"آخِرْتْ المُحَنْشِش للحَنَشْ"، مثل شعبي يمني، يقال لكل شخص "مُحانب"، و"الحَنَشْ" باللهجة اليمنية يعني الثعبان، و"المُحَنْشِش" هو من يهوى البحث عن الثعابين في أوكارها، ويستمتع بإيذائها واصطيادها من جحورها، و "المُحَانب" هو ذاك الشخص الذي يتلذذ بإيذاء الآخرين من حوله، ويعيش حياته على زرع الفتن والضغائن والأحقاد بين الناس. المثل أعلاه ينطبق كُلياً على المخلوع علي عبد الله صالح، صاحب المقولة الشهيرة، أنَّ الحكم في اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين، بإشارة منه لصعوبة الحكم في اليمن، بسبب التعقيدات الكبيرة في تركيبته القبلية والجيوسياسية، والذي لا يستطيع أحداً أن يحكمه سواه، أو من يجيد الرقص على رؤوس الثعابين مثله. رقصَ صالح على رؤوس الثعابين فعلاً، وب "الفهلوة" استطاع أن يحكم اليمن لمدة 33 سنة، ليس لأنه كان ذكياً أو "داهية" كما يحاول البعض أن يصوروه لنا، ولكن لأننا كنا "أغبياء"، عندما وصل إلى السلطة، فبدا هو ذكياً مقابل غبائنا، وسامحوني على هذه الكلمة، نعم بدا صالح ذكياً، بسبب غباء وسذاجة نخبنا السياسية المفرط آنذاك، والذي وصل حداً جعلها مجرد أدوات تابعة له. وأعني بالنُخَب تلك التي عاصرت بدايات حكمه مطلع الثمانينات، وبمقدمتهم الإسلاميون وقياداتهم، الذين استخدمهم كروتاً -مع الأسف الشديد- لتصفية خصومه في محطات عدة، أولها كان في حربه مع الجبهة الوطنية الديمقراطية، وتصفية رموزها، في ما عُرف آنذاك ب "حرب الجبهة" بين الأعوام 78 – 82م، وسمح لهم بفتح المعاهد العلمية كمكافأة على وقوفهم معه، ليُغلقها فيما بعد، والثانية في حرب 94م، عندما فتح لهم أبواب المعسكرات، ليُلقوا المحاضرات على الجنود، كما جيَّشهم في المساجد للتعبئة العامة ضد الحزب الاشتراكي،" فصنعوا مجد علي عبد الله صالح بسذاجتهم تلك، تحت لافتة "مخاطر سقوط البلاد بيد قوى اليسار "الشيوعيين"، وهاهم اليوم يجنون ثمار تلك السذاجة علقماً. بالمقابل وحتى لا نلقي باللوم على الإسلاميين وحدهم، فهناك العديد من القيادات التاريخية، المحسوبة على قوى اليسار، ومنها قيادات محسوبة على الحزب الاشتراكي، استطاع صالح شرائها بالمال، وظلت تُسبِّح بحمده وتدور في فلكه حتى الأمس القريب، بل أكثر من ذلك، هنالك من اليساريين من لبسوا العمامة والثوب، وأدوا مراسم الولاء والسجود لسيد مرَّان، في تناقض عجيب، يعكس خُواء هؤلاء حتى من شعاراتهم حول المدنية والحداثة والتقدم، وقد ظهر ذلك جلياً للعيان عند سقوط عمران بيد المليشيا بمباركة ودعم من الرفاق. رقَص صالح على رؤوس الجميع، حتى دقَّت ساعة الصفر وحانت لحظة الحقيقة، مع زلزال2011، الذي أفقده السيطرة كلياً على الرقص، فخرّ مغشياً عليه، ولم يفق سوى داخل غرفة الانعاش في إحدى مشافي الرياض. الرياض التي جلبت له الخبراء في الترميم والتجميل من كل مكان، وأعادت تجميعه وتشكيله، ثم جعلت منه إنساناً ولِدَ إلى الحياة من جديد، وهو الذي كان قد وصلها "تشليح"، لم يعد يومها صالحاً ليباع حتى كقطع غيار في سوق الحراج، ثم أعادته إلى بلده معزَّزاً مكرماً، فإذا به ينكُص على عقبيه، وينسى الفضل لأهل الفضل عليه، بل وفوق ذلك أدبر واستكبر، وأضمر لهم الشر. عاد صالح مرة أخرى لممارسة هواياته في الرقص، واستحضر درساً مهماً كان قد تعلمه في حياته السياسية، وهو أن استخدام الدين، والناس "الهُبل" من رجالاته، هم الدواء الناجع عند "الحَوَصَات"، فقرر أن يستخدم كرتاً دينياً آخر، ظل يرعاه ويطب طب عليه، طوال السنوات الماضية، بل وأمر الجيش بالعودة من جبال مرَان، في الحرب السادسة على صعدة، وهو على مشارف النصر، خوفاً عليه من الهزيمة، لأنه كان يدرك أنه سيحتاجه يوماً. تواصل صالح مع "الأهبل" الجديد، صاحب خرافة السلالة وآل البيت والحق الإلهي و....و ... الخ، من هذه الخزعبلات، والذي كان قد صدَّق خُرافات أجداده، وينتظر بفارغ الصبر، ذاك اليوم الموعود، الذي سيأتيه الملك فيه فجأة، ليتوج وكيلاً عن الله، في إدارة شئون الخلق والعباد، وما أن بدأ صالح يشرح له الخطة، حتى بدا له أن هذا هو اليوم الموعود فعلاً، وما صالح إلاَّ سبباً قد أرسله الله، ليعود الحكم إلى أهله ومستحقيه، وهم سُلالة آل البيت، الذين هم أبناء الله وأحباؤه، والذي يمثلهم اليوم عبد الملك. نزل "الأهبل" إلى الحلبة "من صِدْقُه" ليرقص مع الثعلب، على رؤوس الثعابين، وهو رجُل دين لا يزال غِرَّاً، ولا يفهم في الرقص عموماً، فكيف بالرقص على رؤوس الثعابين. استطاع صالح وسيَّد مرَّان أن يرقصا لبعض الوقت، وبدت الرقصة سهلة "للسيد الغِرّ"، وليست بتلك الصعوبة التي كان يظن، ومن فرط نشوتهما، اقتربا من وكر أفعى "الكُوبرَى" المفترسة، وما أن حاولا إيذائها، حتى افترستهما معاً في لحظات، فكانت تلك رقصتهما الأخيرة.