هزيمة الحوثيين النهائية باتت قريبة، وهو ما يعني أن المشروع الايراني في اليمن في طريقه إلى السقوط، إذا لم يكن قد انتهى فعلاً. كان الرهان الحوثي ايرانياً، بحيث توهم الحوثيون أن ايران لن تتركهم وحدهم في حرب شرسة، كانوا هم من أشعل فتيلها، من غير أن يتيحوا لأنفسهم فرصة اللجوء إلى خيار آخر في حال فشل مغامرتهم العسكرية. ما كانت ايران تتوقع حدوثه شيء وما جرى على أرض الواقع شيء آخر. ربما أوهمتهم ايران حين توهمت هي نفسها أن الرد العربي لن يكون محتملاً. لذلك لم يكتفوا باحتلال العاصمة وهو ما أخرجهم من منطقة الحوار الوطني فقرروا اسقاط الشرعية في كل مكان تلجأ إليه، من أجل فرض واقع سياسي جديد على الأرض، يكونون سادته في الحرب كما في السلم. كانوا يمنُّون النفس بإجراء مفاوضات وفق مقاساتهم، يكون فيها الطرف الآخر متهالكاً وفاقداً القدر الكبير من قدرته على أن يكون على الاقل نداً لهم. في مرحلة الغزو الاولى كانوا يفكرون في املاء شروطهم، غير أن تطورات الحرب وقد كانت لصالحهم جعلتهم يقعون في فخ تقديرات سياسية خاطئة، وهو ما دفع بهم إلى الاستمرار في الغزو رافضين الانصياع لأي حل سياسي عُرض عليهم. الغريب أنهم ظلوا مصرين على الانجرار وراء الغواية الايرانية، بالرغم من أن الموقف الايراني نفسه شهد تراجعاً لافتاً. فبعد أن كانت ايران قد أعلنت أن أذرعها صارت تطبق على مضيق باب المندب صارت تقدم المبادرات التي تنطوي على حلول سياسية للأزمة. وإذا ما كانت عاصفة الحزم قد فاجأتهم فإن صدمتهم بالعجز الايراني عن نجدتهم جعلتهم يواجهون حقيقة ما انتهوا إليه بمنطق انتحاري. اليوم وبعد الهزائم الكبيرة التي لحقت بهم وهي هزائم ستقود بالضرورة إلى هزيمتهم الكبرى صار الحوثيون يقترحون العودة إلى مائدة الحوار، ملوحين بإستعدادهم لتطبيق قرار مجلس الأمن الذي رفضوا تطبيقه في وقت سابق. أحدث ذلك التحول استجابة لنصيحة ايرانية أم أن الحوثيين وبعد أن أدركوا أن ميزان القوى في الحرب لم يعد لصالحهم قرروا أن يفلتوا من العقاب الذي ينتظرهم إذا ما انتهت الحرب بهزيمتهم عن طريق الظهور بمظهر مَن يرغب في السلام؟ في حقيقتهم فإن الحوثيين لم يكونوا في حاجة إلى مَن يضللهم. لم يكن لجوؤهم إلى الحل العسكري إلا انعكاسا لطريقتهم في النظر إلى الآخرين، وهي الطريقة نفسها التي يعتمدها حزب الله في التعامل مع الآخرين في لبنان. في تلك الطريقة يغلب مبدا الاستقواء وهو مبدأ يقود بالنتيجة إلى أن يكون استضعاف الآخرين وسيلة للوصول إلى تهميشهم واقصائهم من المشهد. وهو بالضبط ما سعى إليه الحوثيون حين قرروا ابتلاع اليمن كله. عن طريق الحرب خسر الحوثيون حقهم في الشراكة الوطنية. آثار المأساة التي كانوا صناعها لن تمحى بيسر وبزمن قصير. هناك اليوم مدن يمنية مدمرة وشعب يعيش على المعونات الأجنبية. لذلك فمن وجهة نظري أن أي حل سياسي لن يكون مقنعا للأغلبية التي تضررت بسبب تلك الحرب حتى لو جاء ذلك الحل من الاممالمتحدة عن طريق ممثلها الموريتاني. ستظل تلك الحرب تمثل بالنسبة لليمنيين درساً بليغاً. غير أنها في الوقت نفسه ستكون درسا للإيرانيين الذين ستكون هزيمة الحوثيين بداية لتقلص نفوذهم في المنطقة. فما حدث في اليمن يمكن أن يحدث في سورياولبنان والعراق. وهو الدرس الذي يمكن أن يتعلم منه العرب الشيء الكثير. فالتصدي للخطر الايراني مباشرة أفضل بكثير من محاولات تفادي الاصطدام به.