ي المقابلة الثانية أو الثالثة بين الرئيس هادي والمبعوث الدولي الجديد، أعلنت الحكومة اليمنية موافقتها على حضور المشاورات في جنيف بشأن الحل السياسي. وفهمتُ من كلام موظفي الأُمم المتحدة، أن ذلك كان من دون شروط مسبقة. والشروط المسبقة كانت لجهتين: لجهة الأطراف المشاركة، ولجهة حالة المشاركة. فلجهة الأطراف المشاركة، كانت الحكومة اليمنية ترفض إشراك «صالح» وأولاده. علماً بأنّ فريقاً متمرداً من حزبه كان قد حضر مؤتمر الرياض. والمفهوم الآن أنّ تمثيل الحزب (مؤتمر الشعب العام) لن يقتصر على بن دغر والخارجين على طاعة صالح، بل سيحضر الفريقان، وكذلك الحوثيون، وبقية المشاركين في مؤتمر الرياض وحوارات صنعاء. أما «الحالة» التي يجري فيها التفاوض، فالحكومة اليمنية اشترطت للحضور البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والقاضي بخروج الحوثيين من المدن، وإعادة السلاح الذي نهبوه. ومفهوم الآن أنّ هذا الشرط جرى التنازُلُ عنه أيضاً. وبذلك صار الجو ممهَّداً لانعقاد جنيف يوم 14 يونيو.
ولنبدأ بالأمر الأول: إشراك صالح. هذا الرجل استخدم السلطة منذ الثمانينيات لتحصين نفسه سياسياً. أما عسكرياً فاعتمد على أخيه لأمه علي سالم الأحمر، فبنى الحرس الجمهوري، وبعض الألوية الأُخرى، وقوات الأمن الخاص، وقوات مكافحة الإرهاب (بالمشاركة مع الأميركيين)، وكلها سلَّمها لأولاده وأولاد إخوته الذين صاروا ضباطاً كباراً. وظلَّ قريبه الأحمر المنهمك بقتال الحوثيين معتنياً بفرقته الأُولى، أما فرق الجيش الأُخرى فأُهملت. ولذلك، عندما قرر صالح مطلع 2013 الاتصال بالحوثيين، قام بعدة إجراءات: جَمْع كل جهات الجيش والأمن القريبة منه تحت قيادة ابنه وابن أخيه، وحجْب الدعم عن الفرقة الأولى، والألوية التي مالت لهادي، وإباحة مخازن الجيش والأمن للحوثيين بعد أن حطَّم الفرقة الأُولى. وقد أَوهم جهات عربية ودولية أنه ضد «القاعدة» وضد «الإخوان»، وهو ليس ضد ّ أحد ولا مع أحد، وإنما تتقلب الأمور بحسب المصالح القريبة. وكان الأمر الإيراني للحوثيين: السيطرة في العاصمة، والحكم من وراء الستار. لكن صالحاً أرادهم أن يسيطروا بالقوة على الجنوب مقابل التحالف، فتورطوا وصارت كل مناطق تواجدهم عرضةً للهجوم. ما الموقف الآن؟ نصف قوات صالح دُمّرت. لكن وزناً عسكرياً باقياً له إلى الآن. وقوته السياسية والشعبية أقل من قوته العسكرية. وما عاد له شيء في جنوباليمن باستثناء العساكر المقاتلة. لكن في الشمال لا يزال قوة سياسية رئيسية إلى جانب «الإصلاح» والحوثيين. فإذا كان لابد، ولم يمكن الخلاص منه، فلا بأس بإشراكه، لكفّ شره، وللإبقاء على بعض الجيش. إنما لا ينبغي الاستخفاف بعبد الكريم الإرياني، وبابن دغر، والشماليين والجنوبيين الآخرين من رجال الإدارة والدولة.
ولنمض إلى ما سميناه: الحالة. فانعقاد مؤتمر جنيف كان مشروطاً بقرار مجلس الأمن 2216. ولأن الحوثيين وصالح رفضوا تنفيذه، ما انعقد في موعده الأول، إذ اعتبرته السلطة اليمنية شرطاً للحضور. والمفهوم الآن أنّ السلطة اليمنية ما عادت تعتبر الإنفاذ المسبق للقرار شرطاً للحضور. والذي أراه أنّ التسهيل بهذه الطريقة، يمكن أن يؤوَّل باعتباره ضعفاً، ومن جانب الحوثيين وصالح وإيران قبل غيرهم. لكن التنازل إنما هدفه إحقاق التسوية على أساس مخرجات الحوار الوطني، ونتائج مؤتمر الرياض. ولذا فالمطلوب التزام خطّي تأتي به الأممالمتحدة من الحوثيين وصالح على الأمرين: قرار مجلس الأمن، ومخرجات الحوار الوطني. ولدى الحوثيين اتفاق السلم والشراكة. ولدى الفرقاء اليمنيين الآخرين: مؤتمر الرياض ونتائجه. وبذلك ينحصر التفاوض في نقطتين: إنفاذ قرار مجلس الأمن، وإنفاذ مخرجات الحوار الوطني، وعلاقة ذلك باتفاق السلم والشراكة، ونتائج مؤتمر الرياض. إنّ الشرط الخارجيَّ الذي لا ينبغي التخلي عنه على مشارف جنيف يتمثل في استمرار عاصفة الحزم. إنّ مؤتمر جنيف مهم. إنما الأهم تأمين الشروط الضرورية للنجاح باستمرار الضغط العسكري. وهي شروطٌ ما تحقق شيء منها حتى الآن بسبب إصرار الحوثي وصالح على العدوان على الشعب اليمني.