خلال اعوام شهدت اليمن ميلاد فئات وجماعات ساهمت بشكل كبير في الوصول الى الحال الذي وصلنا اليه اليوم وكان لهذه الفئات اثار تذكر في تغيير مجريات الواقع السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد إلا ان هناك فئتين تطلق كل منهما على نسفها اسما حركيا يبدأ ب "أنصار" فهناك أنصار الشريعة وهي جماعة القاعدة في جزيرة العرب بفكرها الدموي وتركيبتها الاجرامية التي لم تدخر وسيلة للترويع والتدمير إلا واستخدمتها، مرورا ب "أنصار الله" او جماعة الحوثي بسلوكياتها المريبة وممارساتها المقلقة وغطرستها المخيفة وتعطشها للحروب والتي انطلقت من صعدة مهد الحركة الحوثية حيث ظهرت كحركة دينية تطالب بمساحة اوسع من الحرية الدينية، إلا انها اليوم تعتبر من اهم الحركات في البلاد، وربما يعود ذلك الى الاسلوب الهمجي والدموي الذي اتبعته في التوسع والتمدد وتجاهلها للكثير من الاعراف الاخلاقية في الانتشار حيث اتسمت بالعدوانية والانتقام، فقد برز ذلك جليا عند قيامها بنسف منازل واقتحام بيوت بعض الشخصيات في عدة تيارات سياسية وأمنية فكان ذلك سببا في حصولها على هذا الزخم والانتشار، هذه الحركات والجماعات ترافق مع بروزها وهيمنتها بروز انصار من انواع اخرى حيث هناك الانتهازيين وانصار الانتقام والاستغلاليين والمتطفلين على هذه الجماعة او تلك. ساهمت هذه الجماعات في ظهور شريحة مجتمعية ثانية بالتوازي مع الاوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد هذه الشريحة والتي لوجودها اثر يذكر في تاريخ اليمن الحديث والقديم هي شريحة "المهاجرين" والتي تعتبر الشريحة الاوسع في البلاد حيث هُجِر الآلاف اليمنيين من قراهم ومدنهم اما بصورة قسرية كما حدث للسنة في دماج، او هربا من الحروب التي يفجرها الانصار الجدد كما هو الحال في عدن ولحج و ابين وحجة وصعدة وشبوة وعمران والجوف والبيضاء، وما ترتب عن هذه الحروب من هجرات انسانية اخرى الى خارج الوطن تمثلت في رحيل اصحاب الفكر والأقلام الحرة والشخصيات الوطنية، ناهيك عن الكثير من العامة الذين طرقوا ابواب الهجرة الخارجية لظروف اقتصادية في دول الخليج وامريكا واروبا وفتحت لهم الابواب وتم خروجهم من ارض الانصار الملتهبة ولا نتجاهل الاف طلبات اللجوء المركونة في دواليب السفارات الاجنبية وما زالت تحت النظر او لم ينظر اليها بعد و التي لن ينظر اليها اطلاقا حديثي اليوم بلا شك يتمحور حول ظاهرة الانصار المدمرة او ما اسميتهم "الانصار الجدد" التي باتت تؤرق اعين الوطن والساهرين على امنه والمتواجدين فيه انها ظاهرة انصار العصر الحديث في اليمن فقط ولا اتحدث عن الانصار المنتشرين على التراب العربية كالجرثومة فليس لي بهم حاجة اقلها الان. في تاريخ الاسلام السياسي وتشكل الدولة الاسلامية درسنا عن المهاجرين والانصار واحببناهم وسعينا جاهدين في محاولة الاقتداء بهم لما مثلته حالاتهم من صفحات ناصعة البياض خطت فيها عناوين التضحية والدفاع عن الاسلام وهو في مهده الا انه في عصرنا الحديث لا نجد أي تشابه الا في حالة المهاجرين ربما في باب تعريف الهجرة الا انه عند المقارنة بين انصار الامس وأنصار اليوم فأننا نجد اختلافا رهيبا وبونا شاسعا وشرخا عميقا فلا وجه للمقارنة إطلاقا، فمن الذي يقول ان الانصار هم مخربين وقتلة ماجورين وسفاحين بالوكالة؟ من الذي يقول انهم تسموا بهذا الاسم لانهم كانوا رعاع لا يعرفون الا ولا ذمة لا يفرقون بين القتال لمجرد القتل والقتال في سبيل هدف سام ومبدئ نبيل ؟؟ بل انهم عندما كانوا مثل ذلك لم يكونوا انصارا فلم يعرف لهم التاريخ مجدا ولم يكنى لهم في الارض اسما. لقد لعب الانصار رضي الله عنهم دورا بارزا في نصرة الاسلام ونبي الإسلام، وشكلوا علامة فارقة في تاريخ البشرية فجعلوا من مدينتهم ملاذا امنا لقائد الرسالة الجديدة ومنحوه القوة والمنعة، وساندوه على الصمود في وجه الطغيان بعد ان خذله الناس، وجعلوا مدينتهم مركزا للنور الرباني، ومنبرا لانطلاق الدعوة المحمدية بعد ان امنوا به وبرسالته وأدركوا سمو اهدافها، ولم يكن ذلك صدفة او ضرب من الحظ بل لأنهم رجال اصحاب قيم واخلاق لا يمكن ان تتكرر في زمن قل فيه الرجال، فاصطفاهم الله سبحانه وتعالى للقيام بهذا الدور الصعب والمحوري في تاريخ الاسلام والبشرية جمعى. خاض الانصار رضى الله عنهم الحروب والمعارك مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم قلة فصمدوا وضربوا اروع البطولات في الدفاع عن الاسلام ونبيه، فلم يحاولوا ابدا تغيير سياسة القائد وقناعاته التي يؤمن بها، وعندما قويت شوكة الاسلام و توسعت الدولة الاسلامية لم يسعوا ابدا الى الاستئثار بالمناصب القيادية في الدولة، بل ضلوا على الدوام درع الاسلام الحصين وسهامه النافذة حيثما وجههم قائدهم وضلوا جنوده الميامين الذين لا يرتدون على اعقابهم مهما كانت الخطوب. خلال تاريخ الانصار رضي الله عنهم لم يحاولوا صنع ثورات داخلية بل كانت وحدة الصف همهم الأول، ولم ينتقموا من خصومهم او حتى عدو الامة التاريخي وهم اليهود فلم يزرعوا لهم المتفجرات، ولم ينسفوا منازلهم، بل ضلوا متعايشين معهم في مساحة جغرافية واحدة، فلم يخرجوا احدا من ارضه كما حدث مع اهل السنة في دماج، بل اعتبروهم جيرانهم والإحسان اليهم واجب، وبقي شعار لهم دينهم ولي دين هو الحكم والفيصل حتى اذن الله تعالى ورسوله بطرد اليهود من المدينة، وقد تحققت للرسول صلى الله عليه وسلم الانتصارات تلو الأخرى، فلم يطالبوه بإعدام او ملاحقة او تقديم اركان النظام السابق "المشرك" للمحاكمة الفورية، بل اصدر القائد العام صلى الله عليه وسلم في الفتح الاعظم عفوا شاملا عن كل كفار مكة، فلم يذل من ناصبوه العداء من اركان الشرك في مكة، بل زاد في عفوه ان منح من يحب الوجاهة والفخر - أبي سفيان -وجاهة وفخرا وشرفا لن ينساه التاريخ، ولن تتجاهله السنين، حين قال ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن. الاختلاف بيّن بين الانصار بالأمس والأنصار اليوم، فلا مجال للمقارنة، بل ان محاولة المقارنة ضرب من الجنون، وتخريف لا يقبله عقل ولا يستسيغه منطق، والسبب ان الانصار الجدد وجدوا في الرسالة المحمدية طريقا ومسلكا مرنا لتنفيذ وتحقيق طموحاتهم بما يصدره اسيادهم من فتاوى فقد جعلوها طوع أوامرهم، ملبية لحاجتهم الانتهازية، وحققوا بها مكاسب دنيوية عريضة حيث فسروها وأولوها كما يريدون، واقنعوا بها السذج والبسطاء وشكلوا منهم دروعا بشرية رخيصة لحمياتهم و لضرب خصومهم وأعدائهم، فأصبح القتل بأرخص الاثمان او بلا ثمن ان صح التعبير، وأصبح الدمار يباع في كل مكان بلا رادع من ضمير فقد اعتبر الانصار الجدد خصومهم في الوطن اعداء ازليين لا سبيل لتجاوزهم الا بالقتل والتنكيل والتهجير ونسف منازلهم والاعتداء على حرماتهم والتعدي على خصوصياتهم وتوثيق ذلك بالصوت والصورة في غرف النوم. لقد ظهرت ابهى صور الخسارة الاخلاقية لانصار الله مثلا عندما تحولت ثورتهم المزعومة الى عمليات انتقام وتنكيل