والذي صدر الأسبوع الماضي، وهو مؤشر على دور محوري ستلعبه مصر لحل القضايا العربية الساخنة، وأولها الأزمة اليمنية. كما أن موقف دول مجلس التعاون والذي تقوده السعودية، يبدو أنه تبلور بشكل واضح، إذ حذر وزير خارجية السعودية الأمير سعودي الفيصل من اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية منطقة الخليج العربي واستقراره من العدوان الإيراني، إذا لم تحل القضية اليمنية سلمياً وسياسياً، مؤكداً في الوقت نفسه أن دول الخليج لن تتوانى في تقديم الدعم لأي مقترح يقدمه الرئيس هادي في أي مجال. كما أن مجلس الأمن الدولي لوَّح في اجتماعه الطارئ الأحد الماضي 22 آذار (مارس) الجاري، بفرض عقوبات ضد الحوثيين في اليمن، مؤكداً دعمه للرئيس عبدربه منصور هادي والتزامه الكامل بوحدة وسيادة البلاد، وكذلك دان مجلس الأمن الدولي في بيانه سيطرة الحوثيين على أجزاء من أراضي اليمن ومؤسساته الحكومية، داعياً جميع أطراف الأزمة إلى الامتناع عن أي عمل يضر بهذه الشرعية" وبوحدة اليمن، وإلى الالتزام بالمبادرة الخليجية وتنفيذ آلياتها.
لذلك نرى أن هناك جهوداً سياسية لحل الأزمة اليمنية تقودها السعودية ودول الخليج، تتمحور حول الالتزام بالمبادرة الخليجية، وعودة الشرعية المتمثلة بالرئيس هادي عبدربه منصور وحكومته، ورفض سيطرة جماعة الحوثي والتدخل الإيراني في الشأن اليمني، الذي تحول إلى عدوان صارخ على الشعب اليمني ومقدراته.
أما الحل العسكري في اليمن، فهو آخر الخيارات، ويبدو أنه ليس ببعيد إذا لم تتراجع جماعة الحوثي وداعميها، والعودة إلى وضعها السابق، وهذا الحل سيكون ناجعاً إذا جاء عن طريق تشكيل قوة عربية تحت عطاء سياسي عربي وتأييد دولي لعودة الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي، وهذه القوة تكون محمية بقرارات عربية عن طريق القمة العربية التي سوف تعقد في القاهرة، وبطلب من الحكومة الشرعية في اليمن التي يمثلها الرئيس هادي عبدربه منصور، وطلب وزير الخارجية اليمني رياض ياسين الإثنين الماضي 23 مارس، من دول الخليج العربية التدخل عسكرياً في اليمن لوقف تقدم المسلحين الحوثيين، هو أساس لقرار عربي لتشكيل قوة تدخل في اليمن، مضيفاً أن بلاده طلبت تدخل قوات درع الجزيرة في اليمن؛ لوقف التوسع الحوثي المدعوم من إيران، وبذلك تكون قوات درع الجزيرة نواة لهذا التدخل، والهدف هو إعادة الشرعية وحماية المصالح العربية، وهناك أمثلة في التاريخ العربي لهذا النوع من التدخل المشروع والمدعوم دولياً، حيث شكلت الدول العربية وبقرارات من جامعة الدول العربية، وبحسب ميثاق الدفاع العربي المشترك، قوات الردع العربية في لبنان عام 1976، وكذلك التحالف الدولي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1990، سبقها كذلك تشكيل قوة عربية لحماية الكويت عام 1961، من التهديدات العراقية، لذلك الإطار والمسوغ القانوني موجود وبحسب ميثاق جامعة الدول العربية.
ما يتعلق بالموقف الدولي -والأهم فيه هو الأميركي، والذي تحكمه محاربة القاعدة- فقد بينه السفير الأميركي في اليمن ماثيو تولر، بتصريحه الأسبوع الماضي بعد اجتماع مع أعضاء غرفة التجارة العربية الأميركية، بقوله: "إن واشنطن وحلفاءها بحاجة إلى اتخاذ قرارات بسرعة؛ للحفاظ على إمكان التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية"، وأضاف السفير: "أنا متفائل بأن الفصائل المتصارعة في اليمن يمكن أن تتوصل إلى اتفاق على تقاسم السلطة إذا تمكنت من الاجتماع خارج البلاد ومن دون تأثير من أطراف خارجية مثل إيران"، وهذا الموقف لا يزال ضبابياً وغير حاسم، ويبدو أن الإدارة الأميركية تستخدم الأزمة اليمنية كورقة في مفاوضات الملف النووي الإيراني، ولذلك لا تزال قرارات مجلس الأمن الدولي تقتصر على الإدانة والشجب، ولا تصل إلى تبني قرار باستخدام البند السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي.
إن طلب الرئيس اليمني هادي عبدربه منصور من الملك سلمان بن عبدالعزيز باستضافة السعودية اجتماع الأطراف السياسية اليمنية، واستجابة الملك سلمان له، ودعوة السعودية لكل الأطراف اليمنية بمن فيهم جماعة الحوثي، لعقده في مقر أمانة مجلس التعاون الخليجي، هو إثبات على حرص السعودية ودول الخليج العربي على اليمن ووحدته واستقراره، وكذلك لإبعاد الضغوط الخارجية على المتحاورين، علماً أن السعودية ودول الخليج لها الحق في الحرص والحفاظ على أمنها الوطني، من خلال حفاظها على أمن اليمن واستقراره، والحل سيكون من خلال المحور الخليجي-المصري الذي سيكون النواة لبلورة حل سياسي أو عسكري في اليمن.