بالخصوم، وتبرهن السقوط الاخلاقي المدوي عندما هاجموا المنازل والبيوت واقتحموها ونهبوا كل ما فيها، ولم يكتفوا بذلك بل دخلوا الى خدور النساء، ونشروا كل هذا عبر الوسائط المتعددة في تجرد تام من الاخلاق وانسلاخ واضح عن الشهامة والرجولة. واليوم تتجلى هذه الخسارة الاخلاقية لأنصار الله في عدوانهم على عدن والجنوب، بعد ان كانت مظلومية قضيتهم لا تذكر إلا بعد ان يتحدثوا عن الجنوب وعدالة قضيته وحق ابناءه في تقرير مصيرهم، إلا انهم وكغيرهم ممن سبقهم افاقين وكاذبين، ولا يهمهم إلا اشاعة القتل والدمار والخراب في كل ربوع الوطن. ان وضعنا وبلادنا الراهن بحاجة الى الانصار ، ولكن من هم الانصار الذين نريد ؟ وماهي مواصفاتهم؟ ان كل ما ذكرت سالفا ليست هي مواصفات الانصار الذين نريد وليس هم الانصار الذين نحن بحاجتهم فعلا فالبلاد تأن تحت وطأة التفجيرات والمفخخات والحرب المستعرة على تراب الجنوب، فالبلاد تريد انصار يذودون عن حياضها ويدفعون عنها السوء والشر، وليس جماعات ومليشيات تسببت في تدمير الجيش وتدمير النسيج الاجتماعي، البلاد بحاجة الى انصار يحملون الهم الحقيقي لها ويسعون الى تخفيف الاعباء عن المعوزين والفقراء من ابنائها فقد خذلهم قادتهم الذين ما ان وصلوا الى راس هرم السلطة حتى تنكروا لها ولهؤلاء البسطاء ونسوا ما وعدوا به هذه الشعب المغلوب على امره، الانصار الذين نريدهم رجال شرفاء ذوو نخوة وشهامة لا يحملون الحقد والانتقام من كل ما يهيأ لهم انه خصم وعدو، رجال لا يسعون الى بسط نفوذهم بالقتل والترويع والترهيب والتدمير وشن الحروب على حساب البلاد والعباد تاركين الاخلاق والانسانية في مكب النفايات، الانصار الذين نريدهم رجال رحماء يلمس عطفهم الصغير قبل الكبير لا يميزون بين العباد ولا يصنفوهم كما يريدون، لأنهم انصار ليس لديهم حسابات مذهبية او حزبية او طائفية، الانصار الذين نريدهم لا يجرمنهم شنأن قوم ان يعدلوا بل يعدلوا ويعطون كل ذي حق حقه مبتعدين عن الكراهية والبغضاء، لا يزرعون الموت في طرق وشوارع المدن التي تطأها اقدامهم ، الانصار الذين نريدهم رجال مدركين حجم المأساة التي تعيشها البلاد، ومدركين لحجم المؤامرة التي تحاك ضد الارض والإنسان، لا يتنازلون عن السيادة الوطنية ولا يرتهنون لمن يريد الحاق الضرر بالوطن مهما كانت المغريات ومهما كانت المكاسب الدنيوية، الانصار الذين نريدهم في ظل هذا التشظي والتفتت والانقسام والاحتراب قادة قادرين على لم الشمل وجمع شتات الوطن والسير به في طريق واحد لتحقيق هدف وجوده النبيل، رافضين كل انواع الصراعات والانقسامات المذهبية والحزبية والايدلوجية، الانصار الذين نريد هم اقتصاديون محنكون قادرين على انتشال البلاد من الازمة الخانقة التي تعيشها يرسمون خططا تنموية حاملين برامج ومشاريع نهضوية للبلاد ليس مرتزقة ولا طفيليات توردنا في المهالك، الانصار الذين نريد هم حملة الشهادات العلياء والكفاءات والخبرات الكافية لإخراج اليمن الى بر الأمان، الانصار الذين نريد يحز في نفوسهم الوضع المخزي التي الت اليه الامور في كل الميادين من الامن والدفاع حتى الثقافة والتعليم والصحة والاقتصاد، يؤلمهم الوضع المأساوي لأكثر من نصف الشعب الذين يعيشون تحت خط الفقر، يعملون على ردم مستنقع التخلف والجهل التي غرقت فيه البلاد، الانصار الذين نريد هم النخب المثقفة والمتعلمة المحبة للأرض والانسان المتسلحة بالعطاء والبذل ونكران الذات. فهل سيكون للبلاد ما تتمنى ولنا ما نريد؟؟؟؟؟